مضار ومخاطر استخدام وشرب الماء المعقم بالكلور



يعد استخدام الكلور لتعقيم مياه الشرب، أحد أهم الإجراءات المتبعة عالميا لتطهير المياه من الملوثات البيولوجية الموجودة فيها، وقد أدت مثل هذه الملوثات البيولوجية إلى قتل آلاف البشر خلال عقود طويلة من الزمن.
والكلور عبارة عن غاز أصفر مخضر، يوجد على عدة أشكال كهيبوكلورايت الصوديوم أو يوجد على شكل بودرة أو قد يكون في اسطوانات خاصة بذلك، ويتميز هذا الغاز بسميته وقدرته على قتل كثير من مسببات الأمراض، وقد بدأت عملية الكلورة لمياه الشرب لأول مرة في عام 1890، وفي عام 1908 استخدم الكلور على نطاق واسع وذلك في مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد لوحظ وقتها انخفاض حاد في عدد حالات الإصابة بالأمراض الناجمة عن شرب المياه الملوثة.
وتدل الدراسات والمسوح الصحية أن معدل الوفيات الناجمة عن شرب مياه ملوثة كان كبيرا قبل أن يتم استخدام الكلور لتعقيم المياه، وبفضل هذا الاكتشاف تم القضاء على الملوثات البيولوجية، ثم ساهم التقدم العلمي في تحسين طرق معالجة مياه الصرف الصحي وبالتالي انخفضت بشكل كبير الأمراض الناجمة عن تلك المياه الملوثة.
ويمتلكك الكلور قدرة كبيرة على القضاء على كثير من مسببات الأمراض، كالكوليرا والديسنتاريا الأميبية والتيفوئيد وغيرها من الكائنات المجهرية، وبالرغم من أن بعض أنواع البكتيريا تبدي مقاومة للكلور مثل الكربتوسبوريديوم والجيارديا، إلا أن استخدامه أصبح يمثل خط الدفاع الأول في مواجهة مسببات الأمراض، حتى أن أكثر من 90 % من مياه الشرب حول العالم يتم تعقيمها الآن باستخدام الكلور.
وبالرغم من ذلك فقد بينت العديد من الدراسات منذ عام 1970 مخاطر استخدام الكلور لتعقيم وتطهير مياه الشرب، وأن مثل هذه المخاطر لا يمكن إدراكها إلا على المدى الزمني الطويل، فقد وجد أن الكلور يتفاعل مع بعض المواد العضوية كبقايا الأشجار والحشائش المتحللة والمخلفات الحيوانية ويكون ما يعرف بالهيدروكربونات المكلورة أو الترايهالوميثانات Trihalomethanes ( THMs ) ، وان هذه المركبات والمواد تتسبب في حدوث بعض الأمراض السرطانية، كسرطان الكلى والمثانة، ويتناسب مقدار تركيز مثل هذه المركبات المسرطنة تناسبا طرديا مع كمية المواد العضوية الموجودة في المياه ، أيضا تبين أن الكلور لديه القدرة على الاتحاد مع بعض الغازات الذائبة في المياه الطبيعية كغاز الميثان ومع بعض المركبات كالميثانول وإنتاج مركبات خطرة وسامة.
والكلور المضاف إلى المياه يتفاعل مع عدد هائل من المواد والعناصر الموجودة في الماء، فيتفاعل أولا مع الحديد والمنجنيز وكبريتيد الهيدروجين في حال وجودها في الماء، ثم يتفاعل الكلور المتبقي مع المواد العضوية الموجودة في الماء، والكلور الزائد عن المرحلة الثانية يصل إلى المستهلك ، والذي يعطي للماء المكلور طعمه ورائحته المتميزتين واللتان اعتاد عليهما الإنسان مع تكرار تناول مثل تلك المياه.
ومن أجل ضمان عملية تعقيم المياه في كامل شبكة التوزيع داخل المدن، يتم إضافة كلور زائد بتركيز 5 PPM ( جزء من مليون ) ، ومن ثم يتم إضافة كميات أخرى في أماكن متفرقة من الشبكة، والهدف من ذلك المحافظة على نسبة من الكلور في المياه قادرة على قتل كافة مسببات الأمراض.
وبالرغم من كل الخدمات الجليلة التي قدمها الكلور للبشرية، والمتمثلة في القضاء على مثل تلك الكائنات الحية المجهرية القادرة على الفتك بالجنس البشري، إلا أن المخاطر الناجمة عنه لا يستهان بها، وتتطلب اتخاذ إجراءات فورية وحلول جذرية لتخليص الإنسانية من مخاطر الماء المكلور، يقول في هذا الصدد رئيس مجلس الجودة البيئية في الولايات المتحدة الأمريكية، بأن هناك دلائل متزايدة على علاقة مرضى القولون والمثانة والمستقيم باستهلاك ماء مكلور، ولا يقتصر خطر الماء المكلور على صحة الإنسان من خلال شرب هذا الماء فقط، بل أن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، حيث تبين أن الماء المكلور خطر على من يستخدمه للاستحمام، إذ يعمل الماء الساخن على تفتيح مسامات البشرة وبالتالي يسمح للكلور الموجود في الماء أو الذي اصبح موجودا في جو الاستحمام بالدخول عن طريق الجلد إلى كافة أجزاء الجسم الداخلية، يقول الدكتور براون في مقال له نشر في مجلة Public Health Magazine ، إن عملية الاستحمام بالماء الساخن المكلور وداخل حمام صغير مغلق، يؤدي إلى تشبع الجو المحيط ببخار الماء المحمل بالكلور وبالمواد المسرطنة، وبالتالي سيتم استنشاق مثل تلك المواد الخطرة سواء عن طريق الجهاز التنفسي أو عن طريق الجلد.
