بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
فقد كَثُرَ عدد الملحدين العرب فى الآونة الأخيرة وإنا لله وإنا إليه راجعون
وأصبحوا يتطاولون على الأديان المنزلة من عند الله جل وعلا ويصفونها بأنها من صنع البشر, لدرجة أن بعضهم يتطاولون على الله سبحانه وتعالى نفسه
ولكن الغريب فى الأمر أن معظمهم لا يتطاول إلا على الإسلام, وإذا سألتهم: لماذا تتطاولون على الإسلام وحده؟ يقولون لك: لأن الإسلام هو الديانة السائدة بين العرب, أما اليهود فهم قلة
أولاً: الرد على من ينكرون وجود الله جل وعلا, ويقولون: إن هذا الكون الفسيح وُجِد بالصدفة, وهو من صنع الطبيعة, ونحن لا نؤمن إلا بالمُشاهَد المحسوس, ولو كان الله موجوداً لأرانا نفسه كى نؤمن به
فنقول وبالله التوفيق: إن هذا السؤال لا يصح من عاقل, فهل يوجد أى شىء فى الكون بدون واجد؟ وهل المصادفة تصنع قانوناً محكماً؟ وإذا كانت الطبيعة هى التى خلقت هذا الكون, فمن أين جاءت بمكوِّناته؟ قال الله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35] فهل لو حدثكم إنسان أنه رأى سفينة محملة بالبضائع تكونت مصادفة بغير صانع, وسارت فى البحر بغير قائد, أكنتم تصدقونه؟ هل لو طرحتم إناءً كبيراً من الزجاج على الأرض فانكسر, هل يُكوِّن أكواباً صغيرة؟هل لو سكبتم عدة ألوان على ورقة, أتكوِّن منظراً بديعاً؟ فما ظنكم بهذا الكون المُحكَم البديع, الذى يسير كل شىء فيه بنظام رائع لو اختل لدُمِّرَت الحياة بأكملها؟ إن أحدكم لو سافر إلى الصحراء بمفرده, ونام بعض الوقت ليستريح, ثم استيقظ وهو جائع, فوجد مائدة عليها طعام وشراب, هل سيمد يده ليأكل قبل أن يتساءل فى نفسه: من أحضر هذا الطعام؟ فكيف بالكون كله الذى أُعِدَّ لاستقبالنا قبل أن نولَد, شمسه وقمره ونجومه وأرضه وسماؤه… إلخ, وكل شىء فيه له نظامه وقانونه الذى لا يخرج عنه, ألا يوجد لهذه الأشياء خالق؟ وهل هذه القوانين المحكمة صنعتها المصادفة؟
إننا نؤمن بوجود الكهرباء, ولكن هل نراها؟ نفترض أننا فى مكان ما, والمصابيح مُضاءة والمراوح تعمل, ثم سأل سائل: هل توجد كهرباء؟ ماذا سيكون جواب الحاضرين؟ أمجنون أنت؟ ألا ترى الإضاءة والمراوح وكذا وكذا؟ فقال: أين توجد هذه الكهرباء؟ فقلنا له: إنها فى هذه الأسلاك المُغطّاة, فذهب ليعرى الأسلاك, هل يرى شيئاً؟ ولو وضع يده ليلمسها, ماذا يحدث له؟ إننا نعلم ما أحدثه استخدام الإلكترونيات من ثورة علمية هائلة لم يسبق لها مثيل فى عالم الأقمار الصناعية والحاسبات الإلكترونية والاتصالات الهاتفية والشبكة العنكبوتية (الإنترنت)… إلخ, فهل نرى الإلكترونات؟ هل نرى الجاذبية الأرضية؟ هل نرى المغناطيسية؟ هل نرى أشعة إكس أو الليزر أو الموجات فوق الصوتية؟ أم أننا استدللنا على هذه الأشياء كلها بتأثيرها؟
إن حواسنا التى خلقها الله لنا ليست مُعَدَّة لإدراك كل المخلوقات, فكيف بإدراك من خلقها؟ سبحانه {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:103]
