عيد الأضحى في الدول الإسلامية: عادات وطقوس تتشابه وأخرى تتمايز!
يحتفل المسلمون في كلّ أصقاع الأرض بعيد الأضحى المبارك، فتتسمّ أيامه بالصلوات وذكر الله وفعل الخير والتقوى والمحبة. هذا العيد الدينيّ هو أيضاً مناسبة إجتماعية وثقافية بحيث تلتمّ العائلات وتجتمع في أجواء فرحة يتخللها طقوس وتقاليد وموروثات، بعضها يتشابه بين بلد وآخر، وبعضها يتمايز.
ولعلكم ترغبون هذا العام بمشاركة أهلكم من المسلمين القاطنين في دولة أخرى الأجواء الإحتفالية بهذا العيد، فتكون أيضاً فرصة سفر مميّزة وممتعة. إذاً، فلنتعرّف سوياً على بعض العادات والتقاليد الممارسة في هذا العيد المبارك في بعض الوجهات.
- البوسنة والهرسك: يُسمى مسلمو البوسنة والهرسك بـ “البوشناق”، وهم لا يزالون يتمسكون بهويتهم الإسلامية ويحافظون عليها. يتجلّى ذلك بطقوس العبادة والإحتفال بالأعياد المباركة، بما فيها عيد الأضحى حيث يعمد المسلمون إلى تزيين منازلهم وتعطيرها، ويبتاعون ملابس جديدة، وطبعاً الخروف الذي يوّزعون لحمه على الأقارب والأصدقاء والفقراء بعد ذبحه. وبسبب حكم الإمبراطورية العثمانية للبوسنة قديماً، ترّسخت تقاليد وكلمات حتى يومنا هذا، ولذلك يبارك البوسنيون بعضهم بعضاً بقدوم العيد مستخدمين عبارة تركية وهي “بيرام شريف مبارك أولسون” Bajram šerif mubark olsun والتي تعني عيدكم مبارك جميعاً. أما مائدة العيد البوسنية فتتألف من حساء البيك Begova čorba الشهير، الملفوف المحشي Sarma، الفطائر البوسنية بأنواعها Pita ، وطبعاً الكباب المشوي والسلطات. وبعد تناول الطعام يأتي دور الحلويات وأشهرها البقلاوة والتفاحية والحلاوة الطحينية.
- المغرب: لا يزال مسلمو المغرب يحافظون على تقليد ارتداء ملابس خاصة بعيد الأضحى، ما يضفي خاصيّة مميّزة على طقوس العيد. ويهتمّ كلّ أفراد الأسرة بعملية شراء أضحية العيد، فيجولون في الأسواق بحثاً عن أفضلها. في اليوم الثاني من عيد الأضحى، تعمل الأسر المغربية على تقطيع أضحية العيد للقيام بهدي ثلثها عملاً بالسنة النبوية الشريفة، أما الباقي فيتحوّل إلى ولائم. ويتبادل الناس المعايدات، وتجتمع العائلات في أجواء من الفرح والتقوى. وتشتهر المغرب بأكلة “لحم الراس مفور”، حيث تفرم رؤوس الأضاحي بعد إحراقها وتخليصها من الفرو الذي يكسوها وتوضع في آنية الطبخ البخاري ــ الكسكاس ــ مخلوطة بالتوابل والمنسمات.
- تونس: عملية اختيار خروف العيد في تونس أيضاً دقيقة، إذ يجب أن يُعجب الصغار كما الكبار. ويبرع التونسيون في تزيينه عبر وضع الحنّة على جبينه وتعليق الخيوط الملّونة بصوفه، ويخرج الأطفال كل صباح بخروفهم متباهين بقرونه وزينتهم. قد تشهد بعض الساحات الشعبية حلقات من نطاح الكباش غالباً ما تنتهى بهزيمة كبش على حساب الآخر، وسط أجواء من الحماسة والتشويق. بعد تأدية صلاة العيد، يعود الجميع إلى بيوتهم ليشهدوا طقوس الذبح باكراً. المائدة التونسية في العيد تتمايز بين ولاية وأخرى، لكنها تجتمع على مبدأ لمّ العائلة الممتدة. وتصنع السيدات بكلّ حرفية أشهر أكلات العيد، وهي “العصبان” التي تتكوّن أساساً من “الزوايد”، أي كلّ ما وجد فى جوف الخروف كالرئتين والكبد والأمعاء وبعض اللحم، التى تنظف وتقطع قطعاً صغيرة، وتضاف إليها الخضراوات كالسلق والبقدونس والثوم والبصل وغيرها من التوابل والبهارات. ويتم مزج كل هذه المكونات ليتم حشوها فى قطع مخيطة من “كرش” الخروف بعد تنظيفها جيداً. ومن المأكولات التقليدية أيضاً:” القلاية”،وهي عبارة عن قطع صغيرة من اللحم والقلب والكبد فى الصلصة، و”المصلى” المكوّن من قطع لحم الخروف والبصل والبطاطا.
- تركيا: في أول أيام العيد تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يذهبون بعد انتهاء صلاة العيد إلى المقابر لقراءة القرآن الكريم على أرواح موتاهم، داعين لهم بالرحمة والغفران، ومن ثمّ تبدأ المعايدات وتجتمع العائلات احتفالاً. ومن أشهر الأكلات التركية في هذه المناسبة “صاج كاورما” وهو عبارة عن لحم مقطع، يوضع على صحن مدهون بالسمنة وتوقد النار تحته. المائدة التركية تزخر أيضاً بالحلويات حيث تقدم في صحن وبجانبها الشوكولا والبقلاوة، ثم يأتي الشاي التركي ليضفي مزيداً من الألفة والأصالة.
