كما تحتضن مدينة السماوه حفنات من رمال الباديه وتغتسل عصرا بالفرات
كذلك تستضيف العيون حبات الرمال وتكتحل عصرا بسحر العيون العابر بالسوك المسكوف
من بعيد وبالقليل المتبقي من نعمة البصر لمحته وهو مدبر فانا اميزه بدالاتي عليه وهو ان
يده اليسرى في جيبه والاخرى تحمل سيكارته تتبعه سحب من الدخان نعم انه محسن الخياط
سارعت حتى امسكت به فهو ليس من السهل اللحاق به رغم تزاحم الناس والباعه لن يفاجاء
لعلمه بوجودي احتضنته بشوق خمسة عشر عام اعطاني سيكاره قلت انه رمضان قال ضاحكا انه السوك المسكوف ومن ذا يلاحظ وكما ترى عشرات تتابع العشرات تفحصت وجهه وما تركت عليه السنين وشعره الاشيب وظهور تجاعيد واضحه على جانبي الوجه مع ما تبقى من اسنانه الاماميه لكنه لازال منتصبا بعوده الفارع النحيف
ولد الشاعر محسن الخياط في اربعينيات القرن المنصرم نشاء في مدينة السماوه في بيت
قريب من شاطئ الفرات يسمع تنادي الصيادين فيما بينهم بتسميات لا يفها الكثيرون
يسمع جارته الناعيه وهي تدير رحاها
ماتنسمع رحاي بس يمنتي اتدير
اطحن بكايه الروح موش اطحن شعير
يخالط البدو القادمين من الباديه يحدون عيسهم الغاضبه من مشاكسات الصغار من ابناء المدينه
يحفظ من ركبانياتهم وكيف ان الحدى يختلف عندما يكونوا عائدين عما اذا كانوا راحلين يعرف
تسميات الابل والوانها وكيفية التعامل معها
وبعض الشعر النبطي الخاص بالابل
اختلط بابناء الريف الوافدين الى السماوه لبيع او شراء المواشي والذين يحتلون ركنا من المقهى الذي يرتاده كل يوم يجالسهم ويحضر نزاعاتهم ومفردات الشتاءم التي يتقاذفونها فيما بينهم
فاختزن الخياط في ذاكرته الكثير من الجمل والاهازيج والامثال والمفردات الريفيه والتسميات
الغريبه لبعض الخيول والاسلحه والازياء وما يميزها
كل ذلك ظهر على كتاباته فيما بعد فنادرا ما تخلو قصيده من قصائده من جمله او مفرده تثير التساؤل عما تعنيه لغرابتها وقلة تداولها
ولعل اكبر مساحه وجد فيها سعه كافيه لتحوي اكثر قدر ممكن من هذه الجمل والمفردات هي
قصيدة العشائر ( وليس نخوة عشائر كما يرد في تسميتها فهناك قصيده بهذا الاسم لشاعر اخر
قصيدة العشائر تلك اللوحه التي ابدعها بدقة الضليع العارف والمتمرس لمدينة السماوه ويمكن
لمن لم يسبق له رؤية المدينه يمكنه ان يراها بقصيدة الخياط بشوارعها وقصورها واكواخها
والقرى القريبه منها وبساتينها ومزارعها المتراميه على جانبي الفرات
بالاضافه الى اسماء جميع العشائر والاماكن المحيطه بها الى جانب بعض الشخصيات المعروفه
فيها
قبل ان يبدئها الخياط روى لنا حكايه علمنا فيما بعد انها من نسج خياله ليرى مدى تقبلنا لفكرة
القصيده
بدائها بمقطعين ثم بدات تزداد مقاطعها يوم بعد اخر الى ان اصبحت بما هي عليه الان كاطول
تجليبه ربما في تاريخ الشعر الشعبي العراقي ولمن يرى هذا تبجحا او مبالغ فيه فليذكر لي
