( حقن خلايا جذعية بشرية في الكيسَةُ الأُرَيمِيَّة* للخنزير والكيسة الأريمية هي مرحلة مبكرة في تكوين الجنين في الفقاريات)- شعاع ليزر ( الدائرة الخضراء التي بداخلها علامة الزائد الحمراء)
أستخدم لثقب فتحة في الغشاء الخارجي للكيسة الأريمية المأخوذة من الخنزير للسماح بدخول الأبرة بشكل سهل لحقن خلايا الأنسان الجذعية. الصورة لمعهد سالك
للمرةِ الأولى، نمى العلماء جنين بجزء خنزير وجزء بشري. وتضمنت التجربة حقن خلايا جذعية بشرية في جنين خنزير ومن ثم زرع الجنين في رحم أنثى خنزير وتركه لينمو. بعد أربعة أسابيع، تطورت الخلايا الجذعية ألى سلائف لمختلف أنواع الأنسجة من ضمنها القلب والكبد والأعصاب وجزء صغير من الخنزير النامي كان مكوناً من خلايا بشرية.
هجين الأنسان والخنزير لقب بــ(الكمير) وهو مخلوق أسطوري برأس أسد وجسم ماعز وذيل أفعى_ وحذر الباحثون بأنه كان عاجزًا جداً. ولكنه الهجين ألأكثر نجاحًا بين البشر والحيوان ويعتبر خطوة مهمة نحو تطوير أجنة حيوانية بأعضاء بشرية فعالة.
وفي دراسة نشرت قبل هذه بيوم، أثبت فريق باحثين عالمي أن أعضاء للزراعة يمكن تنميتها في جنين هجين بين الفأر والجرذ. وكتب الباحثين في مجلة الطبيعة (Nature) أنهم تمكنوا من تنمية بنكرياس فأر داخل جنين جرذ، ومن ثم نقل الأنسجة المفرزة للأنسولين من ذلك العضو ألى فأر مصاب بمرض السكري، حيث خففت من حدة المرض دون أطلاق أستجابة مناعية ضد الأنسجة المزروعة.
هذا كان الأثبات الأول على أمكانية زراعة الأعضاء بين الأنواع. ويأمل الباحثون بأن يتمكن الأطباء يوماً ما من زراعة أنسجة الأنسان مستخدمين هجائن أجنة الحيوانات الحقلية، مما يجعل الأعضاء متوفرة للبشر المرضى والذين بخلاف ذلك قد ينتظروا لسنوات لزراعة عضو.
التقنية المستخدمة هي بالفعل محل نقاش شرس حول أخلاقيات أدخال مواد بشرية في الحيوانات؛ منذ 2015، قررت مؤسسة الصحة العالمية تعليق الدعم لأبحاث معينة على الهجائن بين البشر والحيوانات ( أجريت الدراسة الجديدة في كاليفورنيا في معهد سالك دون دعم حكومي) يجادل البعض أن الخلايا الجذعية يمكن أن تتحول ألى أي نوع من أنواع الأنسجة، من ضمنها أجزاء من الجهاز العصبي، فالكمير ( الهجين بين البشر والحيوان) يثير شبح حيوان بدماغ أو أعضاء تناسلية بشرية. ويعتقد البعض أن هناك خط رمزي أو مقدس لا يجب تجاورزه بين المادة الجينية البشرية والحيوانية.
ولكن تعتقد رافديت رافسكي ( Vardit Ravitsky)، وهي بايولوجية في مدرسة جامعة مونتريال للصحة العامة، أن الدراستين اللتان نشرتا هذا الأسبوع يمكن أن تساعد في دعم المزيد من أبحاث الهجائن بين البشر والحيوانات من خلال أثباتها الفوائد الممكنة لهذا المجال.
