تعد السيوف من أوائل الأسلحة التي صنعها الإنسان بغرض القتل - ومجرد القتل -، على عكس الأسلحة التي سبقته التي كانت متعددة الاستخدام مثل؛ الرمح والفأس. فالسيف كان معداً لقتل البشر تحديداً.
مع بداية العام 3500 قبل الميلاد، عرف الإنسان عن طريق الصدفة قدرته على صهر معدن النحاس وخلطه بمعدن الزرنيخ أو القصدير، ثم طرقه وتشكيله، وبذلك أصبح يملك أول سلاح قاتل، رغم أنه كان غير متقن.

وتعود أصول أقدم سيف إلى تلك الفترة من الزمن، علماً بأنه عُثر عليه في تركيا، وبلغ طوله نحو 45 إلى 60 سم.
كانت صناعة السيوف غير شائعة بالنظر إلى أن تقنيات صناعة البرونز لم تكن متاحةً للجميع، لكن مع مرور الزمن، انتشرت تلك التقنية في دول حوض البحر الأبيض المتوسط ودول أخرى في العالم، الأمر الذي يستدل عليه من النقوش الموجودة على الجدران الأثرية التي تركها الفراعنة والآشوريون والرومان.
أما أقدم سيف ملكي عثر عليه في العالم، فيعود إلى ملك مصر توت عنخ آمون، وهو سيف مصنوع من البرونز على شكل المنجل، وكان يسمى “خوبيش“.
ظهور الحديد

ما بين عامي 1500 و1200 قبل الميلاد، اكتُشف معدن جديد يتسم بالقوة والمتانة، وهو الحديد من قبل الحثيون أو “Hittites“ الذين كانوا يعيشون في منطقة الآناضول، فاعتمدوا عليه في صناعة السيوف والخناجر بدلاً من البرونز.



رغم ذلك كانت السيوف الحديدية تعاني من الانثناء، وهو ما يتعارض مع صناعة سلاح صلب ونصل حاد.
الفولاذ.. أول خطوة نحو سلاح بتّار

خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، استطاع الإتروريون أو “Etruscans“ صناعة سبائك من الفولاذ، وهو عبارة عن حديد وكربون، فصنعوا سيوفاً ذات شفرات حادة قادرة على قطع الدروع.
كان لتلك التكنولوجيا - الحديثة حينها - دور مهم في نشأة الإمبراطوريات قديماً، فالرومان من خلال تلك التقنية صنعوا سيفاً أطلقوا عليه اسم “Gladius“ الذي كان سبباً قوياً في كافة انتصاراتهم، ثم تلاه السيف الطويل “Spatha“ الذي أصبح أيقونة صناعة السيوف في العالم بعد ذلك.
من المعارك.. إلى مظاهر للاحتفال

ظلت السيوف جزءاً لا يتجزأ من أسلحة الجيوش في المعارك، خاصة مع ظهور الجيوش الكثيفة، إذ أصبحت صناعة السيوف أسهل وأبسط من قبل، وأخذت أشكالاً وأسماء مختلفة خلال القرون الماضية، لتتناسب مع أساليب القتال ومع صاحبها.




لكن ظهور البارود، وما تبع ذلك من اختراع الأسلحة النارية، أدى لتراجع السيوف في الحروب تدريجياً، حتى اختفت منها مع بدايات القرن العشرين، فأصبح وجودها مقتصراً على الاحتفالات الرسمية، حيث يحملها القادة والعسكريون كرمز للقوة.
السيوف العربية

ولم تشهد صناعة السيوف أي تطور ملحوظ في الجزيرة العربية إلا مع ظهور الإسلام، حيث كان لها دور مهم في الفتوحات الإسلامية، والدفاع عن المسلمين من الأعداء.

لاحقاً اهتم الصُّناع المسلمون بصناعة السيوف، لما لها من مكانة عالية عند الحُكام والفرسان، فأخذت أشكالاً عديدة منها القصير والطويل، والثقيل والخفيف، والمستقيم والمقوس والعريض، والضيق والمدبب، فضلاً عن ابتكارهم طرقاً جديدة لطرقها وصناعتها وصقلها وزخرفتها في كافة البلدان الإسلامية، سواء في القاهرة أو بغداد أو الشام.
السيف الدمشقي المعجز في صناعته

“تمتاز باﻟﺠﻭﺩﺓ، ﻭسقايتها أصيلة، ﻭامتازت نصاﻟﻬﺎ بقطعها ﺍﻟﺠﻴﺩ، ﻭﻻ يمكن ﺃﻥ يوجد ﻟﻬﺎ مثيل ﻹﺭﻫﺎﻑ حدها ﻭﻟﻁﻑ فرندها، وبلغ لمعانها حداً كبيراً من إتقان ﺍﻟﺼﻨﻌﺔ، بحيث يمكن ﺃﻥ يتخذ الإنسان ﺍﻟﺴﻴﻑ الدمشقي مرآة لهندمة ثيابه”، هكذا قال ابن إسحاق الكندي في كتابه “رسالة في السيوف وأجناسها”.




