تخيلوا معي لو لم تمتلكوا إلا قميص واحد لملبسكم طيلة العام وعلى مدار الفصول المختلفة!
ليس للأمر علاقة بفقر أو بخل، وإنما لأن هذا القميص يغنيكم بالفعل عن عشرات القطع الأخرى المتنوعة باختلاف كل موسم وكل فصل! فعندما يحل الشتاء ويبرد الجو، ينكمش هذا نسيج ذلك القميص ليصبح أثخن وأسمك ومن ثم يمنحك الدفء؛ وعندما يصبح الجو حارًا في الصيف، يتمدد النسيج وتتفتح مسامه لتسمح للنسيم البارد بالدخول للتهوية وتبريد جسمك!
أجل، هذا صحيح؛ فبينما نحن مشغولون بمتابعة مباريات كرة القدم في الدوريات المفضلة، أو بتحليل أفعال وقرارات الرئيس الأمريكي ذي الشعر الغريب، فهناك من يقوم بصنع مواد بناء وتصنيع ذاتية البرمجة Programmable Materials.
المادة الخارقة المبتكرة تدعى “active auxetic” أو “المتنامية النشطة”، وذلك لأنها يمكن أن تتمدد وتنكمش في أي اتجاه حسب الحاجة، وهي من تطوير معمل التجميع الذاتي Self-Assembly بمعهد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT. ونحن نتحدث هنا عن قدرة ذاتية للنسيج نفسه دون الحاجة لمحركات دقيقة أو تدخل بشري أيًا كان! فهو يتفاعل ويستجيب للوسط المحيط والمثيرات الخارجية كدرجة الحرارة أو الرطوبة، ومن ثم يتصرف حسب الطريقة التي تمت برمجته بها في الأصل.
لمعمل التجميع الذاتي Self-Assembly Lab أعوامًا طويلة مضت في دراسة وتطوير هذا النوع من المواد القابلة للبرمجة، وله عدد من المنتجات والتطبيقات التي كسرت الحاجز بين العلم والتصميم والفنون لطبيعة المواد الفريدة التي يقدمها. فهناك على سبيل المثال ذلك النسيح “رباعي الأبعاد” الذي يتشكل حسب الزمن والنشاط وتم استخدامه لتصمنيع حذاء فريد يتغير حسب ما يود مرتديه استخدامه به، كأن يمارس رياضة كرة القدم مثلًا أو لمجرد السير العادي!
وهناك كذلك، تلك المنحوتات الفنية التي تنهج سلوكيات جزيئات الفيروسات لتتشكل وتعيد بناء وتجميع نفسها بشكل ذاتي حسب الجو والوسط! أي أن لديك تمثالًا أو منحوتة يتبدل شكلها بشكل عشوائي حسب درجة حرارة منزلك أو مدى نظافته! بالإضافة إلى قطع أثاث تقوم بتجميع نفسها بلا عناء منك على الإطلاق بعدما انتقلت من منزل لآخر مثلًا.
وعلى الرغم من أن هذه المنتجات تبدو مستقبلية إلى حد بعيد ولا تحمل أو تتقيد بمعايير الذوق الحالية المستساغة، إلا أنها تشكل الخطوة الأولى الأهم والأصعب في طريق تطورها لتدخل في تصنيع الكثير من مفدرات حياتنا اليومية، كالملابس، والأثاث، والأجهزة المحمولة القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية، وكذلك المنتجات الجلدية بداية من الأحذية إلى إطارات السيارات والتدخلات الجراحية.
فقط، فلننتظر ونرى كيف يصنع هؤلاء المستقبل وحدهم!
المصدر: MIT Self-Assembly lab