حيث قالت ” أعتقد أن الغاية من هذه الأبحاث هي نوعاً ما أثبات مبدأ، مبينتاً أن ما يأمل الباحثون تحصيله من بحوث الهجائن بين البشر والحيوانات قد يكون ممكناً، حيث كلما تمكنا من أيضاح أن عملها لإنتاج شيء ما سينقذ الأرواح حقاً… كلما تمكنا من أثبات أن الفائدة حقيقية وملموسة ومحتملة_ وبصورة شاملة ستغير مقياس تقييم الخطورة بالنسبة للفائدة، محتملاً لصالح متابعة الأبحاث بعيداً عن المخاوف الفلسفية والمفاهيمية.”
في جهود لمعالجة النقص المتزايد في الأعضاء حول العالم – تقريباً 22 شخص يموتون يومياً وهم في أنتظار زراعة الأعضاء، حسب وزارة الصحة والخدمات الأنسانية الأمريكية- يحاول العلماء تنمية أعضاء خارج الجسم البشري. ولكن الأعضاء المطورة في الأطباق المختبرية لا تطابق تلك التي تنمى داخل الأشياء الحية.
وقال خوان كارلوس ( Juan Carlos Izpisua Belmonte)، وهو عالم أحياء أنمائي في معهد سالك والمؤلف المشرف على دراسة الهجين البشري_الحيواني “من هنا نستمد الأسس المنطقية لهذه التجارب” وأضاف ” ماذا لو تركنا الطبيعة تقوم بالعمل لأجلنا؟ ماذا لو قمنا فقط بوضع خلايا بشرية داخل الجنين وسيعرف الجنين ما العمل؟”

( مخطط توضيحي للعملية المحتملة للحصول على الأعضاء البشرية من الخنازير بأستخدام الأجنة المهجنة) لــ Hiro Nakauchi
النموذج لأستخدام الهجائن في زراعة الأعضاء يمكن أن يكون شيئا شبيهًا بالتقنية التي أعلن عنها في مجلة الطبيعة (Nature). في تلك التجربة أخذ الباحثين خلايا جذعية مـستحثة وافرة القدرة (هي نوع من الخلايا الجذعية، يتم اشتقاقها اصطناعيًا من خلايا غير وافرة القدرة، عادة من خلايا جسدية بالغة، عن طريق إجبارها على تعبير جينات خاصة أي أعادتها ألى حالة جنينية مبكرة ليكون لها القدرة على التمايز ألى أي نوع من الأنسجة) من الفئران. ثم حقنت هذه الخلايا في أجنة جرذ عدلت جينياً حيث فقدت هذه الأجنة القدرة على تنمية وتطوير البنكرياس الخاص بها، أي فُرّغ مكان لتملئه خلايا الفأر الجذعية.
نمت أجنة الجرذان بشكل طبيعي و ولدت بكامل صحتها، وكل جرذ كان يمتلك بنكرياس بالحجم الطبيعي مصنوعة من خلايا الفئران. كان البنكرياس بأكمله أكبر من أن يزرع في داخل الفار، لذلك قام الباحثين بأستخراج جزر لانجرهانس فقط – (وهي عبارة عن مجموعات صغيرة من خلايا البنكرياس تظهر على هيئة بقع صغيرة مختلفة في الشكل والوظيفة عما حولها من خلايا البنكرياس ولذلك تم تسميتها بالجزر وهي الجزء المسؤول عن أنتاج الهرمونات كــالأنسولين) _ وزرعوها في فئران حثت لتصاب بالسكري.
ولأن الخلايا المزروعة كان قد تم تنميتها من خلايا جذعية مأخوذة من الفئران، فقد أحتاجت الحيوانات خمس أيام فقط من الأدوية المثبطة للمناعة لمنع أجسامها من رفض الأنسجة الجديدة. بعد ذلك، كانت الفئران قادرة على العيش بشكل طبيعي وبمستويات جلوكوز صحية لأكثر من سنة – تساوي نصف عمر عند الأنسان.
