من يقرأ القصص والحروب الشرسة التى قادها وصراعاته العسكرية السياسية لا يخطر بباله أن نابليون من أعظم عشاق الدنيا وأنبل فرسان الحب وسطر أجمل رسائل الحب إلى حبيبته جوزفين.
تختلف الروايات فيما يخص اللقاء الأول بين نابليون وجوزفين لكن الرواية الأقرب أن ابنها من زوجها الأول ذهب إلى نابليون طالباً الاحتفاظ بسيف والده الكونت بوهمان الذى أُعدم بالمقصلة، بعدها عاد الولد ليحكى لأمه عن حسن تعامل نابليون ونبل أخلاقه، فقررت جوزفين أن تدعوه على العشاء وتقدم له الشكر، وعلى العشاء تعلق قلب الإمبراطور بالسيدة التى لم تكن شديدة الجمال لكن رجاحة عقلها وعذوبة صوتها كان لهما جاذبية خاصة.

تعددت اللقاءات بين الاثنين، فيما بعد واكتشف المحارب العبقرى جزءاً آخر فى جسمه بخلاف يده التى تبطش وعقله الذى يخطط وقدميه اللتين تنقلانه من غزو إلى آخر، إنه قلبه الذى أهمله ومشاعره التى لم يكن يتوقع أنها ما زالت على قيد الحياة.
فى المقابل لا يبدو أن جوزفين كانت متحمسة للزواج من نابليون ولا يبدو أصلاً أنها كانت تبادله المشاعر نفسها، بدا ذلك فى خطاباته التى تلومها دوماً على تجاهله أو الرد عليه بطريقة أقرب للخطابات الرسمية، وبدا ذلك أيضاً فى أن الزيجة لم تتم إلا بضغوط شديدة مارسها "باراس" الذى كان عضواً فى حكومة المدراء على جوزفين.

استمر زواج نابليون من جوزفين 14 عاماً، حتى اضطر إلى تطليقها عام 1810، كان السبب الظاهر حاجة الإمبراطور إلى وريث يقوى سلالته ويرث ملكه، وكانت الزوجة قد تقدمت فى السن وبات من الصعب أن تحمل منه، نعم كان يحبها بشدة لكن إذا ارتبط الموضوع بالمجد والإمبراطورية لا تحدث نابليون عن المشاعر، أخبرها على مضض برغبته فى الطلاق، احتضنها بقوة وبكى، وبعد عدة أيام كانت إجراءات الطلاق قد تمت.
لكن فى الكواليس سبب آخر لم يجرؤ نابليون على الإفصاح عنه، كانت الشائعات تدور حول ارتباطها بعلاقة عاطفية بضابط برتبة ملازم أول اسمه هيبوليت تشارلز، وأن مشاعرها كانت مع عشيقها الصغير بينما هى مع الإمبراطور سيد أوروبا، وعندما وصلته الشائعات فى ساحات القتال كتب لها قائلاً: "إن السعادة كانت تداعب روحي، وهى الآن مليئة بالأسى، إنك ما أحببتِ قط يا قاسية، يلوح لى أنك قد اتخذت قرارك، وتيقنتِ من الطريق الذى ستمضين فيه بعد تركى لك، وأنا لا أتمنى لك إلا السعادة، حتى إذا كانت وسيلتك للحصول عليها، هو عدم إخلاصك لي، ولا أقول الخيانة".
كن يبدو أن جوزفين كانت تميمة الحظ لبونابارت، فمنذ تزوجها فى 1796 بدأت مسيرته تنتقل من صعود إلى صعود، وإلى جوارها أعلن إمبراطوراً على فرنسا، وفى حضرتها كان يجلس ليحدد مصائر الأوروبيين، لكن بعد انفصالهما فى 1810 أعطاه الحظ ظهره وبدأ الخط البيانى يتجه نحو الهبوط.
اتفق كل زعماء أوروبا على الوقوف صفاً واحداً فى وجه نابليون، تلقى الهزيمة تلو الأخرى والخيانة تلو الخيانة، هربت زوجته الجديدة بابنه الذى تمنى أن يرث عرشه إلى فيينا، وبينما كانت جوزفين تحتضر على سريرها، كان مُلك نابليون يحتضر أيضاً، وبعد أن وقع الإمبراطور وثيقة تنازله عن العرش بأيام، فارقت جوزفين الحياة.
ومن رسائل نابليون إلى جوزفين.. كانت فى فبراير 1796
"لا يمر يوم دون أن أحبك، ولاتمضى ليلة دون ان أضمك بين ذراعى لا أتناول كأس شاى دون أن ألعن المجد والطموح اللذين يبعدانى عن روح حياتى، فى وسط أعمالى، وعلى رأس جيشى، وبينما أتجول بين خيام العسكر، أن معبودتى جوزفين تسكن وحدها قلبى وتشغل أفكارى

وعقلى إذا ابتعدت عنك بسرعة نهر (الرون) فلأننى أرغب أن أعود إليك فى اسرع وقت، وإذا استيقظت فى وسط الليل ، ورغم هذا فإنك تخاطبيننى فى رسالتك الأخيرة بصيغة الجمع فتقولين (أنتم) لا (أنت) أيتها السيئة! كيف امكنك أن تكتبى هذه الرسالة ؟ كم هى باردة؟ ثم ماذا عملت من تاريخ 23 إلى 26؟ خلال الأربعة أيام هذه لم تكتبى إلى زوجك، اه منك ياصديقتى أن مخاطبتك لى بصيغة الجمع وهذه الأربعة أيام جعلتنى أندم على لامبالاتى القديمة والويل.. لمن يكون السبب؟ فلتكن عقوبته وعذابه مثل عقوبتى وعذابى (أنتم) (أنتم) أن صيغة الجمع هذه تعذبنى واذا كنت تخاطبيننى الآن بصيغة الجمع فماذا سيكون شأنك بعد 15 عشرة يومًا؟ أن نفسى حزينة، أن قلبى عبد، أن مخيلتى ترعبنى، أن حبك لى قد خف وسوف تنتابك السلوى، سيأتى يوم تتوقفين فيه عن حبى قولى لى الحقيقة هكذا على الأقل أشعر أننى استحق تعاستى، وداعًا يا امرأة حياتى، وداعا ياعذابى وسعادتى وأملى وروح حياتى، وداعا أيتها التى أحبها وأخافها وتبعث فى العواطف الناعمة وتدفعنى إلى الطبيعة وإلى تصرفات عنيفة مثل البركان والرعد، أننى لا أطلب منك لا حبًا أبديًا ولا إخلاصًا ولكن اطلب منك الحقيقة والصراحة بلا حدود، إذا جاء يوم وقلت لى (لقد قل حبى لك) ان هذا اليوم سيكون نهاية الحب فى قلبى او نهاية حياتى".