بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة؛ إذ يفتك بالإيمان، ويعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا.
ومن عوامل انتشار هذا المرض: الجهل بالدين، وضعف العقيدة واليقين، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.
وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل، وادعاءات بلا مستند، ورغم ضعفها وبطلانها فإنها قد تؤثر في بعض المسلمين؛ لقلة العلم، وازدياد الجهل بالدين؛ ولذلك كان لا بد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوى أهل الإلحاد؛ شبهة تلو الأخرى، ومغالطة تلو المغالطة، ودعوى تلو الدعوى؛ حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشُبَههم.
إنكار الملاحدة لأسلوب الترغيب والترهيب:
ينكر الملاحدة حضَّ الإسلامِ على فعل الخير عن طريق ذكر الثواب والمكافأة على فعله، وهو ما يُعرَف بالترغيب، ويستنكرون أيضًا حث الإسلام على ترك الشر عن طريق ذكر العقاب والعواقب الوخيمة له، وهو ما يُعرَف بالترهيب؛ ويعللون ذلك أن مجرد معرفة الإنسان بالخير كفيلة بأن تجعله يفعل الخير، ومعرفة الإنسان بالشر كفيلة بأن تجعله يجتنب الشر، ومن ثم فلا حاجة ولا قيمة لأسلوب الترغيب والترهيب.
ويقول بعض الملاحدة:
"من يفعل الخير حبًّا لذات الخير، هو أفضل من الذي يفعل الخير طمعًا أو خوفًا من رقيب، نحن - الملحدين - لسنا بحاجة لرقيب، ولسنا أطفالًا ".
ويقول آخرون: "إن ما يحرك الإنسان على الخير وأداء الأمانة والالتزام الأخلاقي وأداء واجباته بضمير والرحمة بالمتألمين والمبادرة إلى نجدتهم - هو فعل الخير لذات الخير، وليس رجاء الثواب من إله أو إنسان".
ويقول أحدهم: "فعل الخير يجب أن يطبق، بصرف النظر عما يترتب عليه من جزاء أو مكافأة".
ويقول آخر: "الافتراض بأن الخوف والطمع يدفعان الإنسان لعمل الخير أو اجتناب الشر، يصوِّر الإنسان كأنه شريرٌ بالفطرة؛ لذلك لا بد من ترويضه بالقوة كالحيوان المتوحش".
وبالغ بعضهم فقال: "الحض على فعل الخير عن طريق ذكر الأجر والثواب: عبارة عن رِشوة للناس كي يفعلوا الخير".
معرفة الخير لا تكفي لإلزام الناس به:
معرفة الخير لا تكفي وحدها لإلزام الناس به، ومعرفة الشر لا تكفي وحدها لصرف الناس عنه؛ فقد لا يعمل الشخص بما علم بسبب هوى في النفس، أو شبهة، أو مغالطة، أو تعلق قلبه بشيء آخر، وعلى سبيل المثال: كثير ممن يدخن يعلم الآثار السيئة للتدخين، ومع ذلك يدخن، ومن يقتل شخصًا يعلم أن القتل مجرَّم قانونيًّا، ومع ذلك يقتل، والناس تعلم وتتيقن أن النار محرقة، وبعضهم يُحرق نفسه بالنار، وبعض الناس يعلم أن الزنا يكون سببًا في العديد من الأمراض الجنسية، ومع ذلك يرتكبه.
وإذا كانت معرفة الخير لا تكفي وحدها لإلزام الناس به، ومعرفة الشر لا تكفي وحدها لصرف الناس عنه - فلا معنى لمعرفة الخير دون إلزام بفعله، ولا معنى لاستحسان الخير دون إلزام بفعله؛ إذ بدون الإلزام لا يهتم الإنسان بفعل الخير، ولا يُعِيره اهتمامًا، وبانعدام الإلزام تنعدم المسؤولية التي تلزم الإنسان بعمل الخير، وإذا انعدمت المسؤولية التي تلزم الإنسان بعمل الخير، ولا يوجد ما يحمل الإنسانَ على الالتزام بفعل الخير - يضيع الخير؛ فكل شخص يفعل ما يحلو له.
