تقترح إحدى الدراسات العلمية الحديثة أننا بحاجة إلى إعادة تصنيف القمر، وبلوتو، والعديد من الأجرام الأخرى في النظام الشمسي ككواكب، بحسب ما نشره موقع The Conversation.
إذ ترى الورقة البحثية بعنوان A Geophysical Planet Definition، أو “تعريف الكوكب الجيوفيزيائي” التي نشرت في دورية Planetary and Lunar Science، أن تصنيف الأجرام السماوية ككواكب بحاجة إلى تعديلٍ شامل.
فيما يرى الباحث الرئيسي في الدراسة آلان ستيرن، الذي يشتهر برحلته بمسبار “نيو ﻫﻮﺭﺍﻳﺰﻭﻥ” (مركبة فضائية أرسلت لاكتشاف العالم الخارجي) التابع لوكالة ناسا، والذي حلق حول بلوتو في يوليو/تموز عام 2015، أن الورقة عملية بعض الشيء.
وأكد ستيرن أن الورقة العلمية التي أشرف على إصدارها تفترض في الأساس إنَّ جيوفيزيائية الجرم (بنيته الجيولوجية) يجب أن تُحدد ما إذا كان كوكباً أم لا، وليس فقط ما إذا كان الجرم يدور حول الشمس.
ويبدو أن ستيرن لديه سببٌ شخصي لإثارة الأمر. فهو لا يزال غاضباً من الاتحاد الفلكي الدولي [IAU] الذي اعتبر عام 2006 أن بلوتو ليس كوكباً.
إذ عبر ستيرن عن انزعاجه بالقول: “لماذا أرسلتم نيو ﻫﻮﺭﺍﻳﺰﻭﻥ إلى بلوتو طالما لم يعد كوكباً بعد الآن؟”، لكن بمرور الوقت، ومع وصول المسبار إلى وجهته، أصبح بلوتو “كوكباً قزماً يقبع وراء أورانوس”.
اعتقاد في الماضي: القمر كوكباً
اعتدنا على اعتقاد أنَّه من المستحيل أن يكون القمر، ذلك الجرم الذي يدور حول الأرض، كوكباً. لكن علماء الفلك في القرون الوسطى، وكذلك اليونانيين القدماء، افترضوا أن القمر هو كوكب بالفعل.
إذ لاحظ المراقبون القدماء أنَّ النجوم تحافظ على مواقعها النسبية ليلةً بعد ليلة، وقد رصدوا سبعة أجرام سماوية تغير مواقعها ببطء سائرةً من الغرب إلى الشرق في السماء، وكانت الشمس أكثرها أهميةً.
واعتقدوا أن الشمس (والأرض، وبطبيعة الحال) تدور في سنة واحدة، بينما يدور زحل خلال هذا المستوى كل 30 سنة، والمشتري كل 12 سنة، أما المريخ فكل سنتين، ورأوا أن “كوكب القمر” يفعل ذلك في 1 من 12 جزءاً من السنة، أي مرة كل شهر.
وقد حاز القمر باهتمامٍ خاص، فموقعه القريب جعله “الكوكب” الوحيد الذي تبدو ملامحه واضحة من على الأرض. في الواقع، تأتي كلمة كوكب من الكلمة اليونانية “πλανήτης” (أو Planeta باللاتينية) والتي تعني “المتجول”.
إذ سئل أرسطو (384-322 قبل الميلاد) عدة أسئلة حول طبيعة القمر، بما في ذلك سبب رؤيتنا دائماً لنفس الوجه، وعدم رؤية الجانب البعيد من القمر؟ وذلك سؤالٌ جيد، يفسره علماء الفلك الآن بأنَّه نتيجةٌ لقوى الجاذبية بين الكواكب والأقمار الكبيرة، ويسمونها ظاهرة “Tidal Locking”، أو ثبات زمن التفاف القمر حول محوره، وأنه يساوي زمن دورانه حول الأرض.
