الشعر هو من الفنون الأدبية في اللغة، وهو ليس قصراً على لغةٍ دون أُخرى، ولكنه في اللغة العربية هو كلامٌ موزون ومُقفَّى، ذا معنى مقصود، والوِحدة منه تُسمَّى بيتاً، ومن أولها لآخرها تُسمَّى قصيدة. والشعر من الأمور التي اشتُهر بها العرب في قديم الزمان، وكانوا قد وصلوا في البلاغة إلى حدٍ كبير، لدرجة أن العرب كانوا يتناقلون القصائد فور ولادتها من قريحة الشاعر. وكان الشعر في الجاهلية هو أمرُ التسلية الأكبر الذي كان يأخذ مجالاً واسعاً في المجالس، بل إنه وصل بهم إلى تخليد بعض القصائد العصماء بكتابتها بماء الذهب وتعليقها على ستار الكعبة، وهي ما تُعرف بالمعلَّقات. وتتكون القصيدة الشعرية من مجموعة أبيات منظومة على بحر شعري، وهو مجموعة من التفعيلات لها نظمٌ إيقاعي مميز، ويتكون البيت من شطرٍ وعجز، أي أن كل بيت شعر له قسمان، وتأتي القافية في الكلمة الأخيرة من العجز. وهذا النوع الشعر يُسمى بالشعر العمودي، وهو أصل الشعر في اللغة العربية، ويُكتب على ستة عشر (16) بحراً كما أوردها الخليل بن أحمد الفراهيدي.
في بدايات القرن الماضي؛ ظهر نوع جديد من الشعر العربي لم يكن موجوداً سابقاً؛ ولم يُعرف من قبل في التاريخ، وهو شِعر التفعيلة أو كما يُسميه آخرون في زمننا هذا بالشعر الحر. وهو شعر قائم على تفعيلة وليس على وزن بحر كامل، فالبحور الشعرية تعتمد في نظمها على عدد من التفعيلات مثل فعولن، مفاعيلن، فاعلاتن، مستفعلن، فعلن وإلى آخرها من التفعيلات التي تصل في أساسها إلى سبعة تفعيلات، فالشعر الحر أو شعر التفعيلة يعتمد على تفعيلة واحدة في نظم قصيدة الشعر الحر، مع عدم الإلتزام بطول محدَّد للسطر، فهي لا تعتمد على قسمين كالشعر العامودي، ولا طول محدد كذلك، فيمكن للشاعر أن يكتب في السطر الواحد ما يشاء من كلمات، حتى في بعض الأحيان يكون السطر ذا كلمة واحدة فقط.
لا يخرج شعر التفعيلة في قوانينه عن الشعر العامودي كثيراً، فالقوانين التي تحكم التفعيلات ما تزال قائمة، فلا يجوز أن يقوم شاعرٌ بتصريف أي تفعيلة حسب مزاجه الخاص، ولا أن يخترع تفعيلة ليست موجودة أصلاً، فهو مُلزم بالتقيُّد بالتفعيلات وقوانينها. ولكن ما لا يلزم الشاعر هو الإلتزام بالقافية، فشعر التفعيلة ليس بالضرورة أن يكون محكوماً بقافية واحدة كالشعر العامودي، بل يمكن ألا يكون ذا قافية على الإطلاق، ولكن هذا الأمر سينفي الصبغة الموسيقية من القصيدة؛ وتتحول إلى نوعٍ من كتابة الخواطر بالنسبة للقاريء. وكذلك يمكنه أن يختار أكثر من قافية حسب الحاجة أو حسب نظم القصيدة، فيختار جزءاً من القصيدة ذا قافية معينة؛ ويكون للجزء الذي يليه قافية مُغايرة تماماً، وهذا لا يعيب على القصيدة بشيء، بل هي من ضمن مجال الحرية المتروك في هذا النوع من الشعر. من رواد شعر التفعيلة الشاعرة نازك الملائكة والشاعر محمود درويش والشاعر نزار قباني والشاعر بدر شاكر السياب، وكلهم شعراء كبار كتبوا اسماءهم في التاريخ بهذا النوع من الشعر، وسيبقى التاريخ يذكرهم على أنهم أساس هذا النوع من الشعر وسبب وجوده وتداوله.