من طبيعة النفس البشرية التصرف - في كثير من الأحيان - وفق الخوف والطمع:
من طبيعة النفس البشرية: التصرف - في كثير من الأحيان - وفق الخوف والطمع، وهذا ليس عيبًا فيها، بل هو من طبيعتها، ومما جُبلت عليه؛ كما جُبلت على حب البقاء والجمال والتكاثر.
وكثيرًا ما تفعل النفس البشرية الخير لأجل جلب مصلحة، أو لدفع مفسدة، أو للاثنين معًا، وقلما تفعل لأجل الخير ذاته.
وتجد الواحد من الناس يفعل أمرًا طمعًا في شيء معين، ولا يفعل أمرًا آخرَ خوفًا من شيء معين، وعلى سبيل المثال: يعمل الإنسان؛ طلبًا للمال، ويزيد في عملِه، ويجِدُّ في عمله؛ طمعًا في الحوافز والترقيات، ولا يتأخر عن عمله؛ خوفًا من الجزاءات والعقوبات، والطالب يذاكر؛ طمعًا في النجاح، وخوفًا من الرسوب، والسائق يلتزم بإشارات المرور؛ خوفًا من الغرامة، وحِفاظًا على السلامة.
والملحد نفسه يتصرف في حياته اليومية وفق الخوف والطمع؛ فهو يذاكر أملًا في النجاح، وخوفًا من الرسوب، ويعمل طلبًا للمال، وأملًا في حُسن المعيشة، وهل وجدنا ملحدًا يعمل ولا يريد أجرًا على عمله؟!، وهل وجدنا ملحدًا يتفوق في الامتحان ولا يريد شهادة تقدير على تفوقه؟!، ولو قال الملحد: أنا لا أسرق؛ لأني لا أحب أن يسرقني أحد، فهو يريد أن يعامل بالمثل، ومن ثم يريد مقابل معاملته معاملة مثلها، وبالتالي فهو لا يسرق لأن السرقة شر، لكن لا يسرق؛ لأنه يريد ألا يسرقه أحد.
أسلوب الترغيب والترهيب يتفق مع طبيعة النفس البشرية:
أسلوب الترغيب والترهيب يتفق مع طبيعة النفس البشرية؛ فالنفس البشرية تحبُّ ما فيه نفعها ومصلحتها، وتُقبِل عليه، وتكرَهُ ما يضرها ويؤذيها، وتنفِرُ منه، والترغيب في الخير يحث الناس ويدفعهم إلى فعله، والترهيب من الشر يحث الناس على تركه، ويدفعهم إلى اجتنابه.
استعمال أسلوب الترغيب والترهيب في الحياة اليومية:
يُعد أسلوب الترغيب والترهيب من أكثر الأساليب المستخدمة في حياتنا اليومية، ولِمَ لا وهذا الأسلوب يوافق الفطرة وطبيعة النفس البشرية؟!
ومن أمثلة استعمال أسلوب الترغيب والترهيب في الحياة اليومية: المدرِّس في المدرسة يحض الطلبة على المذاكرة بالترغيب والترهيب، والأستاذ في الجامعة يحض الطلبة على المذاكرة والبحث بالترغيب والترهيب، والأبُ والأمُّ في المنزل يحضان ابنهما على عمل شيء معين بالترغيب والترهيب، والبائعون يروجون سلعتهم بالترغيب والترهيب، ومدير العمل يحفز موظفيه على الالتزام بالعمل بالترغيب والترهيب.
وما زال الدعاة والمصلحون والقادة والإعلاميون يستعملون أسلوب الترغيب والترهيب في حمل الناس على فعل الخير، والتحلِّي بالفضائل، وحمل الناس على ترك الشر، وترك اقتراف الرذائل.
