بحث عام - للدكتور احمد كمال زكي
----------------------------------
الأسطورة - عبارة عن حكاية ذات احداث عجيبة خارقة للعادة أو عن وقائع تاريخية قامت الذاكرة الجماعية بتغييرها وتحويلها وتزيينها.
تتميز الأسطورة بمميزات إجمالية يمكن إجمالها كما يلي:
o عمقها الفلسفي الذي يميزها عن الليجند/الليجندة (بالإنجليزية: Legend) مثلا أو الحكاية الشعبية.
o كانت الأسطورة سابقا كما العلوم حاليا أمرا مسلما بمحتوياته.
o في معظم الأحيان تكون شخوص الأسطورة من الآلهة أو أنصاف الآلهة وتواجد الإنسان فيها يكون مكملا لا أكثر.
o تحكي الأسطورة قصصا مقدسة تبرر ظواهر الطبيعة مثلا أو نشوء الكون أو خلق الإنسان وغيره من المواضيع التي تتناولها الفلسفة خصوصا والعلوم الإنسانية عموما.
* 1 - الأساطير متنوعة في مواضيعها، وهناك من يرى أنها على عدة أنواع:
o الأسطورة الطقـوسية: وهي تمثل الجانب الكلامي لطقوس الأفعال التي من شأنها أن تحفظ للمجتمع رخاءه.
o أسطورة التكوين: وهي التي تصور لنا عملية خلق الكون.
o الأسطورة التعليلية: وهي التي يحاول الإنسان البدائي عن طريقها، أن يعلل ظاهرة تستدعي نظره، ولكنه لا يجد لها تفسيرًا، ومن ثم فهو يخلق حكاية أسطورية، تشرح سر وجود هذه الظاهرة.
o الأسطورة الرمزية
إلا أن تنوع الأساطير، يؤدي حتمًا إلى تنوع تعاريفها، لأن كل تعريف يتأثر بنوع الأسطورة، أو بنوعين أو ثلاثة أنواع، ولذا يبقى التعريف قاصرًا عن أن يكون جامعًا مانعًا.
* 2 - إن تنوع الأساطير أدى إلى تنوع المناهج التي تتناول الأساطير بالدراسة، ولهذا فقد ظهرت المناهج التالية:
o المنهج اليوهيمري الذي يعد من أقدم تلك المناهج، ويرى الأسطورة قصة لأمجاد أبطال وفضلاء غابرين.
o المنهج الطبيعي الذي يعتبر أبطال الأساطير ظواهر طبيعية، ثم تشخيصها في أسطورة، اعتبرت بعد ذلك قصة لشخصيات مقدسة.
o المنهج المجازي بمعنى أن الأسطورة قصة مجازية، تخفي أعمق معاني الثقافة.
o المنهج الرمزي بمعنى أن الأسطورة قصة رمزية، تعبر عن فلسفة كاملة لعصرها، لذلك يجب دراسة العصور نفسها لفك رموز الأسطورة.
o المنهج العقلي الذي يذهب إلى نشوء الأسطورة نتيجة سوء فهم ارتكبه أفراد في تفسيرهم، أو قراءتهم أو سردهم لرواية أو حادث.
o منهج التحليل النفسي الذي يحتسب الأسطورة رموزًا لرغبات غريزية وانفعالات نفسية.
وإن علم ال ميثولوجيا، حتى الآن، لم يصل إلى مرحلة النضج التي تؤهل مدارسه المتنافرة، المتعارضة للاندماج.
* 3 - إن للأسطورة جوانب متعددة ومتنوعة، فهي إن صح التعبير - كما وصفها البعض أنها متاهة عظمى، فلذا نجد الكثير ينطلق في تعريفه متأثرًا بجانب أو عدة جوانب منها فتبدو التعريفات قاصرة، وقد نجد العكس حيث يلجأ البعض إلى تعابير فضفاضة تمتاز بالتعمية والمطاطية إلى حد يفقدها الدقة والتشخيص والتمييز.
* 4 - إن للأسطورة خاصية الشعر الذي يكاد يظل عصيا على أي وصف محدد، ولعل صعوبة الحد والتعريف كامنة في المطلق الذي تنزع إليه الأسطورة أو الذي ينزع إليه الإنسان من خلال الأسطورة، كما قد يكمن في كونها على حد تعبير بعضهم نظاما رمزيًا، وفي أن المنهج أو المنظور الذي يتعين النظر إليه منها لا ينبغي أن يكون جزئيًا انتقائيًا حيال هذه الحقيقة الثقافية المعقدة. ناهيك عن إننا لم نمر بتجربة الأسطورة مرورًا مباشرًا، عدا بعض منها، وهو بعض مشوش الأصل، متلون الشكل، غامض المعنى، والظاهر أنها على الرغم من امتناعها على التفسير العقلاني، تستدعي البحث العقلاني الذي تعزى إليه شتى التفسيرات المتضاربة، والتي ليس فيها، على كل حال، ما يستطيع تفسير الأسطورة تفسيرًا شافيًا.
