من بين كل الأنشطة البشرية التي يبرع بها الإنسان، تظل العمارة هي الدليل الأبرز على وجود جنس عاقل متطور يعيش على سطح هذا الكوكب. أعني، لو كنت كائنًا فضائيًا وطالعت المشهد من أعالي الجو، فما الأبرز بين الأشجار والبحيرات وجبال الصخر سوى المباني والمجمعات السكنية والملاعب الضخمة المغطاة والمكشوفة؟
صحيح أنها بالمقارنة بالموجودات الطبيعية كالأشجار وجبال الجليد تبدو صنائع الإنسان قبيحة ودخيلة على المشهد؛ إلا أنها بصمته المميزة. ومنذ أن بدأ رحلته في البناء والمعمار بداية بتزيين كهفه البدائي، ثم نحت بيوت له في الجبال، فتكوين العشش وبيوت الطين، وبناء منازل من الخشب، إلى ابتكار الآجر المحروق والخرسانة واستخدام الحديد الصلب في ناطحات السحاب؛ كان الإنسان ولا يزل يضع الطبيعة دومًا صوب نظره محاولًا تقليدها أو استلهام خطوطها في كل ما يصنعه.
ومنذ أن ارتفعت أول ناطحة سحاب حديثة كما نعرفها في عام 1913، وهي برج وول وورث Woolworth، بمنهاتن بمدينة نيويورك بطول 241 مترًا؛ توالى إنشاء ناطحات السحاب الأطول والأضخم ابتداءً بناطحة إمباير ستيت التي عدت عجيبة عصرها وانتهاءً ببرج دبي الأطول على الإطلاق حتى كتابة هذه السطور. لكنها جميعًا ظلت تتخذ النموذج التقليدي في البناء الذي يتبنى الشكل المستطيل حاد الزوايا للبناء كما نعرفه، وذلك لاعتبارات هندسية وتقنية حالت دون تغيير نمط الحوائط المنبسطة الشاهقة. حتى أصبح المشهد كتكتلات مستطيلة كالعلب المتلاصقة أو المتباعدة بلا تمييز حقيقي أو جماليات… فقط الإبهار هو ما يفرض نفسه هنا.
إلى أن أتي المهندس المعماري العبقري سانتياجو كالاترافا Santiago Calatrava وصمم المبنى الشهير المعروف باسم الجذع الملتوي Turning Torso الذي تم افتتاحه في عام 2005، ليبشر ببداية عصر جديد من المعمار المجدول أو الملتوي Twisted Architecture.
تبدو المباني الشاهقة التي تبنت فلسفة المعمار المجدول مبكرًا وكأنما هناك يدًا عملاقة أمسكت بناطحة سحاب عادية واعتصرتها من الطرفين بدرجة أو بأخرى! كان هذا قبل أن يتطور الأمر ليشمل أنماطًا أكثر تعقيدًا وجمالًا من الالتواءات والتجديل وبطريقة ستطيح بعقلك تمامًا! فعلى الرغم من أن بناء ناطحات السحاب عملية دقيقة لها الكثير من الحسابات والاعتبارات، إلا أن التصميم المجدول كما سنشاهد تاليًا، يفرض أبعادًا جديدة من مستوى آخر تمامًا من التحدي. لكن فلنعتبرها خطوة أخرى للإنسان في استلهام الطبيعة وتقليد انحناءاتها وجمالها الذي لا يعرف الزوابا الحادة ولا القبح.
ستلاحظون كذلك أن المعمار المجدُول يلاقي استحسانًا وانتشارًا أكبر في منطقة الشرق الأوسط وآسيا عن بقية بقاع الأرض، ولدولنا العربية نصيب لا بأس به على الإطلاق من نماذج هذا الأسلوب في عصرنا الحالي.
فلنقض معًا وقتًا ممتعًا في تأمل أطول وأحدث 10 ناطحات سحاب مجدولة حول العالم…
الجذع الملتوي Turning Torso – مالامو، السويد
المعماري: سانتياجو كالاترافا Santiago Calatrava
الارتفاع: 623 قدم
سنة الانتهاء: 2005مجمعات جروف السكنية الفاخرة Grove بجراند باي – ميامي، الولايات المتحدة الأمريكية
المعماري: مجموعة Bjarke Ingels
الارتفاع: 320 قدم
سنة الانتهاء: 2016
برج F&F – مدينة بنما، بنما
المعماري: Pinzon Lozano and Associates
الارتفاع: 763 قدم
سنة الانتهاء: 2011
أبراج Mode Gakuen المجدولة – ناجويا، اليابان
المعماري: نيكين سيكّي Nikken Sekkei
الارتفاع: 558 قدم
سنة الانتهاء: 2008
برج المتحدة الملتوي United Tower – المنامة، البحرين
المعماري: مجموعة عارف صادق الاستشارية للتصميم
الارتفاع: 656 قدم
سنة الانتهاء: 2016
برج كيان Cayan Tower – دبي، الإمارات العربية المتحدة
المعماري: SOM
الارتفاع: 1005 قدم
سنة الانتهاء 2013
برج التجارية Al Tijaria Tower – مدينة الكويت، الكويت
المعماري: NORR
الارتفاع: 716 قدم
سنة الانتهاء: 2009
برج التطور Evolution Tower – موسكو، روسيا
المعماري: Gorproject, RMJM
الارتفاع: 807 قدم
سنة الانتهاء: 2015
برج آفاز Avaz Tower – ساراييفو، البوسنة والهرسك
المعماري: Faruk Kapidžić
الارتفاع: 466 قدم
سنة الانتهاء: 2008
برج المجدول – الرياض، المملكة العربية السعودية
المعماري: Consolidated Consultants Group, Zeidler Partnership Architects
الارتفاع: 761 قدم
سنة الانتهاء: 2016
أبراج Tao Zhu Yin Yuan السكنية – تايبي، تايوان
المعماري: Vincent Callebaut Architecture
الارتفاع: 306 قدم
سنة الانتهاء: 2016
برج شنغهاي Shanghai Tower – شنغهاي، الصين
المعماري: Gensler
الارتفاع: 2073 قدم
سنة الانتهاء: 2015