أهمية أسلوب الترغيب والترهيب:
يكتسب أسلوب الترغيب والترهيب أهمية بالغة؛ لشدة أثره وتأثيره على الناس في حملهم على فعل الخير وترك الشر؛ ولذلك كثُر في القرآن الترغيبُ بالجنة، والترهيب من النار، وإذا خلا القلب من ملاحظة الجنة والنار، ورجاء هذه، والهرب من هذه - فَتَرَتْ عزائمُه، وضعفت همته، ووهَى باعثه، وكلما كان أشد طلبًا للجنة، وعملًا لها - كان الباعث له أقوى، والهمة أشد، والسعي أتم، وهذا أمر معلوم بالذوق
وربط عمل الخير بالجزاء والمكافأة: أمر ضروري؛ لأنه يزيد قيمة عمل الخير، كما تزيد قيمةَ الشجرة ثمرتُها، والجزاءات المترتبة على عمل الخير وترك الشر تُعَدُّ من أقوى الحوافز والدوافع القوية إلى الالتزام الدائم بعمل الخير وترك الشر؛ ذلك أنه بقدر ما يعرف الإنسان قيمة الشيء يلتزم به، وبقدر ما يعرف العواقب الوخيمة لعمل الشر يجتنبه، وعمل الخير من غير جزاء ومكافأة عمل جافٌّ لا طعم فيه، أو قليل الفائدة، وناقص القيمة.
وأي نظام لا يطبق فيه مبدأ الثواب والعقاب والترغيب والترهيب، هو نظام قصير الأجل، لا يصمد إلا فترة وجيزة من الزمن.
ودون الترغيب والترهيب لا يشجع الناس على فعل الخير وترك الشر، ومن ثم يقلُّ الخير، ويزداد الشر والخبث.
دوافع عمل الخير عند المسلم:
يخطئ من يتوهم أن المسلم يفعل الخير طلبًا للجنة، وخوفًا من النار فقط؛ فدوافع عمل الخير أكثر من ذلك، وإن كان الله - سبحانه وتعالى - يحب من عباده أن يسألوه جنته، ويستعيذوا به من ناره، فإنه يحب أن يُسأَل، ومن لم يسأله يغضب عليه، وأعظم ما سئل: الجنةُ، وأعظم ما استعيذ به: من النار؛ فالعمل لطلب الجنة محبوبٌ للرب، مَرْضيٌّ له، وطلبها عبودية للرب، والقيام بعبوديته كلها أولى من تعطيل بعضها
ومن دوافع عمل الخير عند المسلم:
عمل الخير طاعة لله؛ فالله قد أمرنا بكل خير، ونهانا عن كل شر، وبالتالي فِعلنا للخير يكون امتثالًا لأمر الله.
وعمل الخير حبًّا لله، وابتغاءَ وجه الله، والمسلم يحب الله، والذي يحب أحدًا يُطيعه، ويفعل ما يحب حبيبه.
وعمل الخير من أجل رضا الله؛ فالله يرضى عمن يطيعه، ويفعل الخيرات، ويجتنب المنكَرات.
وعمل الخير شكرًا لله على نعمه التي لا تُعَدُّ ولا تحصى؛ فمِن شُكر النعم: استعمال نِعم الله في مرضاة الله، التي منها عمل الخير.
وعمل الخير من أجل حب الله لنا؛ فالله يحب المُطيعين له.
وعمل الخير اتقاءً لغضب الله.
وعمل الخير طمعًا في زيادة الحسنات، وتكفيرًا للسيئات؛ فالحسناتُ يُذهِبن السيئات.
