ميجالودون: لماذا انقرض أضخم وأقدم أسلاف سمك القرش على الإطلاق؟
لأسماك القرش سمعة سيئة دومًا. اسأل أي شخص عن رأيه في هذه السمكة، وسيستحضر عقله على الأرجح أقرب لقطة من جزء ما من أجزاء “فكان” أو أي فيلم وثائقي شاهده عن ضراوة تلك الأسماك؛ مع أنه لم، وعلى الأغلب لن، يرى واحدة في حياته!
هذه من ميزات السينما على كل حال: فلتحضر بضعة ديناصورات إلى مدينتك وانشر الخبر، ولن يتطلب الأمر إلا ليلة واحدة لا أكثر لمراجعة أجزاء الحديقة الجوارسية ودراسة طرق وضع الفخاخ واستعمال بول التي ريكس للتمويه، قبل أن ينقلب الأمر لحملات قنص ورياضة صيد الزواحف المحرشفة في الأراضي الزراعية المجاورة!
أفلام وثائقية تقول؟ بالله عليك كيف يمكن أن نجد أفلام وثائقية عن الديناصورات وهي حية؟ ليس أمامنا إلا الاعتماد على الأفلام السينمائية هنا ولنأمل أن يحالفنا الحظ كما حالف الأبطال في النهاية!
لكن بعيدًا عن المزاح، فهذه الأفلام دائمًا ما تبالغ في تناولها للكائنات سواء كانت منقرضة أو معاصرة، أو حتى الظواهر فتجدها تختار أكثر السيناريوهات تطرفًا للفيضانات والزلازل. هكذا، ستبدو الأناكوندا الحقيقية مملة وبطيئة بينما تبتلع ضحيتها في ساعات وتكتفي بها لشهور بالمقارنة بمثيلتها الماكرة السريعة كالبرق في أفلام “أناكوندا Anaconda”؛ وسيبدو تسونامي اليابان الأخير بارتفاع 10 أمتار فقط والذي لم يقتل إلا ثلاثة وأغرق عشرات المنازل وديعًا إلى جانب مثيله في أفلام “اليوم التالي للغد The Day After Tomorrow” أو “2012” أو “سان أندرياس San Andreas”؛ وكذلك سيظهر القرش الأبيض الكبير على قناة ناشونال جيوجرافيك “صغيرًا” عند تذكر أفلام “فكًان Jaws” أو “البحر الأزرق العميق Deep Blue See”!
لكن ماذا لو أخبرتكم أنه فيما يتعلق بالمثال الأخير تحديدًا الخاص بسمكة القرش، هناك فصيلة تعكس السيناريو تمامًا؟! أجل، هناك فصيلة من سمك القرش تبدو إلى جانبها الفصيلة المروعة العملاقة التي تظهر في الأفلام قزمة ووديعة!
لا، لسنا نتحدث هنا عن قرش الحوت Whale shark والذي يعد أكبر أنواع أسماك القرش وكذلك أكبر الأسماك على الإطلاق، بطول يصل إلى 12.65 متر ووزن 21.5 طن! هذه سمكة قرش عملاقة كما ترون لكنها في الواقع مسالمة للغاية ولا تتناول إلا القشريات والعوالق كمعظم الحيتان. وبالمناسبة، ففي دول الخليج يسمى القرش الحوت بـ “النهم” وكذلك بـ “الرقطة” أي الرقطاء بالعربية الفصحى وذلك لأن هذه السمكة رقطاء؛ وفي اللهجة العامية لمصر يسمى زيفا وكذلك ورد في بعض المواقع المصرية اسم النِمر الصالح. تستغربون وجود تسميات عربية لقرش الحوت؟ لا داع لهذا في الواقع، لأن ثاني أكبر تجمع له في العالم يوجد في قطر!
لكن بالعودة إلى موضوعنا الرئيسي، فأكبر أسماك القرش التي وجدت يومًا على سطح هذا الكوكب كانت تدعى بـالقرش الأبيض العملاق أو ميجالودون Megalodon وقد كان من الشراسة والضخامة ما جعله من أكبر وأقوى الضواري في تاريخ الفقاريات على مر التاريخ! المؤسف (أم الجيد لست واثقًا) أنه انقرض قبل حوالي 28 إلى 1.5 مليون سنة مضت!