مشاكل صحية مختلفة
يتسبب الماء المكلور في حدوث انعكاسات صحية خطيرة على صحة وسلامة الإنسان، سواء كان ذلك عن طريق شرب هذا الماء، أو عن طريق الاغتسال والاستحمام به، أو عن طريق استنشاق بخاره ، ويمكن توضيح أهم المشاكل والأمراض التي يتسبب بها الماء المكلور بما يلي:
التسبب بالأمراض السرطانية:
لقد بينت الكثير من الدراسات، قدرة الكلور الموجود في المياه على التفاعل مع عدد من المركبات العضوية الموجودة في الماء، وينجم عن هذا التفاعل تكون مجموعة كبيرة من المركبات الكيميائية الخطرة والمسرطنة، ومن أهمها الترايهالوميثانات THMs والكلوروفورم Chloroform ، وقد بينت تلك الدراسات أن هذه المواد تساعد على حدوث مرض السرطان لدى من يتعرض لها سواء عن طريق الجهاز الهضمي أو الجهاز التنفسي أو الجلد، حيث أنها تتسبب في حدوث سرطان المثانة والمستقيم، وأشارت مجلة U.S News World في دراسة نشرت في عام 1991، أن الكلور الذي يتم استنشاقه وامتصاصه من خلال الجلد يشكل خطرا على صحة الإنسان اكثر من الكلور الذي يدخل إلى الجسم عن طريق الشرب، ويوضح الخبراء في هذا المجال بأن التعرض للمواد الكيماوية المتبخرة أثناء استخدام الدش يفوق 100 ضعف أثر شرب نفس الماء، إذ أن الجسم يمتص أضعاف المواد الكيميائية الطيارة أثناء الاستحمام بالدش من خلال الرئتين والجلد مقارنة بأثر شرب مياه تحتوي على نفس كمية الكلور، كما يؤكد الدكتور لانس دلاس من وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA أن الاستحمام بماء مكلور هو المسؤول الرئيس عن ارتفاع نسبة الإصابة ببعض الأمراض السرطانية ، وقد تبين وجود نسبة من 15 % إلى 35 % من بعض أمراض السرطان لدى أشخاص يستعملون ماء مكلور مقارنة بغيرهم ممن لم يستعملوا مثل هذا الماء.
مشاكل الجهاز التنفسي:
يتسبب استنشاق بخار الماء المكلور أثناء الاستحمام بحدوث مشاكل صحية معقدة لدى الإنسان، كالربو والحساسية ومشاكل الجيوب الأنفية وإدماع العينين، والكحة، والبلغم وألام الصدر، كما قد يحدث التهابات حادة في الشعب الهوائية وتجمع للسوائل في الرئتين.
مشاكل البشرة والشعر:
يتسبب الاستحمام والاغتسال بماء مكلور في تهيج الجلد وفروة الرأس واحمرارها وخصوصا لدى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل تحسسية محددة، ويعمل الكلور الموجود في الماء على الارتباط مع البروتين الموجود في الشعر، ويدمره ويحول هذا الجلد والشعر إلى الحالة الجافة، مما يؤدي إلى تكون قشرة الرأس والحكة وتغير في صحة الشعر والصلع.

مشاكل أخرى متفرقة
يتسبب شرب الماء المكلور والاغتسال به إلى ارتفاع معدل الإصابة ببعض الأمراض، كأمراض القلب وحدوث حالات متكررة للإجهاض، وذلك بسبب قدرة الكلور على تدمير فيتامين E الموجود في الجسم، أيضا يسبب التعرض الطويل لهذا الماء في حدوث تأثيرات سلبية على الأسنان مما يؤدي إلى ضعفها وفقدانها في عمر زمني قصير.
إجراءات لا بد منها
نظرا لما يشكله الماء المكلور من مخاطر على صحة الإنسان، فإنه لا بد من اتباع بعض الإجراءات الخاصة من اجل تقليل مخاطر استخدام الكلور في تعقيم الماء، وقد بينت وكالة حماية البيئة الأمريكية EPA في عام 1980 بعض هذه الإجراءات، كاستخدام فلاتر خاصة بالماء في المنازل تعمل على تنقية المياه من الكلور المتواجد فيها، كما فرضت على المدن ضرورة تقليل نسبة وجود مركبات THMs في الماء بحيث لا تتعدى 100 PPM .
إن ترك الماء المكلور في خزانات مفتوحة لبعض الوقت واستخدام فلاتر خاصة ذات مراحل متعددة كفيل بأن يقلل بشكل كبير من تركيز الكلور في الماء، أيضا لا بد من استبدال عملية تعقيم الماء بالكلور بعمليات أخرى، كاستخدام غاز الأوزون أو الأشعة فوق البنفسجية أو الليزر لتطهير المياه وتعقيمها.