ثم إنكم تطلبون رؤية الله عز وجل, فلو رأيتموه كيف يكون الاختبار إذن؟ إن الإيمان بالغيب من صُلب عقيدة المؤمنين, فإذا كان كل شىء مُشاهَد, فما فائدة الإيمان؟ فهل يقول أحدٌ: أنا مؤمن بوجود الشمس والقمر أو الليل والنهار؟ إن رؤية الله عز وجل نعيم عظيم, بل هى أعظم من نعيم الجنة, فهل يستحقها المشرك والكافر والفاسق والفاجر؟ {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] إنها قاصرة على أهل الجنة يتنعمون بها على قدر منازلهم, فأعلاهم منزلة من يرى الله سبحانه وتعالى بُكرَة وعَشيّاً {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ{22} إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23]
ولو افترضنا (جدلاً) أيها الملحدون أن أحداً خلَق الله, فستقولون: من خلقه هو أيضاً؟ ثم من خلق الآخر ثم الآخر… وهكذا
ولكن إلى متى؟ إلى ما لا نهاية؟ فلابد أن يدرك العاقل وجود خالق لم يخلقه أحد, أوَّل ليس قبله شىء, وهذا فى عقيدتنا هو الله سبحانه وتعالى الذى خلق كل شىء ولم يخلقه شىء {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:3-4]
ثانياً: الرد على الذين يؤمنون بوجود الله ولكن لا يؤمنون بالأديان (وخصوصاً الإسلام) ويقولون: إنها السبب فى التخلف والفقر والمرض والفساد والظلم… إلخ, ولا يؤمنون بيوم القيامة
هل تظنون أن الله خلقنا عبثاً ولن يحاسبنا على أعمالنا؟ فأين العدل إذن؟ وهل تظنون أن الله يجعل الصالح يستوى مع الطالح؟ والمصلح فى الأرض يستوى مع المفسد فيها؟ والظالم يستوى مع المظلوم؟ والقاتل يستوى مع المقتول… إلخ؟
إن هذا لسوء ظن بالله تعالى, واتهام له بالعبث والظلم, وحاشا لله أن يكون كذلك, إن هذه الصفات لو كانت فى أحد ملوك الأرض ما استحق أن يكون ملكاً, فكيف بملك الملوك سبحانه وتعالى؟ قال الله تعالى: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ{115} فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ } [المؤمنون: 15-16]
أنتم تتحدثون عن الفساد والظلم والتخلف والفقر فى بلاد المسلمين, وتعتبرون دعوتكم للكفر بكل الأديان هى دعوة للإصلاح والوقوف فى وجه البؤس والظلام الذى نعيشه, ولكن ربط كل هذا بالدين خطأ فاحش, فهل الانسلاخ من الدين سيغير ما نحن فيه من تخلف وظلم وفقر… إلخ؟
إن كثيراً من الأمريكيين والفرنسيين والألمان وغيرهم من أهل الدول المتحضرة يعتنقون الإسلام, فهل غيّر الإسلام أحوالهم, فأصبحوا فقراء مرضى متخلفين؟
واسمحوا لى أن أسألكم: نفترض أن كل الشعوب العربية قاطبة استجابوا لصراخكم بنبذ الدين (والعياذ بالله) فهل هذا سيغير حالهم؟ وهل سيحوّل تخلفهم إلى رُقِىّ؟ وفقرهم إلى غنى؟ وظلمهم إلى عدل؟
ثم من يأخذ للمظلومين والمقهورين حقهم ممن ظلمهم وقهرهم؟ ولمن يشتكون إن لم يجدوا من ينصفهم؟ وبماذا يتصبّر الفقير والمريض والمطحون فى هذه الحياة, وهو يعلم أن الكل سيموت ولن يُعَوَّض (فى رأيكم) عن فقره ومرضه بعد موته؟ فى حين أن غيره قد تنعّم بالغنى والصحة والراحة؟
