ابن الفارض والحب الإلهي
هوالشاعر المشهور عمر بن علي بن مرشد علي،وهو حموي الأصل، ومصري المولد والوفاة، ويلقب بأبي حفص وأبو القاسم، شرف الدين أو «ابن الفارض»، وهو أشعر المتصوفين،وأيضا يلقب بسلطان العاشقين..والذي جاء أبوه من حماه إلى مصر فعاش فيها ، وصار يثبت الفروض على لنساء وعلى الرجال عند الحكام فلقب بالفارض..ولد له ابنه عمر الذي اشتغل بشبابه بالفقه ، وأخذ الحديث ورواه عن ابن عساكر، ثم بعد هذا حبب إليه طريق الصوفية، فتزهد وبدأ يأوي إلى المساجد المهجورة في المقابر في القاهرة و المقطم.
بهذا الموجز عن ابن الفارض بدأ الباحث نصر الدين البحرة بذلك محاضرته عنوانها : «ابن الفارض..سلطان العاشقين»، والتي قام بألقاها مؤخراً في المركز الثقافي العربي في مدينة دمشق «أبو رمانة».
كان ابن الفارض جميلاً حسن الهيئة والملبس، و الصحبة، رقيق الطبع، وسخياً جواداً، وكان يعشق مطلق الجمال، ولقد نقل الزركلي عن ابن حجر كذلك أبياتاً صرح فيها ابن الفارض بالتوحد ومنها كقوله:
وفي موقفي، لا..بل إليّ توجهي
ولكن صلاتي لي،ومني كعبتي
و عكف كثيرون على شرح ديوان ابن الفارض ، وقد كشفوا عن معاني الرموز والإشارات التي احتجبت واختفت وراء الألفاظ والعبارات والكلمات ..
ما معنى الصوفية وما أهدافها
وبعد هذه التقدمة عن ابن الفارض يبدأ يشرح الباحث معنى
الصوفية وأهدافها ومعانيها ، عرفت الصوفية قبل الإسلام، حسب ما يذهب إليه الأستاذ محمد ياسر الشريف بأنها جاءت من اليونانية «سوفس» ومعناها الحكيم، ويقال أنها ترجع إلى الانتماء إلى «صوفة» وهو الذي وجد في الجاهلية، وقد انتسب إليه جماعة سكنوا مكة وانقطعوا إلى عبادة الله..
و أيضاً: تصوفوا، أي بمعنى لبسوا الصوف الخشن، أانقطعوا عن الحياة الرغدة الناعمة اللطيفة ، إلى العبادة وحب الذات الإلهية وحب النبي محمد الصادق الأمين ها هو سلطان العاشقين والحب الإلهي..
وبعد ذلك يعرض الباحث للحب الإلهي عند ابن الفارض فيرى ويجده كأمره عند سائر المتصوفة بمعناه,وهدفه الذي فيه يحب الإنسان الله ربه ، وهو المحور الرئيسي الذي تدور عليه وحوله رياضات النفس ومجاهداتها وسماتها ، وهذا ما أشار إليه أمام المحبين في
قصيدة التائية الكبرى:
وأذهبت في تهذيبها كل لذة
بإبعادها عن عادها فاطمأنت ولم يبق هول دونها ماركبته
وأُشهد نفسي فيه غير زكية
وينظر ابن الفارض والصوفيون كذلك إلى حب الله على أنه أصل في وجود الخلق، وأيضا واسطة في سريان الحياة والحركة في المخلوقات جميعا استناداً إلى الحديث القدسي الشريف :«كنت كنزاً مخفياً، فأحببت أن أُعرف، فخلقت الخلق، فيه عرفوني» وهذا يعني أي أنه حسب رؤية الصوفيين أن الله أراد وأحب أن يرى ذاته في شيء آخر فخلق هذا الخلق وأوجد العالم..
ما هي مقومات الحب الإلهي
وهنا يتحدث الباحث عن مقومات هذا الحب الإلهي الكوني التي أبانها وأوضحها ابن الفارض في قصيدته الميمية(الخمرية) الشهيرة وذلك من خلال حديثه الرمزي عن هذا الحب، وأشار وكنى عنه بالمدامة من حيث هي كناية عن وجود وتوافر المحبة الإلهية منذ الأزل ولا تدخل كذلك في قيود الزمان والمكان.
شربنا على ذكر الحبيب مدامة
سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم
لها البدر كأس وهي شمس يديرها
هلال، وكم يبدو إذا مزجت نجم
فإن ذكرت في الحي أصبح أهله
نشاوى ولا عار عليهم ولا إثم
وعليه فان الله جميل وجماله حقيقي ومطلق ودائم ، ويستغرق هذا الشعور بالانجذاب كذلك إلى جمال الذات الإلهية عند ابن الفارض ومن هو مثله استغراقاً جعله يشهد محبوبه وحبيبه الحقيقي في كل معنى وفي كل مظهر وفي كل زمان ومكان ..