وأضاف هيروميتسو نكاوتشي (Hiromitsu Nakauchi)، وهو باحث خلايا جذعية في جامعة ستانفورد وجامعة طوكيو ومؤلف مشرف على الدراسة “أظهرت الدراسة بأن زراعة الأعضاء بين الأنواع ليست فقط ممكنة، ولكن يمكن أجرائها بصورة فعالة وأمنة أيضًا. وسنتمكن يومًا ما من القيام بهذا النوع من الزراعة للبشر داخل العيادة”.
أجرى نكاوتشي بحثًا على أجنة هجينة بين الكمير والأنسان ولكن جهوده لحقن خلايا الأنسان الجذعية داخل الخراف لم تكلل بالنجاح. المسافة التطورية بين البشر والماشية ربما تجعل من الصعب لخلايا الأنسان الجذعية أن تصمد وتترسخ داخل هذه الحيوانات.
وأضاف “أذا قرأت الورقة البحثية، ستجد أن مساهمة الخلايا البشرية محدودة جدًا وثانوية، وفي المراحل الجنينة المبكرة فقط، لذلك فلا زلنا غير متأكدين من أمكانية صنع هجائن بشرية، ولكني سعيد لقيامهم بهذا البحث.”

( حقق الباحثن نجاحًا كبيرًا في أنتاج هجائن بين الفأر والجرذ (القسم الأول)، ولكن كان الحصول على هجائن بين البشر والخنازير أكثر صعوبة (القسم الأخير)
دراسة الخلية كانت ناتج أربع سنوات من الدراسة تضمنت تقريبًا 1500 جنين خنزير. هذه الأجنة لم تكن معدلة جينيًا، على عكس أجنة الجرذان التي أستخدمها نكاوتشي، ولكن علماء معهد سالك أستخدموا نفس التقنية لحقن الخلايا الجذعية البشرية.
بابلو روس (Pablo Ross)، وهو مساعد مؤلف وبروفسور في قسم علوم الحيوان في جامعة كاليفورنيا، ذكر أن الخنازير حيوانات مثالية لبحوث الهجائن فأعضائهم تقريبًا نفس حجم أعضاء الأنسان، ولكنها تصل ألى حجمها الكامل بسرعة أكبر بكثير من أعضاء الأنسان والرئيسيات الأخرى.
“تنتقل من خلية واحدة عند التخصيب ألى 200 باوند، معدل حجم الخنزير البالغ، في 9 أشهر” وأضاف ” أعتقد أن هذا منطقي جداً، عندما تفكر في حقيقة أن معدل الأنتظار لزراعة الكلية هو تقريبًا 3 سنوات.”
ومع ذلك، فالحمل السريع للخنزير يعني أن أعضائه تتطور بسرعة أكبر بكثير من أعضاء الأنسان. فأذا أراد الباحثين أن يصنعوا هجين ناجح، عليهم أن يأخذوا التوقيت بعين الأعتبار.
بالتالي، فقد أستخدم روز وزملائه ثلاثة أنواع مختلفة من الخلايا الجذعية لتجربتهم : “naive” البسيطة وهي خلايا في المراحل المبكرة جدًا من نموها، والــ “primed”الأولية أو البدائية وهي خلايا نمتّ أكثر ولكن لا تزال لها القدرة على التمايز لمختلف أنواع الأنسجة، وأخيراً الــ “intermediate” المتوسطة وهي في مرحلة من نموها بين الأثنين.
عشرات الخلايا من كل نوع حقنت في أجنة الخنزير، ومن ثم زرعت الأجنة في الأناث وتركت لتنمو لمدة ثلاث الى أربع أسابيع ( تقريبًا ربع مدة حمل الخنزير). الخلايا الأولية “primed” لم تترسخ أبداً في الجنين المستضيف. والخلايا البسيطة “naive” أندمجت في الحيوان النامي، ولكن لم يكن بالإمكان تمييزها بعد أربع أسابيع من عمر الخنزير.