كيف تكون أحوال أمم لا تدين بدين يربطها بحب الله جل وعلا, والخوف من عقابه, ورجاء ثوابه؟ ألا يكون كل شىء مباحاً طالما يفعله الناس فى الخفاء بعيداً عن طائلة القانون؟ ومن يضمن للناس حفظ أموالهم ودمائهم وأعراضهم؟ إن مجتمع كهذا سينتشر فيه الكذب والخداع وشرب الخمور والزنى بالمحارم وغير المحارم, ولن يكون هناك ضابط يضبط سلوكيات الناس إلا القانون الذى يستطيعون التهرب منه بكل سهولة
أنتم تعلمون أن رُقِىّ الدول الغربية لم يَقُم على تعاليم دينها, وإلا.. فهناك دول أفريقية كثيرة متخلفة , وتعلمون أيضاً أن الحضارة الغربية ما قامت إلا على الحضارة الإسلامية, وعلى سرقة عقول الشعوب, وامتصاص دمائهم, ونهب ثرواتهم, كما أنكم تعلمون أن ما حَلّ ببلاد المسلمين هو بسبب الاستعمار المتكرر لبلادهم, وتقسيم العالم الإسلامى إلى دويلات متفرقة… إلخ
إن المتأمل فى أحوال المسلمين يجد أغلبهم غير ملتزمين بدينهم, وهذا هو سبب نكبتهم, ولو كان قولكم صحيحاً فى أن الإسلام هو السبب فى التخلف والمرض والفقر… إلخ, لانصحلت أحوال هؤلاء ببعدهم عن دينهم, أليس كذلك؟
إن أعلى معدلات الجرائم من سرقة واغتصاب وقتل هى فى الدول التى لا تدين بالإسلام, أو التى لا تحكم بشرع الله, حتى إن أمريكا (وهى أكثر البلاد تقدماً) بها أعلى نسبة من حوادث السيارات فى العالم, وذلك بسبب الخمر
وأخبرونى بربكم: هل قرأتم أو سمعتم أى آية أو حديثاً أو رأياً فقهياً يحث على محاربة العلم وعدم التداوى من الأمراض والوقاية منها؟ أو يأمر بالظلم والقهر والاستبداد؟ أو يعارض السعى لاكتساب الأرزاق الحلال؟ وهل ما يفعله بعض الذين ينتمون للإسلام من ظلم وقهر واستغلال للثروات على حساب الفقراء ناتج عن امتثالهم لأوامر دينهم؟
أليس ما فيه كثير من المسلمين من ظلم وفساد ورشوة وقتل وسرقة واغتصاب.. إلخ ناتج عن بعدهم عن الدين؟ فكيف لو تركوه بالكلية؟
إن الله سبحانه وتعالى لم يأمر نبيه صلى الله عليه واله وسلم بطلب الزيادة من أى شىء إلا العلم, فقال: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114]
وهناك آيات وأحاديث كثيرة تحث على العلم والعمل والوقاية من الأمراض والتداوى منها والتكسُّب من الحلال
وأخيراً أوجّه سؤالاً لكل من يقول: (إن الكون جاء صدفة بغير خالق) : افترض أنك رجعت إلى بيتك فوجدت آثار لأقدام رجل أو أعقاب سجائر, فسألت زوجتك عن تلك الآثار والأعقاب, فقالت لك: (إنها موجودة بالصدفة) هل كنت تصدق ذلك؟ أم أنك تثور ثائرتك وتقول لها: مستحيل أن توجد هذه الأشياء بالصدفة؟
كما أننى أوجّه سؤالاً آخر لكل من لا يؤمن بالإسلام: افترض ولو واحداً فى المليون أن الإسلام حق, هل ستتحمل عذاب الله يوم القيامة بسبب كفرك؟ وهل ستتحمل مثل عذاب من كنت سبباً فى كفرهم؟