منذ أن عرفت دمشق صناعة السيوف، منحت تلك الصنعة سحراً وسراً خاصاً، ظلَّ محيراً لعدة قرون، فالسيف الدمشقي ليس له مثيل في أي بلد بالعالم، ونال شهرته في القرن الثامن الميلادي، عندما قابل أهل الشام الحملات الصليبية بسيوف أكثر تقدماً وأقوى وأحدّ من سيوفهم البدائية العريضة.
السر في الخيوط المتموجة

أستاذ الهندسة وعلم المواد بجامعة ولاية آيوا الأميركية جون د. فرهوفن، ذكر في مجلة العلوم الكويتية أن السيوف الدمشقية تمتاز بخاصيتين، وهي الخطوط المتموجة التي تزينها، ونصلها الحاد.

كما أشار إلى أن الاهتمام بدراسة السيوف الدمشقية يعود إلى القرن الـ 18، أما أول دراسة حقيقية فكانت في العام 1924، عندما تبرع جامع تحف أوروبي بأربعة سيوف دمشقية لعالِم المعادن تستشوكي، الذي قطّعها لإجراء دراسات تحليلية على تركيبها الكيميائي وبنيتها الميكروية.

وبفحص هذه العينات الثمينة تبيَّن أنها تحتوي على شرائط من جسيمات كربيد الحديد Fe3C، المعروف باسم سمنتيت “Cementite”، وهي عبارة عن جسيمات مستديرة الشكل ومُحكمة النسق، يتراوح قطرها ما بين 6 و9 ميكرونات، وتتباعد شرائط الجسيمات بعضها عن بعض بمقدار 30 إلى 70 ميكروناً، وهي مرصوفة بشكل موازٍ لسطح السيف، بما يشبه حبات قمح داخل لوح خشبي.

أما عند معاملة السيف بالحمض فتظهر الكربيدات على شكل شرائط بيضاء ضمن قالب فولاذي داكن اللون، وحلقات النمو المتموجة في شجرة تولِّد الأنماط الملتفة المميزة على الخشب المقطوع.
كما أوضحت تموجات شرائط الكربيد وجود أشكال الوشي (النقش) الدمشقية على سطوح نِصال السيوف، وهي التي تمنحها صلابة في حدّها، ومرونة في بنيتها في آن واحد.
كيف تصنع سيفاً دمشقياً

حتى تصنع سيفاً قوياً، يصعب منافسته، سوف تمر بـ 9 مراحل وهي:
1- وضع حديد عالي النقاوة، وفحم نباتي، وقطع زجاج صغيرة، وأوراق شجر خضراء في بوتقة.
2- تسخين البوتقة لتكوين السبيكة الفولاذية.
3- تبريد البوتقة.
4- تسخين البوتقة مرة أخرى.
5- تطريق السبيكة، وهي لا تزال ملتهبة.
6- قطع الشكل النهائي للنصل، وتطريقه يدوياً.
7- إزالة الزوائد من النصل.
8- صقل سطح النصل للوصول للشكل النهائي.
9- حفر سطح النصل، لإظهار النقش.
السلاطين والسيوف الدمشقية

من أشهر السيوف الدمشقية التي حملها الخلفاء والأمراء: سيف عمر بن عبد العزيز، وسيف هشام بن عبد الملك، وسيف نجم الدين الأيوبي والد صلاح الدين الأيوبي، وسيف السلطان المنصور قلاوون، وسيف السلطان قانصوه الغوري.
وهكذا، كما كانت هذه السيوف معجزة في فترة استخدامها، ورغم انقراض صُناع السيوف الدمشقية، إلا أنها ما زالت معجزة وهي تزين المتاحف الإسلامية، لما فيها من أسرار لم تبُح بها حتى الآن، فهي صنعة لها أسرار تميزت بها دمشق دون كافة البلاد عبر العصور.