ذلك الوقت من منتصف التسعينات، كانت جيجل من أسخن البقاع وأكثرها نزفا للدماء، وكانت أيضا من أكثرها حرمانا، لم يكن وقتها من السهل الحصول على رغيف خبز، فإن تمكنت من تدبير المال، فليس من اليسير أن تجد من يبيعك خبزا.
كانت الجزائر تعيش أزمة حقيقية على جميع الأصعدة، لازالت تبعاتها ممتدة ومخيمة على واقعنا حتى هذه اللحظة، حينها كانت سفن الشحن المليئة بقوت الجزائريين قليلة ولا تكفي لسد جوع سكانها، نعم فنحن أمة منذ زمن لا تأكل ممَّا تزرع وتحصد، أذكر أن المخابز لم تكن تُمَوّن عندنا إلا بكمية محدودة من الطحين، لا تكفي لإشباع كل تلك الأفواه الجائعة لأصحاب الوجوه العابسة الخائفة من تبعات تلك المأساة، كنَّا حينها أطفالاً نضطر للإستيقاظ قبل الفجر، ونذهب بأجسامنا النّحيفة نتحسّس الطريق في الظلمة حتى المخبزة، وعند الوصول نجدها لاتزال مُغلقة فنصطفّ واحدًا تلو الآخر علّنا نظفر بخبزات تسدّ رمق عوائلنا. وبعد حوالي 3 ساعات من الإنتظار نسمع صوت صاحب المخبزة من الداخل يفتح الباب، وقتها كانت الأدوار تذهب مهب الريح، الكل يتدافع كانت هناك أولوية وهدف واحد للجميع " خبز لعائلتي" ، أذكر حينها كم كنّا نُسحق ويُداس علينا، وكم كانت حقارة "المعرفة" كيومِنا هذا تقضي على آمالنا، فالمحظوظون من لهم قرابة أو صداقة مع صاحب المخبزة، وكثيرا ما كنا نرجع بيوتنا خائبين خاليي الوفاض.....
لقد كانت هذه المعاناة أبسط ما قاسينا، لا سامح الله كل من كان سببا فيها .....
_____________________
_____________
_______
في أحد أيام شتاء 97 تسع مائة وألف، كنت تلميذا في المدرسة الإبتدائية، كنت أقطع حوالي 2 كيلومتر مشيا، لم اكن ادري يومها انه يحق لي أن أركب،لأنها كانت عادة ابناء المنطقة كذلك. كنا نسير انا واخي الذي يكبرني بعامين بلهفة إلى المدرسة،لهفة الصغر إلى العلم، أما أنا فكنت اسارع ليس من اجل ان اسبق اخي، لكن لأرى معلمته للغة الفرنسية. كم كنت اتمنى ان تكون هي معلمتي!.. على كل ليست المناسبة هنا لاصفها والا لكنت فعلت...
كانت الساعة حوالي الثامنة إلا ربع، وكنت انا وأخي قد شارفنا على الوصول. لم استغرب من تجمع التلاميذ على حافة الطريق حيث كنا نقطع لتستقبلنا المدرسة في الجهة المقابلة يسار الطريق ... كان بعضهم ينظر الى الشجرة، ثم يجري، والبعض يرابط ليتأمل شيئاً ما على الشجرة، ورجل يزجر الأطفال ويدفعهم، يطلب منهم ان يبتعدوا... بدأت الحيرى تدخل قلبي، فهرولت نحوهم كي افهم ما يدور هناك... بقي بيني وبين الشجرة حوالي خمسة امتار،نظرت حيث كان ينظر الجميع، واذا به رأس رجل.. ذبح وعلق على تلك الشجرة ليكون عبرة لأطفال لا تتعدى اعمارهم العشر سنوات،رأس بدون عنوان، لا تفهم تفاصيل وجهه، دم، سواد،زرقة.. يمكن ان يكون اي شيء إلا بني آدم ... ازحت وجهي حتى لا أرى.. ولكن كان قد فات الأوان ... أدركت ساعتها ان في الحياة فضائع اخرى يجب ان اعرفها، قساوة اخرى يجب ادرسها،أن الإنسان يستطيع أن يذبح أخاه الإنسان أو حتى شقيقه ...طبعاً عرفت ذلك بعد مرور الوقت، لأني آنها لم ادرك أي شيء عدا فكرة واحدة كانت تجتاحني،فكرة النهاية،القيامة، كنت اقول ان بعد هذه الحادثة ستكون نهاية العالم.
مازلت احتفظ بالصورة، هي هنا مخبأة، عندي تهاجمني كلما اغمضت عينايا. لم اعاتب القدر الذي جعلني اراها، أو الفاعل ولا حتى ذلك الراس... بل عاتبت المدرسة التي أوجدت حيث لا يجب أن تكون.
رأينا من الأهوال ما رأينا..
