TODAY - July 23, 2010
وصية الرصافي
هاشم العقابي
لا أظن أن شاعرا ومفكرا عراقيا قد حوصر بالفقر والعوز مثل الشاعر معروف الرصافي. كذلك حوصر الرجل بتهمة الالحاد في حياته عن كتابه “رسائل التعليقات” لحد ان عزم بعض المتشددين على قتله، فصار طريد الفقر والخوف معا.
وحين كتب وصيته لم تفارقه مرارة الألم الذي لف به من كل جانب فبدأها، وهو الذي لم يكن له أحد يوصيه بقوله:
“ أراهم يهيجون علي العوام باسم الدين وما أظنهم يتركونني حتى يعدموني الحياة ... وليس لي من الأقارب من أعهد إليه بوصيتي سوى معارفي من الأصدقاء الأحرار”.
وصية الرصافي، التي لا يسع المجال لذكرها كلها هنا، تعد وثيقة إنسانية تصدر من رجل قتله الهم والفاقة وهو على مشارف الموت. شاعر مهموم ينسى حاله زاهدا بما يحدث له بعد موته كما زهد بما كان حوله في أيام حياته، فلم تفارقه انسانيته وهو المحتضر على فراش الموت ، فلا يوصي بغير خادمه الوفي الذي سماه بتعفف ولطف “معاونه”، وكأنه يقول، أوصيكم بهذا:
“بما أن عبد الله بن صالح الذي هو معاوني على العيش في مسكني كنت أنا السبب في زواجه، وقد ولد له بنات صغار وليس له من أسباب المعيشة والكسب ما يجعله قادرا على إعاشتهن، أرجو من أصحاب الخير في الدنيا، ومن أصدقائي الكرام ان يسعوا في إيجاد شغل له يكسب به ما يقوم بإعاشتهن ... كل ما عندي من الكتب المخطوطة التي كتبتها تباع لمن يرغب في شرائها على ان يكون له حق الطبع والنشر، ولا يكون لي فيها سوى الاسم، ويدفع المال الحاصل من بيعها الى بنات عبد”.
ثم يحدد ملكيته “الضخمة” كما يفترض ان تكون عليه، باعتباره نائبا سابقا في مجلس النواب:
“لا أملك سوى فراشي الذي أنام فيه، وثيابي التي ألبسها، وكل ما عدا ذلك من الاثاث الحقير الذي في مسكني ليس لي، بل هو مال اهله الذين يساكنونني”.
أتمنى على نوابنا الكرام ان يقرأوا وصية زميل لهم كان نائبا مثلهم وليحكموا ان كان فيهم من سيترك ما تركه الرصافي لنا؟