كما نرى في الصورة بالاعلى، فالقرش المظلل بالقرمزي هو قرش الحوت Whale shark، بينما المظلل بالأخضر هو القرش الأبيض الكبير Great white shark. الظل الرمادي العملاق أعلاهم هو الوحش القديم المندثر: ميجالودون في أقصى حجم مسجل، أما المظلل باللون الأحمر فهو الحجم الطبيعي والشائع لميحالودون. وكما ترون، فلا زال متوسط الحجم والطول يقهر أي من تلك الخاصة بأسماك القرش المعاصرة!
بطول كان يصل في بعض الأحيان إلى 25 مترًا كاملًا وبفم باتساع 3 أمتار، كانت هذه الأسماك المهولة تروع المحيطات والبحار بشراستها وعاداتها في الصيد، حيث كانت تصطاد الحيتان وكانت تفضّل نوعًا بعينه منها كذلك! إلا أن هذا التفضيل الغذائي كان له ثمن كارثي كما سنرى لاحقًا!
فبناءً على تحليل حديث لآثار وعلامات أنياب ميجالودون على حفريات ثدييات مندثرة بعمر 7 مليون سنة، انتهى فريق من الباحثين إلى أن السمكة الضارية العملاقة قد انقرضت بعدما اختفت طريدتها التي كانت طعامها المفضل في ذلك الحين، وهي الحيتان القزمة Dwarf whale والتي انقرضت لتفسح المجال لظهور الحيتان الأضخم والأكبر الذي نعرفها في عصرنا الحديث.
يقول قائد الفريق البحثي ألبرتو كولاريتا Alberto Collareta بجامعة بيزا Pisa، إيطاليا:
مع آثار عضات أسنان ميجالودون التي تعرفنا عليها، عثرنا على فك أحد الأنواع المنقرضة من حيتان البالين وكذلك فصيلة مبكرة لفقمات البحر تدعى Piscophoca pacifica. كلا الحيوانان الثدييان كانا بطول لا يتعدى 5 أمتار، أي أقل من ربع حجم ميجالودون.
وبينما اعتمد ميجالودون في غذائه بشكل أساسي على صيد هذه الحيتان تحديدًا، يقول فريق البحث أن احترار المناخ طيلة تلك الفترة القديمة قضى على الكثير من الحيتان الصغيرة المنتشرة على خط السواحل حول العالم، بما في ذلك الحيتان القزمة.
لم يكن هذا يعني معاناة ميجالودون من ندرة الطعام والفرائس فحسب، وإنما شمل كذلك ميلاد الحيتان الأضخم والأكبر في عصرنا الحديث مع ذوبان الجليد في قطبي كوكب الأرض وإثراء النظام البيئي في المحيطات. هكذا تكيفت حيتان العنبر والحيتان الزرقاء سريعًا مع المياه القطبية شديدة البرودة وتوجت كسادة المحيطات المفتوحة الجديدة.
هذا التحول المتطرف في مجرى الأحداث أجبر ميجالودون على صيد حيتان أكبر بكثير مما اعتاد، وبالطبع لم يكن الأمر سهلًا على الإطلاق ولم يكن يؤتى ثماره في الغالب، مما جعله يلجأ إلى أن يقتات على جثث الحيتان في كثير من الأحيان. كذلك، دفعته برودة المياه في البحار القطبية إلى الانزواء في مواطنهم الساحلية الأدفأ، مما ضاعف من صعوبة إيجاد الفرائس المناسبة التي وجدت في المحيط القطبي الجديد جنة غنّاء بالنسبة لها. وقد قاد هذا كله ميجالودون إلى مصيره المحتوم بالانقراض والهلاك جوعًا!
البقاء للأقوى دائمًا على كوكب الأرض ولا مكان للضعفاء أو معدومي الحيلة به؛ على الرغم من أننا نجد صعوبة بالغة في اعتبار ذلك الوحش المهول من الضعفاء حقًا!