كيف بدأت قصة الكون وفق الاسطورة السومرية، كيف انفصلت السماء عن الارض، كيف بدأ الخلق و كيف تكونت الكواكب والأقمار ..
قبل كل شيء، وقبل ان يكون الكون موجوداً، كان هنالك ما يسمى بـ "الهيولى الأولى"، وهي ببساطة المادة الأولية الواحدة التي خلق منها الكون كله ..
ووفق الاسطورة السومرية كانت هذه المادة التي خلق منها كل شيء هي الماء، و هذا الماء، البحر الهيولي الأول، يتمثل بالآلهة السومرية "نمّو" وهي الآلهة التي تكون منها الكون، بما في ذلك الكواكب وبقية الآلهة والانسان ( الاله الضعيف ) .. وبذلك كانت الآلهة "نمّو" هي ام جميع الآلهة، و اساس الخلق ..
حدث ذلك عن طريق حركة ذاتية قامت بها الآلهة نمو، حيث دارت دورة كاملة حول نفسها لينفصل جزؤها السالب عن الموجب، و يبدأ الوجود ...
عندما انفصل الجزئين عن بعضهما، انتج ذلك ما يسمى بالجبل الكوني، قمته في السماء، وهو الجزء الموجب منه المتمثل باله السماء "آن" و قاعه في الارض وهو الجزء السالب منه و المتمثل بإلهة الارض "كي" ..
و لذلك كانت السماء والارض متلاصقتين في اول الامر، و بكلمة الآلهة الأم حدث التزاوج بينهما ليلدا اله الهواء "انليل" .. الذي ازاح امه عن ابيه ( السماء عن الارض ) ليكون الفضاء ..
لكن الإله انليل بقي ملتحماً بأمه الارض، و لذلك فقد ورث سلطة ابيه "آن" عليها ..
كان لـ "آن" و "كي" ابن آخر اسمه إنكي، و هو اله الماء .. وبذلك اكتملت العناصر الاربعة الاساسية : السماء، الارض، الهواء و الماء .. كما ان للإله آن ابن ناري وهو الإله "نسكو" الذي صار وزيراً لأخيه "انليل" اله الهواء ..
يعتبر الإله آن هو اله السماء و الحاكم الأعلى في البانثيون الإلهي السومري، ويليه في المرتبة ابنه إنليل، اما الإله انكي، اله الماء" فهو الاله المعني بخلق البشر والنباتات والحيوانات و كل شيء حي، اعتبره السومريون اله الحكمة والحيلة والذكاء والمعرفة .. وهكذا اصبح هذا الاله سيد الحياة كلها ..
يعتبر الاله انكي هو صديق الانسان و خالقه. منقذه، وهو الذي انقذ النسل البشري من الطوفان العظيم، و هو ايضاً يعتبر اله السحر الابيض، يستنجد البشر به في الملمات ..
ولنكمل حديثنا عمّا تبقى من قصة الكون، يجب ان نتحدث عن سلالة الإله انليل، الشجرة الإنليلية الهوائية النارية ..
بعد ان استلم الإله انليل سلطات أبيه آن، وعين أخاه "نسكو" اله النار وزيراً له، اتحد الهواء مع النار في تكوين سلالة هي في الواقع كل ما يظهر في هذا الكون من كواكب واقمار و اجسام و عواصف وامطار، كما انها ستعنى بدوران الفلك وتبدل الفصول ..
كان السومريون يعتقدون ان الارض مسطحة، و يغلفها الهواء من الأعلى، و يحيط بها الماء من باقي الجهات الثلاثة، بما فيها السفلى، وهي المنطقة المتمثلة بعالم الموت والشياطين : العالم السفلي ...
ولذا كان على الاله انليل ان يخلق الشمس والقمر ويكون الليل والنهار، ومن اجل ذلك قام هذا الاله بمناورة ذكية ..
من اجل ان يخلق اله القمر "نانا"، كان لابد لإنليل من ان يتزوج بالإلهة "ننليل"، و عندما رآها تستحم عارية طلب مضاجعتها مراراً ولكنها رفضت، ولذلك ذهب اليها بقاربه الملكي و اغتصبها ..
كان هذا الاغتصاب ضرورياً، من اجل ان يتكون الليل والنهار، وسنعرف السبب بعد قليل ..