* 5 - إن القدماء أنفسهم لم يعملوا على تمييز النص الأسطوري عن غيره، ولأهم دعوه باسم خاص يساعدنا على تمييزه بوضوح بين ركام ما تركوه لنا من حكايات وأناشيد وصلوات وما إليها. ففي بيوت الألواح السومرية والبابلية، نجد أن النصوص الأسطورية مبعثرة بين البقية. ثم أن عنوان الأسطورة غالبًا ما كان يتخذ من سطره الافتتاحي الأول، شأنه في ذلك شأن بقية النصوص الطقسية أو الملحمية أو الأدبية البحتة. وهذا ما حدث في التراث الإغريقي كذلك.
* 6 - اشتراك جنس أجناس أدبية أخرى مع الأسطورة في بعض عناصرها، مثل الخرافة، اللامنطق، اللامعقول، اللازمكان في بعض الأحيان، فلذا أرى من الضرورة بمكان، أن نحاول التوصل إلى إيجاد معايير، يمكن أن نفرق بها بين الأسطورة وتلك الأجناس،
الخرافة
فالخرافة هي الحديث المستملح المكذوب، وقالوا حديث خرافة، ذكر ابن الكلبي قولهم حديث خرافة، أن خرافة رجل من بني عذرة، أو من جهينة، اختطفته الجن، ثم رجع إلى قومه، فكان يحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها الناس فكذبوه، فجرى على السن الناس، وروى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وخرافة حق) وفي حديث عائشة قال لها حدثيني، قالت ما أحدثك حديث خرافة والراء فيه مخففة ولا تدخله الألف واللام لأنه اسم خرافة معرفة، وتوضع أل الخرافة أو الخرافات إذا أرادوا الخرافات الموضوعة من حديث الليل، أجروه على كل ما يكذبونه من الأحاديث وعلى كل ما يستملح ويتعجب منه وراوي الخرافة والمستمع إليها على حد سواء يعرفان منذ البداية، أنها تقص أحداثًا، لا تلزم أحدًا بتصديقها، أو الإيمان برسالتها.وهي تختلف عن الأساطير في أن الخرافة تناقلها الناس بلغتهم الدارجة، في الوقت الذي احتفظت فيها الأساطير بلغة فصيحة. كما أن الأسطورة ترجع إلى ما قبل الأديان، أما الخرافة فقد ظهرت بعد الوثنية، ولذا يغلب عليها الطابع التعليمي والتهذيبي والبطل في الحكاية الخرافية يكون نموذجًا متخيلًا بعيدًا عن الواقع إلى درجة لا يصلح لأن يكون مثالًا يحتذى به على أي صعيد. فالمزج الصبياني بين اللامعقول والواقع، يتميز في الجني الذي لا يعرف من أي مكان يأتي عندما يفرك علاء الدين المصباح، وبعد أن ينهي مهمته، يرجع ولكن لا يعرف إلى أين ويقصد بها الإمتاع والمؤانسة. ولكنها ذات بنية معقدة، فهي تسير في اتجاهات متداخلة، ولا تتقيد بزمان حقيقي أو مكان حقيقي.
لحكاية البطولية
أما الحكاية البطولية، فهي تتسم ببعض ما تتسم به الخرافة من إغراق في الخيال، وبعدها عن الواقع، إلا أن لها أصلًا في الحقيقة الموضوعية، ضخّم وبولغ فيه، وعمل الخيال البشري الخلاق عمله، غير أنه خال من طابع الجد والقداسة، فهي قصص دنيوية وغير مقدسة، ومحددة تحديدًا زمانيًا ومــكانيًا، وهو ما يبرر قيام الباحث، بالعملية العكسية، أي الصعود من الأدب إلى الأسطورة.
وأن البطل فيها، ولما يملك من القوة الخارقة ولما يقوم به من تصرفات فروسية، يشكل صورة مثالية عن الإنسان، وعن ما هو إنساني، يستثير الرغبة في السامع إلى تحقيق هذه الصورة المثالية.
الحكاية الشعبية
وهناك الحكاية الشعبية التي يميزها هاجسها الاجتماعي بشكل رئيسي عن الحكاية الخرافية والحكاية البطولية، فموضوعاتها تكاد تقتصر على مسائل العلاقات الاجتماعية والأسرية منها خاصة، مثل زوجة الأب وحقدها، وغيرة الأخوات في الأسرة من البنت الصغرى التي تكاد تكون في العادة الأجمل والأحب…الخ.
