كيف يمكن أن تساعدك الأساليب الرياضية في الخروج من المتاهة؟
تلاقي فكرة المتاهات رواجا لدى الناس في الوقت الحالي، بدءا من مسلسل "ويستويرلد" الذي يُعرض على قناة "هوم بوكس أوفيس" (إتش بي او) الأمريكية، إلى برنامج المسابقات "المتاهة البللورية" الذي ستُعرض حلقات جديدة منه على شاشة القناة الرابعة البريطانية، بعد النجاح الكبير الذي حققه العام الماضي.
وتمتد جذور المتاهات إلى آلاف السنين، ومن بين أشهر المتاهات في التاريخ، متاهة المينوتور. والمينوتور هو وحش إغريقي أسطوري له رأس ثور وجسم إنسان، وتُشير الأسطورة إلى أنه احتُجز في تيه إلى أن قُتل.
وثمة نوعان من المتاهات، تسمى إحداهما أيضا "التيه" والتي تتضمن مسارا واحدا حلزوني الشكل يدور حول نفسه، ليشكل حلقات تضيق تدريجيا، على عكس المتاهة التي تتضمن مسارات متشعبة، ليقف مستكشف المتاهة أمام خيارات متعددة، وربما يضل طريقه ويلتبس عليه الأمر تماما.
وبينما يستمتع الناس بتصميم المتاهات بأيديهم، فإن علماء الكمبيوتر والخبراء الرياضيين اتجهوا إلى الخوارزميات في تصميم المتاهات، وأصبح لديهم شغف بها. وتنقسم هذه الخوازميات إلى نوعين رئيسيين، يبدأ النوع الأول بمساحة واحدة محدودة، ثم تتشعب إلى أقسام تفصل بينها جدران أو أبواب للحصول على مساحات فرعية أصغر حجما.
والنوع الثاني يبدأ من مساحة كبيرة، مكونة من حجرات منفصلة عن بعضها، ثم تُزال الجدران وتتصل الحجرات ببعضها بمسارات أو ممرات.
الهروب الكبير
وتوجد أساليب عديدة للخروج من المتاهات، لكن عليك التأكد أولا من نوعية المتاهة التي أنت بصددها، وستساعدك أغلب هذه الأساليب في الخروج من المتاهات "البسيطة" التي لا تتضمن طرقا مختصرة خفية، تقودك إليها جسور أو طرق حلقية، لتجد نفسك قد عدت من حيث بدأت.
وإذا افترضت أن المتاهة التي دخلت فيها من النوع البسيط، فالطريقة الأكثر شيوعا هي "اتباع الجدار". وتتمثل هذه الطريقة في وضع إحدى اليدين على جدار المتاهة، شريطة ألا تبدل اليدين في منتصف الطريق، ثم تابع السير، مع الحفاظ على تلاصق يدك بالجدار، حتى تخرج من المتاهة.
وهذه الطريقة فعالة، لأنك لو تخيلت أنك انتزعت جدار المتاهة وفردته تماما لتزيل جميع الأركان، ستشكل شيئا يشبه الدائرة، وسيتصل حتما جزء من هذا الجدار بالحد الخارجي للمتاهة الذي سيوصلك إلى المخرج.
غير أن هذه الطريقة قد لا تجدي نفعا مع المتاهات التي تكون فيها نقطة النهاية أو البداية في المنتصف.
مصدر الصورةISTOCK
ولكن بعض المتاهات مصممة خصيصا لتعجز الزائر، مثل المتاهة المصنوعة من شجر الزان في متنزة "وايلدوود إسكوت" في مقاطعة ديفون، التي تتضمن ما لا يقل عن خمسة جسور، ولهذا لا تُعد بسيطة على الإطلاق.
وثمة طريقة أخرى للهروب من المتاهة توصل إليها الكاتب الفرنسي تشارل بيير تريمو، وسُميت الطريقة على اسمه، وتصلح لجيمع أنواع المتاهات.
وعلى غرار هانسل وغريتل في قصة "هانسل وغريتل وبيت الحلوى"، تخيل أنك تسير في طريقك عبر المتاهة مخلفا وراءك "فتات الخبز"، كما في الحكاية، ولكن الفارق أن في "طريقة تريمو"، عليك أن تضع في اعتبارك بعض القواعد.