يعد الاغتصاب ذنبٌ كبير يعاقب عليه الجميع، بمن في ذلك الألهة، ولذا كان عقاب الإله انليل هو ان ينزل الى العالم الاسفل، و يبقى فيه الى الأبد ..
وعلى الجهة الأخرى، كانت الألهة ننليل ساكنة على الارض هي تحمل في رحمها جنينٌ هو إله القمر "نانا"، وكان عليها لكي تخلص ابنها القمر من اللعنة الابدية ايضاً، ان تلحق بأبيه الى العالم الأسفل ..
امتازت ننليل بان لها قدرة على ان تحبل باربعة ابناء في آن واحد، كلما ضاجعت الإله انليل .. وعندما نزلت ننليل الى العالم الاسفل اصبح هنالك ثلاثة آلهة في العالم الأسفل : انليل، ننليل، و نانا ..
ولكي يتخلصوا من اللعنة كان لابد لوجود ثلاثة اهلة آخرين يحلون محلهم في العالم الأسفل، ولذلك كان على ننليل ان تحبل بثلاثة آلهة غير شرعيين لكي يحلون محلهم في العالم الاسفل ..
قام انليل بحل هذه المشكلة، حيث قرر ان يتنكر بهيئة ثلاثة اشخاص يقومون بمضاجعة ننليل لكي يلدا ثلاثة الهة يحلون محلهم، فعندما نزل انليل الى العالم الاسفل وقف على بوابة العالم هذا، وتنكر بهيئة البوّاب .. و عندما نزلت ننليل اليه اقنعها بأنها لكي تخلص ابنها نانا من اللعنة عليها بمضاجعته، مضاجعة البواب الذي هو نفسه انليل، وبذلك تستطيع العودة برفقة ابنها الى العالم الأعلى ..
و كرر ذلك انليل مرتين اخريتين، ضاجعها متنكراً بهيئات ثلاث مختلفة ليلدا ثلاثة الهة غير شرعيين، وبذلك رجع انليل و ننليل و نانا الى العالم الأعلى ..
و من ضمن ابنائهما غير الشرعيين كان هنالك اله يسمى اله الشمس؛ "نرگال" ..
و لأن الابن نانا ( القمر ) غير شرعي، فكان يتوجب عليه ان ينزل الى العالم الاسفل كل يوم مرة، ولذلك فهو ينزل في الصباح، ويعود ليظهر على الارض في المساء ( وهنا تكون الليل ) ..
و كذلك اخيه غير الشرعي "نرگال" اله الشمس، كان يخرج في الصبح و يعود في الليل .. ( وهنا تكون الصباح ) ..
اما الابنين غير الشرعيين الآخرين "ننازو" و "كيبيل" فقد استثمرتهم الاسطورة في تفسير ظواهر اخرى متعلقة في الارض ..
فالإله ننازو كان يمثل الطب، ويرمز له بالأفعى، وهو يخرج من العالم السفلي ويعود اليه بين فترة واخرى مثل اخوته، و هذا يفسر سبب خروج العلاج من باطن الارض عن طريق الاعشاب المختلفة ..
اما الاله اليجييل "الكيبيل" فهو اله النار التي تخرج من باطن الأرض بين فترة و اخرى ..
القصة تطول، و روايات الاساطير السومرية المدونة فيها من القصص ما يشبه الى حد بعيد تلك التي وجدت في الكتب السماوية الثلاثة، فقصة ادم وحواء، وجنة عدن، وقصة طوفان نوح، و قصة النبي موسى، وغيرها الكثير، كلها قصص سومرية مدونة على الاحجار، وهي تشبه الى حد بعيد تلك القصص الموجودة في الكتب السماوية، مع تغيير بعض الاسماء؛ فنوح بدلاً من اوتنابشتم، وموسى بدلاً من سرجون .. و بعضها نُسخت حتى بدون تغيير اسماء ولا تفاصيل ..
والسؤال هو : هل كان للسومريون انبياء ؟ ام ان الاديان الاخرى هي مجرد اساطير متفرعة عن الاسطورة الأم ؟
منقول من صفحة الصديق ابراهيم هشام ^-^
رد مع اقتباس