لكن أرسطو استنتج استنتاجاً مختلفاً. إذ كان رأى أنَّ ذلك يثبت أن القمر ليس لديه قدرة ذاتية على الدوران أو الحركة، وافترض أن نفس الشيء ينطبق على جميع الكواكب، وقال إنَّها تتحرك فقط لأنها توجد في دائرة.
وكان هذا التفسير هو أصل علم الكونيات في العصور الوسطى، والذي كان يرى أنّ الكواكب والنجوم تتحرك بذلك الشكل بواسطة مجموعة الأفلاك السماوية. ولو كانوا رأوا الوجه الآخر من القمر، ربما كان علم الفلك سيتخذ مساراً مختلفاً.
لكن، هل كان لدى أسلافنا سببٌ وجيه لتضمين القمر مع الكواكب الأخرى؟ يفترض موقع The Conversation ذلك بسبب مصادفةٍ فلكية غريبة.
إذ تدور جميع الأقمار الكبيرة في -أو بالقرب من- المستوى الاستوائي لكوكبها الأم، لكن ذلك لا يحدث في حالة قمرنا، لأنَّه يميل بمقدار 28 درجة، بينما ينحدر المستوى الاستوائي للأرض فيما يتعلق بمسار الشمس بزاوية 23.5 درجة.
وبوجود هذين الظرفين غير العاديين، يبدو أن القمر يتحرك في مستوى مسار الشمس، ولا يميل عنه بأكثر أو أقل من 5 درجات. وبدون هذه الظاهرة، ربما لما كان الفلكيون القدماء عاملوا القمر ككوكب.
تناقض دائم
مع ظهور نظرية الفلكي البولندي كوبرنيكوس، عام 1543، والتي أقر فيها دوران الكواكب حول الشمس، لم يعد القمر يُصنَّف ككوكب، إذ رأى نقاد النظرية أن مدار القمر كان حول الأرض وليس الشمس، ووصفوا القمر بأنَّه Satelles (اشتقت منها كلمة Satellite المستخدمة اليوم)، وتعني “خادم”، بالنسبة للأرض.
كما خسر القمر جزءاً أكبر من مكانته عندما صوب غاليليو، الفلكي والفيزيائي الإيطالي، منظاره تجاه كوكب المشتري عام 1610، واكتشف أربعة أقمار.
وكانت هذه أخبار سارة بالنسبة لكوبرنيكوس، إذ لم يعد القمر الذي نعرفه هو القمر الوحيد، ولكن واحداً ضمن خمسة أقمار، وهو الرقم الذي ارتفع بسرعة لنحو 182 قمراً نعرفها اليوم.
“ستيرن” لم يذكر جديداً
وتقول صحيفة The Conversation إن ما أثاره ستيرن لم يكن جديداً، إذ كان القمر موضع جدل بين علماء الكونيات الجدد في زمن غاليليو كان القمر، الذين رأوا أنَّه يشبه الأرض، بينما أصر علماء الفلك القدماء على أنَّه جرمٌ سماوي حقيقي.
ومع تعريفه الجديد للكوكب، جدد آلان ستيرن تلك المعركة. فوفقاً لورقته العلمية: “قد يرى علماء الفلك تعريف الاتحاد الفلكي الدولي مفيداً، ولكن تعريفنا الجيوفيزيائي للكواكب أكثر فائدة للمتخصصين في علوم الأرض الخاصة بالكواكب، وكذلك المعلمين والطلاب”.
أو كما أوضح ستيرن عام 2015: “لماذا تستمع إلى رأي علماء الفلك حول ماهية الكوكب بدلاً من علماء الكواكب المختصين بالأمر”. وأضاف قائلاً: “هم يعرفون، أو يعتقدون أنَّهم يعرفون، أن القمر يجب أن يصبح كوكباً مرةً أخرى، وسواءً كان ذلك سيحدث فعلاً أم لا، فالأمر يعود كلياً إلى الاتحاد الفلكي الدولي، الذي سيكون عليه اتخاذ القرار”.