مع بداية عصر النهضة في القرن التاسع عشر، تطور العلم والطب للقضاء على العديد من الأمراض والأوبئة، إمَّا بابتكار لقاحات لها، أو باكتشاف علاج فعال لها.
لكن مازال هناك العديد من الأوبئة المميتة تحصد أرواح ملايين البشر سنوياً وبخاصة في الدول النامية .
فحتَّى لحظة كتابة هذه السطور، لم يقدم العلم علاجاً فعالاً للأمراض الفيروسية، في حين تواجه الدول المتقدمة مشكلة تطور سلالات بكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية، وكذلك انتقال الأوبئة الاستوائية إليها نتيجة للتغيرات المناخية، وتبقى بعض هذه الأمراض هي الأخطر على الإطلاق، إلى حد تغيير مسار التاريخ البشري بأكمله.
فيما يلي نتعرف على أكثر 5 أمراض مميتة في تاريخ البشرية، والتي تسببت في فناء الملايين.
الجدري المائي
على مدى ما يقرب من 10,000 عام، ظلّ الجدري المائي -والذي وُصف بأنَّه الأسوأ في تاريخ البشرية- يتنقَّل بين البشر، متسبباً بمقتل 500 مليون شخص بالقرن العشرين. يعدّ الجدري المائي من الأمراض الفيروسية المعدية. وتصل احتمالية الوفاة عند الإصابة بأخطر سلالته إلى 30 - 35%.
ينتقل الفيروس عن طريق الرذاذ، مصيباً ضحيته بالحمَّى وآلام متعددة بالجسم وطفح جلدي، ثم المظهر الأبرز للمرض بظهور بثور صديدية. وفي النهاية، تبدأ جراح متعددة بالظهور بالعينين والأنف والفم وتجاويف الجسد، وما تلبث أن تتساقط لتنبعث عنها رائحة تعرف برائحة الجدري، والتي ليست سوى نذير بالموت.
أمَّا من حالفهم الحظ بالنجاة، فغالباً ما يُصابون بالعمى أو العقم. وفي عام 1796، طوَّر الطبيب الإنكليزي “إيدوارد جينر” لقاحاً للمرض، عندما لاحظ أن العاملين بالمزارع لا يصابون بالجدري، نظراً لتعرضهم لسلالة أقل حدة من جدري الأبقار.
ومن ثم قرر حقن أحد الصبية بجدري الأبقار، وبعدها بستَّة أسابيع حقنَهُ مجدَّداً بالجدري المائي، فلم تظهر عليه أي أعراض للمرض. ومع تطور اللقاح واستخدامه في نطاق موسع، أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على فيروس الجدري المائي نهائيا، ليصبح أول ميكروب منقرض في التاريخ.
ورغم ذلك، فما زالت هناك مخاوف من استخدامه كسلاح بيولوجي، حيث يتواجد حالياً بالمعامل في كل من الولايات المتحدة وروسيا.
الأنفلونزا الإسبانية
ما إن انتهت الحرب العالمية الأولى، حتى ظهرت الأنفلونزا الإسبانية لتصيب ما يقرب من ثلث سكان العالم وقتها؛ وتقتل ما يزيد عن ضحايا هتلر والأسلحة النووية مجتمعين.
قدر الخبراء عدد قتلى الأنفلونزا الإسبانية في عامين فحسب ما بين 50 - 100 مليون شخص. ولا تتعدَّى الأنفلونزا الإسبانية كونها صورة أكثر حدَّة للأنفلونزا الموسمية؛ حيث تبدأ أعراضها بالتهاب الحلق والصُّداع وارتفاع درجة الحرارة، إلا أنَّها سرعان ما تتدهور، ليصاب المريض بالإنهاك ورعشات شديدة وتترسب السوائل برئتيه، ويتحوَّل لونه إلى الأزرق.
إذا كان المصاب محظوظاً، فسيحظى بموتٍ سريع مختنقاً بالسوائل في رئتيه. أما إذا كان سيئ الحظ، فقد كان يصاب بالتهاب رئوي ليحظى بموتٍ بطيء فلم تكن المضادات الحيوية قد اكتشفت بعد. وصفها أحد الأطباء المعاصرين لها قائلا: “تكتسي وجوه المصابين باللون الأزرق، ويمتزج سعالهم بالدماء. وفي الصباح، تتكدس المشرحة بجثث الموتى كالحطب.”
الطاعون: الموت الأسود
كانت بداية ظهوره بالعالم القديم، وتحديداً بدول شمال وشرق آسيا ومصر، لينتقل عن طريق سفن التجارة عبر البحر الميت إلى إيطاليا ومنها إلى أوروبا بحلول عام 1347، متسبباً بمقتل 75 مليون شخص منهم 20 مليوناً بأوروبا وحدها.
