الفلسفة
مرّت الفلسفة منذ نشأتها بالعديد من المراحل المتعاقبة، فاعتمدت كلّ مرحلةٍ منها على المراحل التي سبقتها، وارتبطت وتميّزت كلٌّ منها بالعصر الذي وجدت فيه والمنطقة التي نشأت بها، وكذلك الفلسفة الحديثة التي تعتبر أحد أحدث المراحل للفلسفة والتي ظهرت في القرن السابع عشر في أوروبا بعد الفلسفة الإسلامية، واستمرّت هذه الفلسفة حتى بدايات القرن العشرين؛ فكانت هي المرحلة التي سبقت الفلسفة المُعاصرة الموجودة في عصرنا الحالي.
نشأة الفلسفة الحديثة
يختلف المؤرّخون في تحديد النقطة المرجعية التي يبدأ عندها تاريخ الفلسفة الحديثة، فيُرجّح العديدون أنّ ديكارت هو نقطة الأساس في بداية الفلسفة الحديثة فيسمّونه بأبو الفلسفة الحديثة، ويذهب آخرون إلى كون فرنسيس بيكون هو بادئ الفلسفة الحديثة، وآخرون إلى أنّ نقطة بداية الفلسفة الحديثة توجد عند هذين الفيلسوفين معاً كونهما كانا من أوائل الفلاسفة الحديثين؛ فقد ابتدأ كلاهما منهجه الخاص في الفلسفة الحديثة وهي ما سنأتي على ذكرها لاحقاً.
تنشأ الفلسفة من تطوّر العالم الموجودة فيه؛ بحيث يصبح المناخ ملائماً لظهور الفلسفة كما حدث في اليونان حين ظهر الفلاسفة فانتشروا بعد ذلك في البلاد الإسلاميّة وغيرها، وكذلك كان الأمر في أوروبا حين نشأت الفلسفة الحديثة؛ إذ قام الإسبان باسترداد الأندلس من المسلمين وبدأت الدولة العثمانية ممّا أدّى إلى حركات الاكتشافات الجغرافية التي وجدت العديد من الطرق الجديدة عبر العالم بالإضافة إلى اكتشاف أمريكا.
ازدهرت العلوم بعد ذلك في أوروبا نتيجة الإرث الثقافي الذي تركه المسلمون في أوروبا والأندلس على وجه التحديد، فتُرجمت كتب العلماء والفلاسفة المسلمين، واستفاد منها الفلاسفة الحديثون من أمثال ديكارت وغيره في تنوير أفكارهم وإنشاء مناهجهم الفلسفية، وقد خلق هذا التوسّع في التجارة وحركات الفتوح الجغرافية وازدهار العلوم جوّاً جديداً وخصباً لظهور الفلسفة الحديثة في أوروبا.
خصائص وتيارات الفلسفة الحديثة
تميّزت الفلسفة الحديثة بمختلف مذاهبها وتياراتها بالعديد من الخصائص المختلفة والتي تُميّزها مجتمعةً عن باقي الفلسفات الأخرى، فقد ارتبطت الفلسفة الحديثة بعصر النهضة والتي اتسمت بالإنسانية وخاصةً في بداياتها، ولذلك اعتبر الإنسان المقياس الرئيسي في الفلسفة الحديثة سواءً بناءً على حواسه كما في المنهج التجريبي أو بناءً على العقل كما في المنهج العقلاني، واتّسمت الفلسفة الحديثة أيضاً بالعقلانية؛ فكان العقل أساساً للحكم على الأمور المختلفة من أيّ المناهج كانوا، كما اتّسمت أيضاً بالعديد من السمات الأخرى المختلفة التي تُميّز هذه الحقبة من الفلسفة عن باقي الحقب التي سبقتها والتي تأتي بعدها.
أمّا تيّارات أو مذاهب الفلسفة الحديثة فيوجد مذهبان أساسيان اتجه إليهما الفلاسفة الحديثون وهما: المذهب التجريبي والذي كان فرانسيس بيون مؤسسه، ويؤمن هذا المذهب بأنّ الحقائق يتمّ الوصول إليها عن طريق التجربة وباستخدام حواس الإنسان فلا يوجد ما هو فطريٌّ في الإنسان إنّما هي خبراتٌ متراكمة، وأمّا المذهب العقلاني فيؤمن بأنّ عقل الإنسان قادرٌ على استنباط واستنتاج جميع المعارف بدلاً من الاعتماد على الحواس، وبينما يعتقد العديدون أنّ العقلانية والتجريبية هما ضدّان، إلّا أنّه وفي الواقع لا يوجد أي اختلاف بين هذين المنهجين إذ يكملان بعضهما بعضاً.