وتنوُّع المقاصد باب واسع، والعبد قد يقصد هذا مرة، وهذا مرة، وقد يقصد أكثر من واحد من هذه المقاصد، وكلها تنتهي إلى غاية واحدة، وتعني في النهاية شيئًا واحدًا: أن العبد يريد الله سبحانه، ولا يريد سواه، وكل ذلك محقِّق للإخلاص، وأصحاب هذه المقاصد على الصراط المستقيم، وعلى الهدى والصواب، وإن كان العبد لا ينبغي أن يُخلِيَ قصده من الحب والخوف؛ فإن قوام العبادة بهما، ومدارها عليهما
ومن هنا يتبين خطأ الملاحدة في دعواهم: أن محرِّك فعل الخير عند المسلمين هو الطمع في الجنة والخوف من النار فقط، والواحد من الناس قد يطيع أباه حبًّا لأبيه، وخوفًا من عقابه، وطمعًا في إحسانه، ومن أجل إرضائه، ومن أجل ألا يغضبه؛ فهناك أكثر من دافع، وأكثر من مُحرِّك على الطاعة، وكذلك المسلم مع ربه؛ مع الفارق بين الربِّ والأبِ.
ولتعدُّد دوافع عمل الخير عند المسلم أثرٌ كبير في زيادة عمل الخير في البلاد التي تلتزم بتعاليم الإسلام؛ حيث يعُمُّ الخير والسعادة والرخاء هذه البلاد، وصدق الله القائل: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، والقائل: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124]، والقائل:﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
تصحيح فهم خاطئ للملاحدة عن الجنة:
يتوهم الملاحدة - هداهم الله - أن الجنة لا يدخل في مسماها إلا الأكل، والشرب، واللباس، والنكاح، ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات، وهذا فهم خاطئ ينمُّ عن ضعف الأرضية الثقافية الدينية عند الملاحدة؛ فالجنة اسم جامع لكل نعيم، وأعلاه: النظر إلى وجه الله؛
ومن أعظم نعيم الجنة: وقرة العين بالقرب الله منه وبرضوانه، فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور إلى هذه اللذة أبدًا؛ فأيسرُ يسير من رضوانه أكبرُ من الجنان وما فيها من ذلك؛ كما قال تعالى: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [التوبة: 72]، وأتى به مُنكَّرًا في سياق الإثبات؛ أي: أيُّ شيء كان من رضاه عن عبده، فهو أكبر من الجنة"[5].
وكلامهم كلام بلا دليل، فضلًا عن مخالفته للواقع؛ فالذي يفعل الخير من أجل هدف وغاية - كالطمع في شيء، أو الخوف من شيء - أثبتُ على فعل الخير ممن ليس عنده هدف وغاية، ومن يفعل الخير من أجل هدف وغاية أحرصُ على فعله ممن ليس عنده هدف وغاية، ومن يفعل الخير من أجل هدف وغاية أكثرُ سعادةً بفعل الخير ممن ليس عنده هدف وغاية، ومن ينجح في الامتحان بعد جِدٍّ وكفاح وطموح في التفوق والنجاح، يمدحه الناس، ويُثنون عليه أكثر ممن نجح بلا هدف وطموح.
وقولهم: "نحن - الملحدين - لسنا بحاجة لرقيب، ولسنا أطفالًا بحاجة ل كلام بلا دليل- big brother "، وفيه نبرة الكبرياء والغرور بالنفس، مما ينمُّ عن نفسية غير سوية، وإذا كان العلماء والناجحون والمبدعون يحتاجون إلى من يشُدُّ أَزْرَهم ويحمسهم، وإذا كان قادة الجيوش يحتاجون إلى من يشُدُّ أَزْرَهم ويحمِّسهم، فكيف بهؤلاء الشِّرذمة القليلين؟! وهل يوجد إنسان لا يحتاج إلى تشجيع؟!
وأي إنسان ليس ملاكًا، وليس معصومًا من الخطأ؛ ولذلك فهو بحاجة إلى رقيب عليه، وأمور الناس على هذا، سواء مؤسسات حكومية أو غير حكومية، لكن الملاحدة يجهلون الواقع.
ويقول بعض الملاحدة:
"إن ما يحرك الإنسان على الخير، وأداء الأمانة، والالتزام الأخلاقي، وأداء واجباته بضمير، والرحمة بالمتألمين، والمبادرة إلى نجدتهم - هو فعل الخير لذات الخير، وليس رجاء الثواب من إله أو إنسان".
