منذ اقتحمت الشبكات الاجتماعية حياتنا منذ عقد مضى، تغيرت الطريقة التي تحكم علاقاتنا بالآخرين، إذ كان التحدث إلى أحد أفراد الأسرة المتواجدين بالخارج يتطلب توفير جزء من الراتب، الآن أصبح من الممكن الاتصال من أي مكان في العالم وبأي طريقة مجاناً، طالما يوجد اتصال بالإنترنت، كما أصبح من الممكن الاتصال بصديق أيام المدرسة الذي لم تلتقِ به منذ سنوات، وذلك الزميل في العمل الذي استقال من فترة.
ومن الواضح الآن تعدد علاقاتنا ووجود أصدقاء أكثر (رغم كونهم افتراضيين)، لكن، هل هذا هو الأفضل لنحقق السعادة لأنفسنا؟، هذا ما تجيب عنه صحيفة El Pais الإسبانية في تقريرها التالي.
إذ تؤكد شيري توركل مديرة مبادرة معهد ماساشوستس للتكنولوجيا والذات، في كتابها "معاً لكن وحدنا: لماذا ننتظر الأكثر من التكنولوجيا والأقل من أنفسنا؟" أنه رغم أننا متواصلون بشكل دائم، إلا إننا نشعر بالوحدة أكثر.
وفي حديثها لـ TED الذي قدمته في العام التالي لنشر مقال بالعنوان نفسه "متصلون لكن وحيدون"، أكدت توركل أننا نختبئ من الآخرين رغم أننا على اتصال مستمر معهم، ووفقاً لها فإن هذا النوع من التفاعل يشعرنا بأننا مدعومون في أفعالنا، وبالتالي يكون من المستحيل أن نعرف أنفسنا، وهو ما ينتج عنه فقر علاقتنا بالآخرين.
على الإنترنت يُمكنك الحفاظ على صداقة مع أكثر من 100 شخص
توصّل العلم إلى قياس عدد الأشخاص الذين يمكن التواصل معهم، ففي دراسة أجراها باحثون من جامعة إنديانا بلومينغتون (الولايات المتحدة)، قاموا بتحليل المحادثات عبر تويتر لأكثر من مليون ونصف مليون شخص على مدار ستة أشهر، وشملت الدراسة مستخدمين يمكنهم الاحتفاظ بعلاقات مستقرة مع أشخاص يتراوح عددهم بين 100 شخص وحتى 200 شخص فقط.
وهو ما اتفق مع نظرية عالم النفس والأنثروبولوجيا روبين دنبار، الذي قام في التسعينيات بحساب عدد الأشخاص الذين يمكن للفرد التواصل معهم وتوصل إلى أنهم 150 على الأكثر، بينما يكون المقربون فيهم 5 فقط.
ويمكن فهم الرقم المذكور من خلال عملية حسابية تشرح العلاقة بين عمق علاقاتنا بالأصدقاء وعددهم، إذ ينطوي الأمر على استثمار الوقت، فإذا أردت البقاء على التواصل مع عدد أكبر فسيكون عليك توزيع رأس مالك الاجتماعي على عدد كبير، وهكذا سيقلّ متوسط الوقت الذي يمكنك منحه لكل فرد.
هذا، ويوضح الطبيب النفسي جارا بيريث المسؤول في Therapy Web أن "علاقة الصداقة تتطلب قدراً من الالتزام والثقة، لهذا تتطلب وقتاً، كما يحتاج الإنسان إلى التواصل الجسدي؛ مثل الأطفال الرضّع الذين يحتاجون إليه تماماً كحاجتهم إلى الغذاء ليمكنهم النمو".
وتؤثر هذه النقلة النوعية في علاقاتنا على قوة علاقتنا بعيداً عن الإنترنت، لهذا فمن المهم تعلم كيفية إدارة الوقت والتفكير فيما يجعلنا سعداء.
وينصح بيريث قائلًا: "إذا لم ندرك الخطر الذي يمثله قضاء المزيد من الوقت في التفاعل مع معارفنا عبر الإنترنت فإننا سندرك ذلك لاحقاً؛ فبعد كل هذا الجهد، سيبقى مستوى الثقة فيهم أقل من القدر اللازم الذي يمكنهم به سد احتياجاتنا كأصدقاء، لهذا فمن المهم الاستمرار في تنمية صداقاتنا الحقيقية: إذ إنها هي التي تغطي فعلاً حاجتنا الأساسية وتحقق لنا سعادة كبيرة".
الشهرة مقابل السعادة
ربما تختار العلاقات الافتراضية وتحقق فيها النجاح والشعبية التي تتوق إليها، ومع ذلك فهذه الحالة الجديدة سيظل لها أثرها في قدر الثقة بالنفس.
إذ تساعدنا الحياة على الشبكات الاجتماعية الصاخبة في التحكم في الصورة التي نقدمها للآخرين عن ذواتنا، ومن السهل جداً أن تتظاهر بكل ما هو إيجابي، رغم أن هذا بالطبع ليس صحيحاً، إلا أن ذلك التفاعل لا ينفذ إلى الجوانب السلبية في شخصياتنا.
لكن المجموعة الصغيرة من أصدقائنا المقربين تحبّنا كما نحن، المضيء والمظلم فينا، وربما لهذا، يفضّل الأشخاص الأذكياء أن يحيط بهم عدد أقل من الأصدقاء، طبقاً للدراسة المنشورة عام 2016 في مجلة جمعية علم النفس البريطانية.
كما يقول الطبيب النفسي جارا بيريث: "يجب أن نقدّر هذه الصداقات التي تحتفظ بصورة حقيقية وواقعية لنا؛ أصدقاء قادرون على منحنا الثقة، وإخبارنا في أوقات ما بأننا مخطئون، أو بأن تصرفنا أناني".
الاحتفاظ بعدد قليل من الأصدقاء لا يعني أننا لا نقدّر قيمة الصداقة، وإنما يعني أننا نحفظ استقرارها إلى أقصى حد.