من يقرأ " تاريخ العرب في الاسلام " للمؤرخ " جواد علي " يجد بادئ ذي بدء ينتقد المستشرقين الذين اثاروا الجدل حول السيرة النبوية فيقول ما نصه " لقد غالى الكثير من المستشرقين في كتاباتهم في السيرة النبوية ، واجهدوا انفسهم في اثارة الشكوك في السيرة ، وقد اثاروا الشك حتى في اسم الرسول ، ولو تمكنوا لأثاروا الشك حتى في وجود النبي " وكما هو معروف بأن جواد علي لم يتسنى له الوقت للإطلاع على ما كتبه لويس دي بريمار صاحب كتاب تأسيس الإسلام او ما كتبه محمد آل عيسى في كتابه ظهور الإسلام المبكر وغيرهم الذين بحثوا بحثاً اركيولوجياً فلقد توفى قبل هذا الوقت ، ولو اطلع عليهم لقال بأنهم قد شكوا بوجود النبي اساسا .
بعد ذلك يتجه جواد علي للبحث عن اي مخطوطات لها علاقة بقريب او بعيد عن احوال ذلك المجتمع الإسلامي في فترة وجود النبي والخلفاء الراشدين ، مستعينا فيما دونه غير الإسلاميين مرة وما دونتنه المؤسسة الإسلامية فيقول " وليس في يد احد هذا اليوم اصل من اصول كتب الرسول إلى الملوك والرؤساء والى القبائل والعمال الذين بعثهم إلى اليمن او الأماكن الاخرى ، كذلك لا نملك اصلا لكتابة من الكتابات المدونة في ايام النبي او خلفائه ، وهذا امر ببعث الأسف حقا " " حتى ارض اليمن ، وهي ارض كريمة سمحة اغنت المؤرخين بآلاف من الكتابات ،بخلت علينا هذه المرة بخلا شديدا ، فلم تتكرم علينا بنص عن هذا العهد " " وحتى مكة والمدينة وطنا الإسلام فقد لاذا ويا للأسف بالصمت وما زالتا عليه ، مع وجود الكتابة في زمن الرسول ، ووقوع حوادث الإسلام فيهما ، وكتابة واحدة يعدها المؤرخ ثروة قيمة " " حتى القراطيس والألواح التي دون كتاب الوحي عليها آيات الله لم يبقى منها شيء " ثم يعود جواد علي للعتب على الجماعة التاريخية فيقول " كيف لأمة قد ابتدأ الوحي قوله " اقرأ بإسم ربك الذي خلق " ان لا يهتموا للكتابة ؟!
ففي بداية الأمر يشكل جواد علي على المستشرقين خصوصا ومن تعبهم بمنهجيتهم عموما ، لشكهم في الحقبة التاريخية وما جاء فيها ، ثم يعود مع اسفه الكامل ، ليقر بنفسه بانه لا توجد وثيقة واحدة عن تلك الحقبة ، باحثا في اليمن ومكة والمدنية موطنا الإسلام على حد قوله ، فأي اشكال هذا الي يرده جواد علي ويتهم المشككين بانهم لا يتبعون المنهج العلمي ؟ وهو بقلمه يقر عدم توفر الأدلة اللازمة ، التي تسمح للباحث المحايد ان يفتح مجال الشك في وجود الحقبة الزمينة وشخوصها واحداثها .