وصف الشاعر الإيطالي “جيوفاني بيكاتشيو“ أعراض المرض بقوله: “تبدأ الأعراض بظهور انتفاخات بأماكن محددة، إما بالإبط أو عند التقاء الفخذين بالجسد، وتتباين أحجامها ما بين حجم البيضة وتتزايد لتصل إلى حجم تفاحة صغيرة، أكثر أو أقل، ويدعونها بثور الطاعون”.
سرعان ما يسيل الصديد والدماء عن هذه البثور، مصحوباً بأعراض أخرى كالحمى والصداع والرعشة ثم الموت.
لعجزهم عن إيجاد وسيلة لإيقافه، وصفه أحد الأطباء بأنه ينتقل عن طريق الروح الهاربة من عيني المصاب.
سرى اعتقاد بين العامة بأنَّه عقاب من الله على آثامهم، فظهرت مجموعات تقتل الآخرين بغرض تطهير البشرية، في حين انضم آخرون إلى طوائف تجلد أنفسها والآخرين بسياط بزوائد حديدية في الشوارع. وعندما خفت وطأة المرض، كان قد محى ما يقرب من 60% من سكان أوروبا.
وحتى يومنا هذا، لا يزال الطاعون يقتل حوالي 1000 إلى 2000 إنسان سنوياً، أغلبهم بالصحاري الأفريقية.
الملاريا
اشتهرت الملاريا بأنها المرض الذي قضى على جيش “جنكيز خان” وقتلت الإسكندر الأكبر والملك “توت”.
وطبقاً لبعض الباحثين، أهلكت الملاريا نصف البشر منذ بدء الخليقة وحتى الآن. فما بين عامي 1950-1900 قدر عدد من قضوا نحبهم بالملاريا بحوالي 100 مليون شخص.
تصيب الملاريا كل عام ما بين 900-400 مليون إنسان، متسببة بمقتل حوالي 3-1 ملايين منهم سنوياً أغلبهم من الأطفال تحت سن 5 سنوات.
ينتقل طفيل الملاريا عن طريق لدغة أنثى بعوضة الأنوفيليس المصابة، ويتكاثر في خلايا الدم الحمراء متسببا في أعراض الأنيميا وأعراض مشابهة للأنفلونزا، وقد يتطور ليدخل المريض في غيبوبة قبل الموت.
تنتشر الملاريا بالأماكن الاستوائية والحارة، ورغم توافر العلاج للملاريا؛ إلا أنه ليس دائماً ما يكون فعَّالاً. وإذا استمر انتشار الملاريا بمعدَّله الحالي، فسيتضاعف عدد الضحايا العشرين عاماً المقبلة.
وحتى الآن لا توجد إحصائيات دقيقة لمرضى الملاريا، إذ ينتشر المرض بالمناطق الريفية حيث لا تتوفر الرعاية الطبية، وبالتالي تظل الكثير من الحالات غير موثقة.
مرض نقص المناعة المكتسب.. AIDS
منذ ظهوره عام 1981، قضى 36 مليون إنسان نحبهم بمرض نقص المناعة المكتسب، ليصبح واحداً من أكثر الأمراض المدمرة في تاريخ البشرية. ورغم تطور وسائل الحد من انتشاره، إلا أنه لا يزال يقتل الملايين سنوياً. فبحسب منظمة الصحة العالمية، يبلغ عدد المصابين بالإيدز حاليا حوالي 75 مليون شخص، في حين بلغ عدد القتلى عام 2015 حوالي 1.1 مليون مريض.
يصاب الضحية بأعراض مشابهة للأنفلونزا في الشهر الأول من العدوى، ومن ثم يدخل الفيروس في حالة كمون، يبدأ خلالها بالتكاثر ليهاجم الجهاز المناعي للمريض، مجبراً إياه على تصنيع خلايا فيروسية جديدة.
حتى الآن، لا يوجد علاج شاف للإيدز، إلا أن الإصابة به لم تعد بمثابة حكم بالإعدام كما في الماضي. فمع تلقي العلاج، يمكن للمريض أن يحيا حياة طبيعية نسبياً.
إلا أن انتقال العدوى منه يعد أمراً سهلاً، إذ ينتقل الفيروس عن طريق سوائل الجسم المختلفة كاللعاب والسائل المنوي والدماء وبالرضاعة. ولا يزال المصدر الأول للإيدز لغزاً محيراً للعلماء، إلا أن البعض يعتقد أنه انتقل إلى البشر عن طريق القرود بأفريقيا.