وهذا كلام بلا دليل، ومخالف للواقع، والملحد نفسه يخالفه؛ فهو يعمل طلبًا للمال والأجر، وهل وجدنا ملحدًا يعمل ولا يريد أجرًا على عمله؟!
ويقول أحد الملاحدة: "فعل الخير يجب أن يُطبَّق، بصرف النظر عما يترتب عليه من جزاء أو مكافأة"، وهذا الكلام إن صلح لفئة من الناس، فلا يصلح للفئات الأخرى، وكيف تُقبِل النفس على عمل ليس فيه جلب مصلحة لها، أو دفعُ مضرة عنها؟! ومن طبيعة النفس البشرية: محبةُ ما فيه نفعها ومصلحتها، والإقبال عليه، وكُره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها، والنفور منه[6]، وعمل الخير من غير جزاء ومكافأة عمل جافٌّ لا طعم فيه، أو قليل الفائدة، وناقص القيمة.
ويقول أحد الملاحدة: "الافتراض بأن الخوف والطمع يدفعان الإنسان لعمل الخير أو اجتناب الشر، يصور الإنسان كأنه شريرٌ بالفطرة؛ لذلك لا بد من ترويضه بالقوة كالحيوان المتوحش".
وهذا الكلام فيه تشويه للحقائق؛ إذ من طبيعة النفس البشرية محبةُ ما فيه نفعها ومصلحتها، والإقبال عليه، وكُره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها، والنفور منه، ويُعَد الثواب والعقاب هو الأسلوب الذي يتفق مع الفطرة الإنسانية، والذي ثبت صلاحيته في كل زمان ومكان[7].
والإنسان - بطبيعته - يتصرف في كثير من الأحيان وفق الخوف والطمع؛ فهو يفعل أمرًا طمعًا في شيء معين، ولا يفعل أمرًا آخرَ خوفًا من شيء معين، وعلى سبيل المثال: يعمل الإنسان؛ طلبًا للمال، ويزيد في عمله ويجِدُّ؛ طمعًا في الحوافز والترقيات، ولا يتأخَّر عن عمله؛ خوفًا من الجزاءات، فهل هذا السلوك سلوكٌ مذموم؟، والطالب يذاكر؛ طمعًا في النجاح، وخوفًا من الرسوب، فهل هذا السلوك سلوك مذموم؟، والسائق يلتزم بإشارات المرور؛ خوفًا من الغرامة، فهل هذا السلوك سلوك مذموم؟
ويقول أحد الملاحدة:
"الحض على فعل الخير عن طريق ذكر الأجر والثواب: عبارة عن رِشوة للناس كي يفعلوا الخير".
وهذا الكلام فيه تشويه للحقائق؛ فالمؤمن يعبد الله ويعمل الخير؛ طاعة لله المتفضل عليه بالنِّعَم، وخوفًا من العذاب، وطمعًا في الثواب، فأين هذا الحالُ مِن حال المرتشي والراشي الذي يفعل فعلًا مَشينًا؟! والناس تحب وتمدح من يعبد الله خوفًا من العذاب، وطمعًا في الثواب، لكنها تذم المرتشي والراشي، فأين هذا من هذا؟
والرِّشوة كل مال دُفع لذي جاه؛ عونًا على ما لا يحل، أما فِعل الخير خوفًا من العذاب، وطمعًا في الثواب، فهو فِعل ما يُستحسن أن يفعل - أي: فعل الخير، ويُستقبَحُ ألا يفعل - أي: ترك فعل الخير، فأين هذا من هذا؟ والرِّشوة يترتب عليها ضياع الحقوق، وفساد المجتمعات، وعمل الخير طاعةً لله، وخوفًا من العذاب، وطمعًا في الثواب - يترتب عليه سعادةُ الفرد والمجتمع، وصلاح الفرد والمجتمع، فأين هذا من هذا؟