عشرون صفعة ..... بقلم عامر غزير
رنّ الهاتف صباحًا على غير العادة، بسط يده باحثا عن هاتفه وعيناه مغمضتان، يحدّث نفسه ربما المنبّه؛ دعنا منه.
يرّن ثانية وثالثةً؛ .... يستغفر الله.... يمسح القذى يفتح مقلته اليُمنى ليتأكد من صحة الرنين.
ما هذا الاسم الغامض في سجّل الأرقام؟ modir من حفظ هذا الاسم عندي؟ يرمي الهاتف جانبا وينبسط على ظهره، صوتٌ آخر يحّل بهاتفه. تناوله بسرعة ..... أووه رسالة .... " أرْفد التيليفون أنا المُدير فلان بن فلان"
طار صاحبنا دهشة وفرحا مع خشية لِلَومة لائم . أدرك أنه عائد لمكانه الطبيعي. بين جدران المعارف مع صغاره الذين تركهم قبل عام تقريبا. يحدث نفسه بشوق؛ آه هذا عَوْدٌ إلى الفكر والرُقّي والإبداع...
غسل وجهه ونظّف أسنانه وسارع إلى خزانته الخشبية فاحتا إيّاها على مصراعَيها مُمّررا مقلته اليُسرى التي لم يُعملها من قبل.. تفحّص كل ملابسه . آه السروال وكذاك قميصي الأبيض المفضل... يدور يمنة ويسرة؛ أين الساعة والعطر.... يا رجل ابحث عن الحذاء رُبّما ارتداه الشّيخ أو الطّفَلْ الكبير .... هكذا يحدث نفسه المترامية الأطراف.
يا للهول أين قميصي الداخلي فهو ضروري؟ يفتش عنه آهٍ هذا A n p أخضر اللون يرميه جانبا إنه يذكّرني بالجبل والجبن ولحم البقر المعلّب. يشدّ بطنه؛ هل أنا بخير ؟ الحمد لله .
تزّين كما يتزّين أقرانه في المدائن، وضع ساعته السويسريّة ورش جسده بالعطر المفضل لديه. ومسح حذاءه التركي وألقى نظرة سريعة على أمه الحنون التي استغربت النشاط الزائد منه؛ ودّعها وسار في طريقه.
في طريقه مرّ على عمّي عبد القادر فاشترى الحلوى لصغاره كالعادة والفرحة لا تفارقه مُحيّاه. دفع الضعف لعمي عبد القادر وقال له " الصرف اِتقهوى بيه"
وصل حبيبنا وصديقنا إلى المقرّ رافعا رأسه مُبرزا صدره فهذا ليس بجديد عليه. سلّم على الحاجب عمّي مختار وأوضح له أن صاحب الرسالة هو من طلبه.
في طريقه بين الحجابة ومكتب المدير كانت عيناه المغمضتان آنفا قد انفتحتا لخّصت كل شيء رأته. أزالت الخضرة العاتمة التي لازمتها شهُورا .
دق دق دق ... من؟ ادخل .... السلام عليكم ؟ وعليك السلام أهلا بك اجلس .
أين الطبّاخ؟ هل عمل المناوب؟ استدعي والده فورا... أوووه اسمح لي لقد رأيت؛ أشغال كثيرة أرهقتنا.
رد صاحبنا؛ لا عليك ربي معاكم (لا زال لسانه ليّنا)
هل تُريد العمل؟
لم أفهم؟ سؤال أم استفسار؟
أقصد يا ولدي أني اتصلت بك لتبدأ العمل من اليوم.
بالطبع أنا مستعد
جيّد ستبدأ على الساعة العاشرة
ينصرف حبيبنا فرحاً مبتهجا .... انتظر انتظر ... ماذا هناك يا شيخ؟ بالمناسبة مُدة عملك عشرون يومًا فقط . سَتُعوض الآنسة "شُوشُو" ذات الواحد والعشرين ربيعا فهي منشغلة بالامتحانات الجامعيّة. المهم زيّر روحك . لولاد واعرين ولازم تحافظ على أمانة زميلتك....
نظر إليه صاحب الثلاثين شتاءً بنظرة ثاقبة. أبحر في ذكريات التاي والبّلوط وڨرورة النار في ذلك الجبل اللّعين. تذكّر الليالي البيضاء التي قضاها لمّا كان طالبا في الجامعة، تذّكر قائمة البكالوريا اللعينة، تذكر الشاحنة الزرقاء وسائقها عمي عمّار. كل شيء حلو ومُرّ مرّ على مُخيّلته ؛ طأطأ رأسه حشمة لا ذُلاّ قال بصوت خافت السمّ عليكم حتى لا أقول شيئا أكبر.
عشرون صفعة في متاهات الحياة في بلد المقروط. عشرون صفعة لشباب هرم . صفعة تلو الأخرى في انتظار بزوغ فجر جديد.
من هؤلاء العباقرة الذين جلبونا من المنازل ودفء الحنابل لنُعوّضهم ونحمل أماناته؟!. أي أمانة تركوها؟
ويل لهذه المنظومة الهشّة التي ساوت بين ليلة وضحاها بين ( س ع ) و (a b)، الويل لهذه القوانين الخبيثة المُستوردة بأبخس الأثمان، قوانين تضع " قدّور والعياشي ومبارك" في كفّة " شوشو ومومو وماني .... خلاص يا جماعة (يحدث نفسه) لا أريد الكلام كثيرا فَمي صار #خامجا.
عاد يرّن إلى موضعه الذي أرغمه عليه من لا ناقة لهم ولا جمل في الدنيا وفن العيش فيها.
تذكّر الصرف الذي تركه لعمي عبد القادر. حدث نفسه باسترحاعه لقهوة المساء. تردد. بْحَرْ عليه بصحته