كشفٌ جديد حول أصل البشر وخارطة انتشارهم.. تقاطعٌ زمني بين “الإنسان القدم” و”الإنسان الجديد”
اكتشف علماء إسبان وألمان حفريات تاريخية قد تنسف بعض النظريات المعتمَدة بشأن أصل الجنس البشري وتحوله من الإنسان البدائي إلى الإنسان المعاصر.
الاكتشافات ركزت على مرحلة التحول بين العصر الحجري الأوسط والعلوي (بلغة الأرقام: من 40 ألف عام إلى 11 ألف عام مضت)، وتحديداً في منطقة شبه الجزيرة الأيبيرية، أو ما عرف لاحقاً بـ”شبه جزيرة الأندلس”، وحالياً إسبانيا والبرتغال.
وكانت لحظة التحول من العصر الحجري الوسيط إلى العلوي، هي مرحلة التحول من الإنسان البدائي إلى الإنسان الحديث.
إعلان
وأعلَنَ الاكتشاف كل من مانويل ألكاراز كاستانيو وهو باحث ما بعد الدكتوراه، وماري كوري في متحف النيانتردال (الإنسان البدائي) بألمانيا، وخوسيه خابيير ألكوليا أستاذ الفلسفة بجامعة ألكالا والمتخصص في العصر الحجري الأعلى وكهوف ما قبل التاريخ، وجريد كويستين وينغر مدير متحف الرجل البدائي.
ماذا اكتشفوا ؟
ساد الاعتقاد بندرة التجمعات البشرية في مركز شبه الجزيرة الأيبيرية (وتحديداً بالمنطقة الجبلية) في النصف الثاني من العصر الجليدي العلوي أو الباليوثي، وبأن الجنس البشري القديم لم يحيَ في تلك الفترة الجليدية وكذلك انقرضت الحيوانات الكبيرة، لكن الأبحاث الجديدة كشفت العكس تماماً.
ويوضح الباحث ألكاراز أنه عكس المناطق الساحلية، فقد أُجريت حول هذه المنطقة الجبلية دراسات قليلة، ويُقال إن عدد من عاشوا هناك كان محدوداً للغاية؛ لأنها كانت مجرد طريق، و”قد أردنا التيقن من صحة هذه الشكوك عن طريق دراسة جديدة في هذا المجال”.
وفي مقاطعة غوادالاخارا الإسبانية، اعتمد الباحثون على بيانات لبعض الرواسب الأساسية لما يسمى “الفن الحجري القديم”، مثل كهف كاساريس، الذي يحتوي على مجموعة كبيرة من الرسوم والنقوش، والتي رغم الأهمية العلمية الكبيرة لها فقد أُجريت حوله القليل من الأبحاث.
وأحد أسباب إجراء الدراسات الجديدة، أنه ومنذ ستينات القرن العشرين تقريباً كان من المعروف أن كهف كاساريس منطقة قطنها جنس النياندرثال، رغم أن الشكوك حتى الآن تتركز حول تواريخ الاستيطان البشري، “يمكن القول إنها تعود إلى نحو 30 أو 200 ألف عام مضت”.
ولكن عُثر على نقوش من العصر الحجري القديم العلوي على جدران كهف كاساريس، نقشها الإنسان الحديث، وبينها مجموعة من التماثيل المجسمة، كما عُثر على آثار مشط يد تابعة للإنسان الحديث.
نتائج مهمة “للمرة الأولى”
ومن المقرر أن ينشر مانويل ألكاراز كاستانيو نتائج أبحاثه الجديدة في مجلات علمية متخصصة بعدما تأكد من عمرها مخبرياً.
وتوصل الباحثون إلى أن الإنسان البدائي عاش هناك قبل نحو 40 ألف عام، في الوقت نفسه الذي انقرض فيه الإنسان البدائي في كل أوروبا، وهي تتزامن مع ظهور الإنسان الحديث.
وقال كاستانيو إن العلماء يقتربون أكثر من تحديد هذه اللحظة من التاريخ.
واعتبر ألكاراز أن هذه الاكتشافات التاريخية “تمثل لحظة جوهرية ستساعد في حسم المعركة حول تاريخ التحول من العصر الحجري الأوسط إلى العلوي، ومن الإنسان البدائي إلى الإنسان الحديث”.
ويمكن أيضاً التوصل لمعرفة أسباب انقراض الإنسان البدائي. وفي المقابل، شدد الباحث على الحذر من سرعة الاستنتاجات وحسم الأمور والحقائق.
وتشير المعلومات إلى أن الإنسان الحديث وصل مبكراً إلى شمال إسبانيا، بينما بقي الإنسان البدائي في المنطقة الوسطى (شبه الجزيرة الأيبيرية)، و”رغم كثرة ما قيل عن هذا الأمر، فربما لم يلتقيا حتى في شبه الجزيرة الأيبيرية أبداً”، على حد قوله.
بقايا حيوانات برية وكأنها تعود ليومين
ولم تتوقف جهود الفريق عند هذا الحد؛ بل امتدت أعمال التنقيب لمسافة 70 كيلومتراً بعد كهف كاساريس بمنطقة بينيا كابون، إلى منطقة جغرافية مختلفة جداً، وفي بينيا كابرا تحديداً التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري الوسيط (23.000–11.600 سنة مضت)، حيث عُثر على حُفر أقدم من تلك الموجودة في كهف كاساريس.
ويعد مكانا التنقيب كهفين يوازيان مجرى النهر على الجانب الأيسر، ومن الصعب جداً الوصول لهما، وهي أماكن غير معروفة، سوى من خلال مراجع محدودة منشورة في التسعينات.
وقال الفريق إن بينيا كابون هي الأكثر أهمية؛ لأن التطورات الحديثة وتسلسل الوثائق في العصر الحجري العلوي، منذ 25 ألف عام، تتزامن مع الوقت الذي يسمى الذروة الجليدية الأخيرة.
وكان الغطاء الجليدي يغطي نطاقاً كبيراً من الأرض، ما يعني سيطرة البرد والجفاف الشديد على الهضبة بالكامل، وربما فضّل سكانها بعد ذلك الذهاب إلى المناطق الساحلية الأكثر اعتدالاً.
واعتقدوا أن الأمر جرى بشكل مختلف، لكن أعمال الحفر أظهرت “إعادة توطين السكان”، التي يمكن أن تغير النظريات المتفق عليها حالياً، “فداخل كهف جبلي في مكان مفتوح، وجدنا بقايا هؤلاء البشر، ومعهم أدوات صيد”.
وأضاف: “هناك الكثير من الرؤوس وبقايا الحيوانات البرية في حالة جيدة، مثل عظام كتف حصان تبدو كأنها تعود ليوم سابق فقط”.
وحالياً، يستكمل الفريق اكتشافاته في مساحة تتعدى مئات الأمتار المربعة أسفل كهف ضخم، مؤكدين أنهم لم يتوصلوا بعدُ لما يسمى حجر أساس أرضية الكهف، حيث يتوقعون المفاجآت.
واعتبر ألكاراز أن هذا الاكتشاف العلمي يأتي لـ”ملء الفراغ” فيما يتعلق بحقبة من العصر الحجري.
ويأمل الفريق الحصول على دعم حكومي أو علمي لاستكمال أعمالهم، ومن مشروعاتهم المقبلة نشر كتاب “كهف الرنة في مقاطعة غوادالاخارا”، على أمل فك شيفرة التاريخ البشري.