1. بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم

    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته


    الموت زائر غير مرغوب فيه ، لكنه واقع لا محالة ، ولا مفر منه آجلا أو على عجالة ، يقول تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[1] وهذه سنة الله في الخلق {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}[2] وعلى الرغم من أن الموت مصيبة ، فإن موت الفجأة مصيبة أكبر ، حين يأتي الموت بدون إمهال ولا إخطار ولا أعراض ، وإنما هجوما تنسل معه الأرواح ، فإن المصيبة تكون شديدة ، ويصبح الفراق أشد مرارة .
    موت الفجأة ، من أقدار الله التي قدرها على العباد ، وهو من علامات الساعة


    وفي هذا الزمان كثر موت الفجأة حتى لم يعد مستغربا ، فهاهي الحروب تحصد الأرواح بالآلاف ، ووسائلُ النقل الحديثةِ من سيارات وقطارات وطائرات وسفن تقتل المئاتِ في طرفةِ عين ، والسيول الجارفة تقتلع ما أمامها من منازل وأحجار وتتسبب في فساد كبير وموتٍ عظيم ، والنيران تشتعل فجأة فتقضي على أسرٍ بأكملها ، بعد أن نامت آمنة مطمئنة ، فلم يفق أحد منهم من نومته إلا في القبور .

    الأقدار يقدرها الباري سبحانه ، والمؤمن يحمد الله على أقداره كلها ، فلا يتبرم منها ولا يتسخط ، لكنه يأخذ منها العبرة والعظة ، ففي كثرة موت الفجأة عبرة
    {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[] والسعيد من وُعظ بغيره ، والمؤمن يعلم أن الموت هادم اللذات ومفرق الجماعات ، وتَذَكُّرُه باستمرار يحد من الانغماس في الشهوات .
    من العبر التي تؤخذ من مثل هذه المواقف ، المسارعة للتوبة إلى الله جل وعلا ، وعدم التسويف في ذلك ، فإن كانت المعصية بين العبد وربه ، سارع إلى ربه وأناب وتاب ، والله سبحانه غفور رحيم ، يغفر لعبده إذا صدق في توبته ، ويبدل سيئاته حسنات ، فضلا منه ومِنَّة ، يقول الله تعالى
    {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[4] ويقول تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[5]

    أما إذا كانت الذنوب بينه وبين خلق الله فليسارع إلى أدائها ، أو التحللِ من أصحابها قبل مباغتة الأجل ، وعندها ينقطع العمل ، فيتعذر التحلل من ظلمه ، ليقف الجميع بين يدي الله ، وعندها يكون القصاص بالحسنات والسيئات ، مع حاجة الإنسان في ذلك الموقف الرهيب لكل حسنة ،

    من العبر في هذه الحوادث ، أن الموت يهجم ولا يستأذن ، ولا تخيفه الحراسات ، ولا يسلم منه صغير ولا كبير ، ولا غني ولا فقير ، فكم من صحيح سليم معافى نام ولم يستيقظ ، وكم من ملازم للسرير الأبيض امتد به العمر سنوات وسنوات ، فالواجب على المسلم أن يستعد للرحيل ، ويصلح العمل للرب الجليل ، حتى تأتيه منيته وهو على تقوى وهدى .

    من العبر في هذه الحوادث ، الأخذ بالأسباب ثم التوكل على مسببها عز وجل ، وهذا باب يتساهل فيه البعض فيورد نفسه المهالك
    من العبر التي تؤخذ من فُجَاءةِ الموت ، أن يكتب الإنسان وصيتَه ، ويسارع لذلك بأن يوضح ماله وما عليه ، حتى تُعرف هذه الحقوق فتُحفظ ، وتبرأ ذمته ، الموت حق وقلَّ من يستعد له ، وفجأته واقع وعزَّ من يتجهز لذلك ، والعاقل من هو من تأهب للرحيل ، فأقام في الدنيا إقامة الغريب


    نسأل الله أن يرحم موتانا ، وينور قبورهم ، ويدخلهم فسيح جناته ، إنه سميع مجيب .
    .