___________________
______________
_________
لقد عشتها بحذافرها في احدى قرى جيجل،
ماحصل معي في بعض المرات، ان ا ستيقظ واذهب للمخبزة، وفي الظلام الدامس، في مرة وجدت مؤذن المسجد اسمه بوزيان رحمه الله ملقاة على الارض، وتقدم احدهم وادلى عليها قطعة قماش. لقد اغتالوه بالرصاص، وهو يهم لاذان الفجر. ومرة تجد جثة معلقة او مرمية على قارعة الطريق.ومرة تصادف دورية جيش او مقاومون او ارهاب. وانت محظوظ ان لم تضرب وتهان، او تودع بوابل من رصاص. وانت اكثر حظا ان لم تطلك رصاصات مدرعات الب تي ار لقوات المارينز الخاصة.
_________________
______________
_________
سيدتي فتحتي جروحا لم تندمل وتشفى بعد..حتى لو مر عليها الزمان تظل جروحا تنزف تعتصر القلب وتدميه. .من منا لايتذكر تلك العشرية السوداء التي حولت الجزائر من جنة غناء إلى جحيم يشتعل شرر ولهبا وحولت نهارها إلى ليل لاضوء فيه ولا قمر!!...من منا لايتذكر شلالات جيجل التي تلونت إلى اللون الأحمر وغابات لبويرة الخضراء التي تحولت إلى أوكارللبوم والخفافيش. .من منا لايتذكر سنوات الجمر تلك التي حرقت الأخضر واليابس ولوثت هواء الجزائر برائحة الموت ونشرت الرعب ..وقتلت الإبتسامة.. وحطمت الطفولة.. من منا لايتذكر؟؟.. لا أحد !!.سوى جزائري اكتوى بجمرة التسعينات...
___________
________
______
مساء الخير ، الشعب الجزائري خاصة في القرى النائية كله عاش هذه الفتنة والتجربة المريرة ، لقد كانت أيام عصيبة ، لقد كانت من بين الاسباب لظهور العديد من الامراض المزمنة في الجزائر ،( السكري ، ضغط الدم ، الامراض النفسية .......) ، لكن الحمد لله عادت الجزائر ووقفت من جديد بتضحيات أبنائها الأشاوس ، يومها فارقنا الحبيب قَبل العدو والصديق قبل الغريب ترُكنا نعيش الفتنة متخبطين في إيجاد الحلول ، واليوم هم ينظرون لنا كحقل تجارب ( الجزائر لها خبرة في مكافحة الاهراب ، الجزائر شريك مهم ! ) اين كنتم بالامس يوم ممدنا أيدينا مناشدين المساعدة ولو التفاتة باتجاهنا ، لقد نُظر الينا على اننا كلنا ارهابيين ، الحمد لله زالت الفتن وها نحن اليوم نعيش ايام العز والأمن، دامت الجزائر حرة ابيدة بأبنائها.
___________
________
_______
كانت ايام قاسية كنا نخاف من النهار عندما يطلع علينا ومن ظلمه الليل حينما تحل
كان عمي يعمل في الشرطه واخواتي أيضا وكل رفقاء هم في العمل قتلوا بدون ذنب كنا كل يوم ننتظر خبر موت أحدهم والحمد لله نجو بأعجوبة
أيام صعبه جدا ...الحمد لله على كل حال
_________
_______
_____
لكنه لم يذكر أن بقدر ما كانت بطوننا جائعة كانت عقولنا تنزف خوفا ورعبا كنا نعيش في لاأمن نحاول الهروب من الليل الذي يحل علينا بسرعة وكانه يستمتع بخوفنا هجرنا الفرح وسكنا في بيوت المآتم حقا كنا نعيش رعبا لا يوصف ....
___________
_______
_____
مساء النور
لا أحد من الأحياء في الجزائر اليوم
يصدق بأنه لا يزال على قيد الحياة
حياة كنا قد ودعنا إبتسامتها و فرحها و آمالها خلال عشرية من الزمن و أكثر
وحل مكانها الضياع و الحزن القاتم و غد كان يسوده الظلام
عشرية ظلت تنزف فيها العيون دما من
هول مشاهد القتل و الدماء المتناثرة في كل مكان
عشرية لم تزدنا إلا عزيمة و إصرارا على
حب الحياة
حياة كان علينا أن نتحد لإنقاض وطننا من
دوامة العنف و القتل
دوامة كان مخرجها الوحيد التسامح و طي صفحة الماضي
هو ماضي أليم و صعب علينا مداوة جروحه
و لكن كل شيئ يهون من أجل نظال الاجداد
أجداد ضحو بالنفس و النفيس من أجل عزة الوطن و كرامته
____________
______-
_____
تلك الأيام المره ، تلك الأيام التي ولدت في خضمها، تلك الأيام التي حرمت النوم من عين أمي، لليوم حين تروي من ذكراها ما تروي، تنهمر الدموع كغثاء السيل على خدها الوردي .
مازالت الذكرى مؤلمه ،لليوم عند الثامنة ليلا ومع بدإ نشره الأخبار، يرتجف جسدها وتهتز روحها ،لهول ماتظن أنها قد تسمع .
أقول لها أمي حدثيني عن تلك الأيام ،تقول ولدي الوطن الوطن ،ولدي ماخاب من دفع الثمن ،تقول ولدي أنا أمك لكن الوطن أم أمك ،تقول عشرة سنين أو أكثر ترملت النساءو تيتمت الأطفال وشرد الناس ،هجر الكل أريافهم تركو كل شيء خلفهم،يرجون السلامة والأمن .