والحكاية الشعبية واقعية إلى أبعد حد وتخلو من التأملات الفلسفية والميتافيزيقية، مركزة على أدق التفاصيل وهموم الحياة اليومية، وهي رغم استخدامها لعناصر التشويق، إلا أنها لا تقصد إلى إبهار السامع بالأجواء الغريبة، أو الأعمال المستحيلة، ويبقى أبطالها أقرب إلى الناس العاديين الذين نصادفهم في سعينا اليومي، وأن البطل فيها يلجأ إلى الحيلة والفطنة والشطارة للخروج من المأزق.
إن استخدام العناصر الخيالية - في بعض الأحيان - يهدف إلى التشويق والإثارة. أما بنيتها فتمتاز بالبساطة، فهي تسير في اتجاه خطي واحد وتحافظ على تسلسل منطقي، ينساب في زمان ومكان حقيقي، ولها رسالة تعليمية، تهذيبية، وذلك مثل جزاء الخيانة، فضل الإحسان، مضار الحسد، التي تتضمن رموزًا تتطلب التفسير، ومن المؤكد أن هذه الأساطير قد ألفت في مرحلة فكرية أكثر نضجًا ورقيًا.
أسطورة البطل الإله
أسطورة البطل الإله: وهي التي يتميز فيها البطل بأنه مزيج من الإنسان والإله، (البطل المؤله) الذي يحاول بما لديه من صفات إلهية أن يصل إلى مصاف الآلهة، ولكن صفاته الإنسانية دائمًا تشده إلى العالم الأرضي.
تصنيفات أخرى للأسطورة
وتقسم الاسطورة الى اربة انواع وهي ---
* الأسطورة الطقوسية.
* الأسطورة التعليلية.
* الأسطورة الرمزية.
* التاريخسطورة، وهي تاريخ وخرافة معًا.
هذه التقسيمات تتناول الأسطورة قديما، فنحن الآن في هذا العصر نمتلك نوعًا جديدًا من الأساطير، ذلك هو الأسطورة السياسية، التي لعبت وتلعب دورًا في صناعة الأيديولوجيات التي تخدم أغراضها، بخلقها الوعي الزائف، باعتمادها على الظلال السحرية للكلمة.
يرى بعض الدارسين ان هناك 6 شروط او عناصر لتحقيق الاسطورة وهي
أ) الخلفية التاريخية : ترتبط الأسطورة بمكان أو انسان أو حدث ، له علاقة
بالتاريخ ، بينما الخرافة ترتبط أكثر بالخيال الذي ينتج من
الشعب ولا علاقة لهذا الخيال بالواقع .
ب) الزمن : ترتبط الأسطورة زمنيا بحدث أو فترة تاريخية محدّدة ، قد تكون واقعية
أو ميتافيزيقية " فوق الطبيعة" ، أما الخرافة فتحدث في زمن غير محدّد
أو ما يسمى في اللازمن .
ج) المكان : ترتبط الأسطورة بمكان معين لأنها تتعلّق بالمنطقة الجغرافية التي
حدّدها الراوي ، أما الخرافة فتحدث في مكان غير محدّد وهي تتعدّى الاقليمية .
د) البطل التاريخي : على الغالب تتحدّث الأسطورة عن شخصية تاريخية التي نسج
الشعب حولها الكثير من طبقات الخيال ، قد يكون الأبطال أصحاب
مراتب ، وحكماء ، أما الخرافة فهي تهدف الى تقديم شخصية خيالية
ولا تسعى الى التطرق للشخصيات التاريخية .
ه) الجنس الأدبي : أي " الجانر" ، يوجد للأسطورة هدف تربوي اخلاقي قومي
وقد جاءت هذه الأساطير من أجل غرس قيم في نفوس الشعب
أما الخرافة ، فلا تهتم بالتوجه التربوي والأخلاقي ، رغم وجود عناصر
فيها تساعد وتؤدي الى نتائج تربوية ، لكن علينا أن نشير هنا أن الخرافة
تحوي في عنقها أهدافا تربوية
و) العنصر الميتافيزيكي : ( الفوق طبيعي ) / ان العنصر الفوق طبيعي يساعد الأسطورة
في توصيل الهدف التربوي ، وحدوث المعجزات .
في الأساطير رسالة تعلن عن وجود قوى تراقب ما يحدث مثل
( الآلهة) ، أما في الخرافة فالعنصر الميتافيزيكي جاء من أجل خلق أفكار
للبطل كي يتخلص من مشكلة ، أو ينقلنا الى عالم الأحلام