تجليبه بحجمها على ان تكون مثل العشائر ممتلئه شعر لا ان تقاس على عدد المقاطع
او الوزن والقافيه فالمسفون كثيرون
ومما يجب الاشاره اليه هو ان الشاعر محسن الخياط اتم هذه القصيده وبحجمها الغير طبيعي
وهو لن تستعمل الورقه والقلم حتى الحرف الاخير منها وانما بناها على لون المدور وهو ان
يبداء المقطع بالكلمه التي ينتهي بها المقطع الذي يسبقه مما يسهل حفظها ويحمي تسلسلها
روحي اتواخذت يالماتحن اله
مثل عودة زرع راكبهه منجله
ركبه المنجل ولازوم لاويه
والف عونة حصاد اتهوس عليه
تقولب مال حاضر صبخه حريه
وغده ايضيع الفرس ريحان عاذلهد
عاذله تنيح والزم السكان
الى اخر القصيده
ولو تفحصت هذه الاسطر المثال ترى في كل سطر مفرده غريبه مثل لازوم عونه تقولب
مال حاضر والتي تعني فورا غده والتي تعني اصبح تنيح وتعني ابتعد
وفي القصيده الكثير والجميل من هذا ارد انذر نذر مرياع بيه دراغ
لليعرف العله وعكدتي يحله
والمرياع هو الخروف المدلل والذي لايجز عنه الصوف يعلق في رقبته دراغ جرس ليميزه
عن غيره وفي مقطع اخر
شتسوي الغزاله التوهه تبوي تجيب
والجيله تجيه بحد مفاصله
وتبوي هي من تبغي او تبي كما هو متداول في اللهجه البدويه وفيها ايضا
غطت والفرس تتمحلج وتصهل
او مخصوصه وحذاهه من حديد السيف
او اكرم بالعزيزه بغير جيل وروز
او انكز مثل نكزة حرمل الدرويش
والقصيده باكملها امثله
وللخياط قد تميز ابداعاته وهي الدقه والبراعه في رسم المشهد الشعري ووضع الجمله الشعريه
في مكانها الملاءم مما يشد الانتباه او قد لا يخطر ببال من نسيج متماسك وموضوع مسترسل ينم عن خبرة طويلة تمتد الى ما يقارب النصف قرن خاض خلالها غورا عميقا في
هذا الفن الرائع
تكول كلي ما كلتلي
شرد اكلك قابل المصيوب يتمعنه بكلامه
قابل الغركان يحسب روج يتعده على هامه
وفي قصيده اخرى
تبعد وانه اكولن جاي
يالي حجايتك كبان البريسم دحطني براي
لو بيك الفرح ما جاي
ما صار الكصب لجروحه زماره ولا دك ناي
واخرى
كعدت وحطت كتبه على رجليها بامان
مثل حط الكنطره الفضه على ساجيتين ناغن هرطمان
او قوله
الدف بطرك جلده ويدك للناي
او ندفع والكعد مربوط
وعندما كنت اسمع منه بين الحين والاخر بعض قصائده القديمه حتى بداياته نهاية الخمسينات
او بداية الستينات لم اجد ما يمكن تخطيه في كل ما كتب على مدى العقود الماضيه
من قصائده القديمه
يالحاشتك ايد الزمان وحاشت هموم
يالتيهتني بجول هجرك تيهة الشوم
بيزاري حجيك ما يكد يومين ويدوم
نفاش حبك وبكصب عشرتك ملموم
بس انكسر عود الكصب شاله الهوه بزوم
كص ضلعي من تمرك علي واكسرني لااكوم
غيرك وجع ساعه سهل وانت وجع دوم
هذا انه ملاح الجرف ذبه هوه الليل
تيه ومشحوفه شله يالحري ياويل
وشراعه مدري بياكتر عت ماخذه السيل
يالحبة الحلوه بهواك وريحة الهيل
يالعودك امكصمل وتازه وبرم مبروم