ثم تنهر الدموع مجددا ،وتقول إي ولدي إنها أمانة إنها في أعناقكم لا تلدغو في الجحر مرتين.
____________
__________
_______
في التسعينات تعطرت الجزائر برائحة الموت...وارتدت أطول كفن أبيض.. وتربعت على مقابر ضمت بين حفرها آلاف الجثث التي خلفتها المجازر والمذابح...
هنا بيننا اليوم من كانوا ضحايا...وهناك أيضا من لا رحمة في قلوبهم...يعبثون ويتواصلون معنا وكأنهم لم يحدثوا شيئا..
____________
_________
______
صحيح ان الجروح لم تشفى بعد و الخسائر كانت كبيرة في الارواح و الاموال و لازالت تؤثر في حياة المواطن الى اليوم و لكن الحمد لله ان العشرية السوداء التي ابتليت بها الجزائر كاول بلد ارادوا ان يزرعوا فيه الفتنة و ان يجروه الى الحرب الاهلية لتحقيق اهدافهم قد جاءت في وقت لم يكن فيه النت و الميديا منتشرة مثل السنوات الاخيرة
______________
_________
______
نعم عشنا اكثر من هذا فلهذا تعلمنا الدرس ولم نرد الوقوع في نفس الخطا مجددا اقول للعرب الراغبين في التغيير لن تحصلوا عليه الا اذا تخلصتم من عباءة الدين وثقافة الولي والفقيه هذا المفتاح اللذي استغلته حكوماتنا احسن استغلال وسوريا احسن دلبل
____________
انا من سكان احدي قري تلك الولاية ....لم تكن الحياة سهلة ..خاصة وانا في طفولتي حتي ظننت انا الحياة هكذا مذ خلق الله الخليقة ...لم تكن الحياة سهلة ..ونحن نرتمي غريزيا علي الارض عند سماع نغمات الكلاشينكوف واف ام ..ونحن في سن الخامسة ....لم تكن سهلة البتة ..الحياة لم تكن سهلة ...عندما نحيط بجثث بشرية ممزقة مشوهة وانا أنظر اليهم بعين الريبة والكراهية الامتناهية لأنهم من قتلو عمي قبل اسبوع وضعو رأسه الدي لم ينحني يوما للذل ..علي باب منزله ..وملؤو جثته في الوادي بالقنابل ...لقد وصل الكره عناااان السماء ...لم تكن الحياة سهلة وجدتي تبكي ابنها الذي لم يزر المنزل مذ عامين لأنه مطلوب بقوة لذا قتلت الحياة ...بكت بكاء السماء حتي لحقت به لأنه بعد فراااق طويل وعند عودته قطعت أوصااله اإربا في حاجز مزيف ...لم تكن هناك حياة بل كان الجحيم يتجلا ليلا ونهارا .....الخبز لم نكن نطلبه اطلاقا !!! حسبنا الله ونعم الوكيل
____________
كل الازمات التي مرت بالعرب جعلتهم يستوعبون شيء واحد هو لا يوجد مايسمى الوطن العربي والاتحاد العربي ووووو.... ونحن الجزائريون اول من تجرع هذه الكأس ففي احداث التسعينات الكل يمقت كل ماهو جزائري وينعتوننا بالارهاب ووووو... لكن نحن اليوم نستوعب جيدا مايحدث لاخواننا في سوريا وووو ..... لاننا تذوقنا مرارة ان تعتبر نكرة في بلاد كنت تظن انها لاخوتك مرارة اتهامات ليس لك بها ذنب .... فشكرا لقساوة الزمن التي جعلتنا اول من ينزف لكي لا نقسو على اخوة ذاقوا امر مما ذقناه
__________
______
كنت وقتها صغيرة في السن ولكن شدة المأساة والمعاناة عاشها الجميع بمختلف مراحل هم العمرية أتذكر وقتها أن الخروج للشارع كان ممنوع بعد السادسة مساءا وكنت وانا صغيرة اسمع أصوات الرصاص بشكل يومي بل صادف يوما ان تم قتل جارنا الذي كان مقابلا لمنزلنا واتذكر كل تفاصيل تلك الليلة المهوولة. بل ومشاهد القتلى والجرحى التي كانت تعرض على شاشة التلفزيونات وقتها لاتزال راسخة في ذهني وأتذكر أيضا أن أبي في فجر كل يوم وهو يهم بجلب الخبز الذي كان نادر الوجود وقتها نظرا للأوضاع المزرية التي عرفها وطننا كنت أرى الهلع والخوف في عيني أمي التي كانت تترقب وصول أبي وهو يحمل الخبز لنا.... تلك الايام لن تنسى من ذاكرتنا نحن الجزائريين سنوات جمر وسنوات سوداء وسنوات تنكر لنا فيها الصديق قبل العدو ما عسانا نقول سوى الحمد والشكر لله الذي أنعم علينا اليوم بنعمة الأمن والأمان.
________
نقلا عن صفحة احلام مستغانمي