- السعودية: العيد بالنسبة إلى أهل المملكة العربية السعودية هو أولاً الذهاب إلى المساجد والصلاة، وثانياً اجتماع الأسرة، وتحديداً في منزل كبيرها. وتتشابه الأطباق الشعبية في العاصمة الرياض، وهي تعتمد في المقام الأول على القمح واللحم أو القمح والتمر، وبعد ذبح الأضاحي تقوم النساء بتحضير وجبة الإفطار والتي تسمى (الحميس) المكونة من قطع من اللحم الصغير والكبد والكلاوي والقلب أو ما يسمى (معاليق) الخروف، تضاف إليها كمية كبيرة من البصل والطماطم والبهارات، ويتمّ طبخها في قدر كبير على نار هادئة. المائدة السعودية تزخر أيضاً بأطباق شهيّة مثل كبسة اللحم والقرصان والجريش والحنيني وهو عبارة عن أقراص من العجين اللين تسمى (مراصيع). وتشتهر المنطقة الشرقية بخبز التاوة والعصيدة والكليجة والممروس. أما في المنطقة الغربية، فتتصدر المائدة أكلة “الدبيازة” التي تتكون من بعض الفواكه الجافة، وهناك أيضا الزلابية الشهيرة. وفي الجنوب تتميّز الأعياد في القرى بالإفطار الجماعي في الحارة أو الحي، بحيث يحضر كل شخص طبقا منزلياً ويتشارك الجميع بهذه الفرحة. وتشتهر جازان بأطباقها الشهية وعاداتها، بما فيها وصلات من الرقص الفلكلوري الجماعي. وفي الشمال، تقوم العديد من القبائل بنصب مخيم ضخم لاستقبال المباركين يكون حافلا بالألعاب الشعبية، والجميع يتناول حلويات العيد وهي كليجة حائل والبقل والتمر.
- الصين: تشتهر الصين بلعبة “خطف الخروف” التي تعدّ من أهم مظاهر الإحتفال بأول أيام عيد الأضحى المبارك، حيث يتأهب أحدهم وهو ممتطٍ جواده ثم ينطلق بأقصى سرعة صوب هدفه المنشود، ليلتقط الخروف دون أن يسقط عن ظهر جواده، ويتوالى المتبارون على ذلك، لتنتهي اللعبة بإعلان فوز من استغرق أقل وقت في عملية اختطاف خروف العيد من على الأرض. وبعد الفوز بالخروف يجتمع ذكور الأسرة حوله، ثم يشرعون في قراءة أدعية وآيات قرآنية لمدة تصل خمس دقائق، بعدها يقوم كبير الأسرة أو إمام المسجد بذبح الخروف، ثم يتمّ تقسيمه بواقع ثلث للتصدق، وثلث للأقرباء، والثلث الأخير لإطعام الأسرة المضحية.
- الامارات: تضع النساء في الإمارات الحنة على أياديهنّ، ويلبس الأطفال ملابس جديدة استعداداً لاستقبال العيد والاحتفال به. تجتمع الأسرة بجميع أفرادها حول المائدة الغنيّة بأشهى الأطباق، وعلى رأسها اللقيمات والبلاليط . وتوضع في المجالس كميات من الفواكه والتمر والقهوة والشاي لاستقبال الضيوف والمهنئين. ويقوم البعض في يوم “المشوي”بتتبيل اللحم بالخل والبهارات التي تحتوي على الفلفل والزعفران والهيل والقرفة والتمر.
- العراق: تُنصب المراجيح ودواليب الهواء كي يتمكن الأطفال من الإحتفال بالعيد على طريقتهم الخاصة. وتحضّر النساء الكليجة (المعمول) بأنواعها كافة، وتبدأ الزيارات العائلية عقب تناول فطور الصباح بالذهاب إلى بيت الوالدين والبقاء هناك لتناول طعام الغداء، ثم معايدة الأقارب والأصدقاء.
- فلسطين المحتلة: يحرص أهل فلسطين على أداء صلاة العيد في المسجد الأقصى الشريف على الرغم إعتداءات المحتلين ومضايقاتهم. ولا يزال البعض يقوم بزيارة المقابر لتلاوة القرآن الكريم والصلاة على أرواح أمواتهم. ومن أشهر أطباق العيد: المعمول، حلي سنونك، اليحميك، سحلب كينور، البرازق والنقوع، والمدلوقة.
- الجزائر: يعايد الجزائريون بعضهم بعضاً بقول “صحة عيدكم”، وتعمّ الفرحة مختلف الشوارع والأحياء. ويتميز العيد بتقديم أصناف عديدة من الحلويات الشهية، مثل “المقروط”، والبقلاوة، والتشاراك العريان، ولا ننسى طبعاً طبق “الكسكس” الشهير، والذي يسمّى محلياً بـ”المحروم”.
- مصر: إلى جانب اللحوم التي تملأ المائدة المصرية، فثمة طبق رئيسي يتصدرّها وهو “الفتة”. “الرقاق” أيضاً هو من الأكلات المصرية الأساسية في العيد، وهو من الموروثات المصرية القديمة، وسمي بذلك الاسم نظرا لكون مواده الأساسية هي الدقيق والماء ويتم إعداده في شكل طبقات رقيقة هشة ومن هنا جاء اسم “رقاق”. لا يزال المصريون يحافظون على تقليد منح العيدية للأطفال الذين يختبرون أفضل الأوقات وأروعها.
رد مع اقتباس