غيرك وجع ساعه سهل وانت وجع دوم
تلاحظ المفردات
بيزاري تمرك امكصمل
ومن قديمه ايضا قصيدة عشك المضين
ملح روحي وشربه الليل
والمامش شرب طيفه
ومشيت وكلبي وصله هنا
وصله بحد سواليفه
وكفت انكر الاوي الماي
لاوني مجاذيفه
العمر جربة نخل وبشوك
واكف وبطرك ليفه
والسطر الاخير يوحي للقارئ وكانه شكوى او ضعف ولكن لو اعاد النظر يراه مواطن قوه
وتلمست العدو من السيف جيه بي انكسر سيفه
يريد ايضوكني الزنجار حسباله الذهب زيفه
البرد موعار بجويريد عار اليجمد بصيفه
وللخياط قصائدعديده لا يتعدى حجمها المقطع القصير تكون تماما بحجم الفكره المراد
قولها فهو لايطيل لمجرد الاطاله فكل ما زاد عن حجم الفكره فهذا اسفاف لا فائده منه
هذا ما قاله لي مرات ومن تلك القصائد
نار المله
يا باجي نار المله جرحين الك يجوني
بالحيره كمت اتسله والجاره راحت مني
لو اكله لو ما اكله واثنينهن يا ذني
عود
جان بسنين التعدت عندي عود
بس جنت ما اعرف ادك
على مر الوكت علمني زماني
دورت عالعود ماهو بيش ادك
باب وحده
بيت عن روحي بعيد وبيت شايلي موده
وحيرة البيتين هنه ابباب وحده
شلون ادكه وكون ما يدري الغريب
ويفرح البيت الاوده
وفي بداية الثمانينات وتحديدا مع بداء الحرب مع ايران استقال الخياط من وضيفته
في تربية السماوه تخلصا من ملاحقات الجيش الشعبي وممن حاولوا زجه في المهرجانات
التي تمجد الانتصارات المزعومه فاصبح قليل الظهور امام اعينهم واقتصرت لقائاته على
مجموعه قليله من الاصدقاء
فاشيعت حوله دعايه كان مصدرها ملاحقوه على ان الخياط نضب معينه او بمعنى اقرب
انتهى كشاعر واصبحت هذه الدعايه تتردد وقد سمعتها مرات عديده ومع علمي الاكيد
بعدم صحتها الا اني اخبرت الخياط بما يقال فا جابني ضاحك وغير ابه
شني هوه الشاعر جود ماي ويفرغ
وما هي الا ايام حتى ظهر بقصيدته الرائعه مغزل ذهب
علي كالو بعد ما يكتب هواي وانه شما اطيح اشبن واوكف وكوف
جذب لليل ادنك والصبح جاي
والمزوك المشاير سنبله زلوف
صدح طير الجبال بطور معناي
واخذ مني الغنه بالهور مشحوف
وطرب شرجي السماوه النغمة اصباي
وعشك تالي العمر والبعده ملهوف
يضوك الينطي خده الشفة اغناي
حلاوة طيبتي وولايتي اتشوف
صبغ جلمه ايعرفه ايريد شراي
مثل راعي الهرافي اليصبغ الصوف
انه وشعري وحبيبي بهاي دنياي
يجن مغزل ذهب وبريسم واوف
انه الشوك الترضعه حجايتي وياي
مثل شوك الغزاله الترضع خشوف
يريدوني نخل ما يكسر فياي
يريدوني فرح ويكابح دفوف
انه بهيمه وكلت ما ابيع ممشاي
على امباوس جذب ومصافح جفوف
انه بياهي اصير اركص لبلواي
واضل سندان صيني الورد الحروف
كشت بير الغميج وغرفن ادلاي
واهب الكل ضوه وراكي عالجتوف
مهي الشالت عنكهه بجيحة الماي
اذا تنشف تلمه وتزحف زحوف
واذا صوت الغراب يعير الناي
بعد حكة الكصب من يثلم سيوف
كان بهذه القصيده يشير من بعيد او من قريب الى شاعر كانت له يد في