القاعدة الأولى أنك إن وصلت إلى أحد مفارق الطرق الذي لم تعبر خلاله من قبل، لأنه خال من فتات الخبز، فعليك أن تختار أحد الطرق عشوائيا. وإن وجدت نفسك عند مفترق طرق آخر، ولكن هذه المرة أمام طريقين أحدهما لم تجتزه من قبل، فاختر الطريق الذي لم تسلكه من قبل.
أما إن وجدت نفسك أمام طريقين، أحدهما اجتزته مرة واحدة والأخر اجتزته مرتين، فاختر الطريق الذي اجتزته مرة واحدة، على أن تترك وراءك أثرا ثانيا جديدا.
والقاعدة الأهم، هي ألا تسلك طريقا اجتزته مرتين من قبل قط. وهذه الطريقة كفيلة بإخراجك من أي متاهة.
المتاهات اليومية
إذن ما الذي نستفيده من هذه المتاهات؟ في الحقيقة يجدر بنا أن نتفادى التأثر بفكرة المتاهات عند تصميم المدن والمباني، لئلا نجد أنفسنا أمام متاهات دون أن ندري. فرغم استمتاع الناس بدخول المتاهات، إلا أننا لا نريد أن نواجهها في حياتنا اليومية، ولا سيما في طريقنا إلى العمل.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، لاحظ بيل هيليير، واضع النظريات في الهندسة المعمارية، أن أغلب التجمعات السكنية التي تكثر فيها المشكلات الاجتماعية تكون ذات تصميم شبيه بالمتاهة. وهذا يدعونا إلى التساؤل، كيف نقيّم مدى تعقُّد تصميم المكان ليصبح أشبه بالمتاهة؟
إن الطريقة التي نحل بها المتاهات والألغاز، مثل مكعب روبيك، قد تساعد في تنشيط عقول كبار السن والحفاظ على صحتها
وللإجابة على ذلك، طور هيليير مؤشر لتحديد مدى بساطة ووضوح المكان. ويقيس هذا المؤشر العلاقة بين المكان الذي يمكنك أن تراه من أحد المواقع في المتاهة، أو التجمع السكني، أو المنطقة، وبين مدى سهولة الوصول إلى هذا المكان من مواقع أخرى في نفس المنطقة.
ويقيم هذا المؤشر البيئات بحسب مقياس يتراوح من صفر إلى عشر درجات، وكلما زادت الدرجات التي تحرزها المنطقة (ما يفوق 0.5)، زادت بساطتها وسهولة فهمها والتنقل فيها، وزاد أيضا الإقبال عليها في الغالب، مثل منطقة برانسبيري، في لندن.
وعلى النقيض، كلما قلت الدرجات التي تحرزها المنطقة، زاد فيها الالتباس وتعذر التنقل داخلها، كما هو الحال في مجمع باربيكان السكني في لندن، الشبيه بالمتاهة. وهذا المجمع، رغم الإشادة بتصميمه المعماري، إلا أنه يحير زائريه إلى درجة أنه عليهم اتباع الخطوط الصفراء لكي يتعرفوا على الطريق المؤدي من المجمع إلى مركز البربيكان.
واستُخدم هذا المقياس في تصميم مستويات لعبة "سي هيرو كويست" (مغامرات أبطال البحار)، وهي لعبة مصممة لقياس قدرات الناس على التعرف على الاتجاهات، والاهتداء إلى المسار الصحيح، للمساعدة في أبحاث مرض الخرف.
وقد درس مطوري لعبة "سي هيرو كويست" مقياس البساطة والوضوح الذي وضعه هيليير بإمعان، واستندوا إليه في تصميم مستويات اللعبة، الشبيهة بالمتاهة، لضمان زيادة التحديات أمام اللاعبين.
ولهذا فإن أهمية تصميم المتاهات في تطبيقات محاربة الخرف في العصر الحديث، لا تقل عن أهميته في سرد الأساطير الإغريقية في العصور القديمة.