وكانت الخلايا المتوسطة “intermediate” هي الأكثر نجاحًا؛ بحلول وقت أخراج الجنين من الأنثى وتحليله، تقريبًا واحدة من كل 100,000 خلية كانت خلية بشرية بدلاً عن خلايا الخنزير، كما قدرها المؤلف الرئيسي جون وو (Jun Wu). كانت خلايا الأنسان موزعة عشوائيًا في جسم الهجين: العديد منها أستقر فيما سيصبح القلب في الحيوان الكامل ( حيث كونت الخلايا البشرية تقريبًا 10% من الأنسجة)، بعضها في الكبد والكلية ( أقل من 1%)، وقليل منها تطور لسلائف الخلايا العصبية، وهو ما تتخوف منه أخلاقيات الدراسات البايولوجية، فهم قلقون من خلق حيوان بوعي أنسان أو شيئاً شبيهًا بذلك.
ولكن خوان كارلوس يقول بأن الأحتمالات لا تزال كثيرة. مساهمة الخلايا البشرية في الهجين كانت صغيرة جدًا، وبروتوكول البحث كان حاضرًا لمنع نمو أي هجين بشري- حيواني الى مرحلة البلوغ.
“لقد كنا نحاول الأجابة بــ نعم أو لا فيما أذا كانت خلايا الأنسان يمكن أن تساهم أصلاً.” وأضاف ” والأجابة لذلك السؤال هي نعم.”
ناقش باحثي دراسة الخلية التقدم في هجائن الفأر والجرذ. وعلى الرغم من أنهم لم يجرو زراعة أعضاء ما بين النوعين، فقد تمكنوا من تنمية قلوب وعيون وبنكرياسات في أجنة الهجائن. كذلك قاموا بتنمية كيس مرارة جرذي (تسمى أيضًا بالحويصلة الصفرواية) داخل جنين فأر، بالرغم من أن الجرذان لا تطور كيس المرارة خلال نموها الطبيعي – مشيرًا ألى أن الجرذان تمتلك الشفرة الجينية لكيس المرارة ولكن كبتت هذه الجينات وأوقف عملها بواسطة بيئهم التطورية.
وقال خوان كارلوس أن هذا جانب أخر مهم في بحوث الأجنة المهجنة. جانب غالبًا ما يُغفل عنه بسبب التركيز على زراعة الأعضاء. يمكن أستخدام أجنة الهجائن لفهم تطور وتتابع النمو، وفحص الأمراض الجينية وأختبار الأدوية دون المجازفة بصحة الأنسان.
في أغسطس، حررت المعاهد الوطنية للصحة NIH مسودة سياسة ستغير التعليمات لتمسح بتمويل بحوث معينة على أجنة هجينة بين البشر والحيوانات. تحت القانون المقترح، يمكن أستخدام أموال دافعي الضرائب لتمويل تجارب تقويم بأدخال خلايا جذعية بشرية لمراحل جينينة مبكرة لكل الحيوانات بأستثناء الرئيسيات الأخرى. بعض الأبحاث على الرئيسيات اللابشرية قد يسمح بها أيضًا، ولكن بأستخدام أجنة في مراحل متقدمة من النمو فقط وبعد تدقيق أضافي من لجنة خاصة بالـNIH.
لم تمول دراسات خوان كارلوس و نكاوتشي بمنح من الـNIH . وقال نكاوتشي أنه يأمل أن التقدم الأخير في المجال سيخفف الحظر على تمويل هذه الأبحاث.
وأضاف “أخيراً تمكنا من تقديم دليل على المبدأ.. أن مقاربة ونهج تكوين الأعضاء.. ممكن وأمن وفعال أيضًا، لذلك أمل أن يتفهم الناس”
وتابع ” العديد من الناس يعتقدون أن هذه قصة خيال علمي، ولكنها تصبح حقيقة.”