اثارة الاشاعه المشار اليها فادعى ذلك الشاعر بان المقطع القائل
كشت بير الغميج وغرفن ادلاي
واهب الكل ضوه وراكي عالجتوف
مسرقه فكرته من احدى قصائده يقول فيها
فجت ببحور الشعر والقافيات
وكمت اداعبهن على وحي الخيال
ناشدت وين القوافي العاصيات
اجن سجدن واعلنن للامتثال
واتذكر تماما ما حدث ذلك اليوم حين اجاب الخياط مستهزءا اذا تتهمني سارق فانا سارق
من سارق فانت سرقت ما تتدعيه من المتنبي العظيم
انام ملئ جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
فلماذا تمنع عن غيرك ما تبيحه لنفسك بعد اقل من اسبوع ظهرت قصيدته
واضحة المعالم وقد خص بها الشاعر انف الذكر
خيال الصبح
يلوح خيال الصبح ياريته لاح
ويحكم الحادي على خيله ونوكه
يا كحيله يشوف سبكت بالرواح
ويا كحيله العاودت مسبوكه
انه شوك اليتعب وما يستراح
شمعه ضلت للصبح معلوكه
وشوكي لو يمطر على البر والسفاح
ينبع ابين النخل وعروكه
الزهدي والبرحي خذن نفس اللكاح
لكن اشكد الفرق بعثوكه
لا تنوج للغزال بلا سلاح
ولا تغير بكاع ما مسحوكه
ولا تنود ويه الغنه وغناك راح
والربابه الهزتك مخنوكه
النار هزت بالجدر والفوك فاح
وروحي كامت لك واهي محروكه
طيني احمر وانت طينك بيه ملاح
وخل نشوف بياحديقه البوكه
فترة الثمانينات التي اشيعت حوله الاشاعه المار ذكرها كانت وكانها حافزا
له لكي يبدع فقد كتب اروع قصائده في تلك الفتره
ومنها قصيدة طعم الحابسي
يبو طول الترندج خيط شاهول
يبو الوان القزح بتلاة مطره
يطعمك فص قند والروح قندول
يطعم الحابسي ونبهار بصره
يمنكد ما حلو من الكاع مشيول
تمرجح بالهوه على ارداف مهره
تعط وريحتك لو عطت اتحول
مسج واتمطك الميتين وامره
يطور محمداوي ايناغي ما صول
نزر ومدكدك وملكوط ببره
يشجره انفردت ابحر صيف وبجول
حنين ومكسرك لابد تكسره
يهودج والتمرجح بيه المنسول
مثل غرنوك حط بكاع خضره
على اوصافك توالم عيد ودخول
وعلى محبتك يطول الشوك عمره
لشكن ريتي من الطول للطول
وادك راسي عليك بحكه صفره
وعندما سالته لماذا حكه صفره اجابني ( هم فشخه وهم بحديده مزنجره)
وله في سراق القصائد قصيده جميله جدا ويوسفني اني لااحفظ منها الا القليل
اوف يا شرجي السماوه الما يضيع عليك شاعر
واوف ياغربيه ذاك اليعرف الزار المحطه وما يسافر
يا رخص سن الذهب وانباك من حلك الجنازه ولا هو صاير
والله لو تدري القصايد بالشعر ينباك باجر
جان لطمت لطم العماره وتكلك منهو شاعر
وفي فترة الحرب له مقاطع اخف عقوباتها الاعدام
اشكثر صاروا من ربعنه معوقين
واشكثر ودوا للمغيسل ازلام
ثلج مالح للجنايز هالسنين
وبعد ما يلحك على الميتين خام
ذوب الدم الصخر خلفه طين
ولحسته بكد العطش وادم اسلام
امدلهمه وما تنعرف متحاصرين
ظلمه وحويزه وبلم عبرتنه جام
حتى عالغيمه فواتح نا صبين
اتعجب الله وزعل ملج الموت كام