يقول نوري السعيد نحن نعتمد على رؤساء العشائر في كل رهاناتنا السياسية ، واذا حدثت فجوة بيننا وبينهم، واستغلوا دعمنا لهم ورفعوا سقف طلباتهم، عدنا الى الجيش وكسبنا وده ودعمناه كي نقضي على تمرد رؤساء العشائر، ويبدو أن الحال تتكرر باستنساخ تام، حيث يترشح النائب عن محافظة ما وحين يفوز يصبح نائبا عن عشيرته وتكون هويته الأصغر هي الأكبر ، ويضيع دم هوية الوطن بين القبائل، وكلنا نتذكر ما جلبته العشائر واعتصاماتها للعراق من حروب، وكيف ان المواطن عاش صراعا مريرا بين وطنيته وعشائرية كل شيء محيط به؛
ووفق قانون الانتخابات ووفق الافلاس الجماهيري والشعبي الذي يعيشه الساسة يبدو ان البلد استقر على نظام ان لكل عشيرة نائبا أو وزيرا يمثلها ويعيّن ابناءها في حماياته وفي وزارات الدولة لا سيما الوزارات التي يكثر فيها الفساد فيقوم وزيرها بدفع الشبهة عنه بكسب ود النواب ويهبهم بعض الدرجات
الوظيفية.
ذات مرة في احدى الجامعات كنت ادرس مادة الأدب واعترض احد الطلاب بدعوى ان الفرزدق طائفي ولا يجب ان يدخل في المنهاج، وحين حاولت اقناعه جاءني ولي أمره وقال لي: انت من يا عمام؟
عندها قلت له وكدت احلف بكل المقدسات بأني لست من وضع المنهاج ولست من عشيرة الفرزدق واني اكرهه جدا، واخذت ابحث عن مساوئ الفرزدق لاستند اليها واعزز موقفي.
في هذا البلد العجيب الغريب، تكون الدولة تابعة للعشيرة لا العشيرة تابعة للدولة؛ وقد حدثت حالات يقشعر لها بدن القانون، حيث قام اكثر من نائب باللجوء الى العشيرة لحل خصومة بينه وبين نائب آخر، كما ان بعض الجهات السياسية ضغطت باتجاه ايجاد حشد عشائري وكأن العشيرة شيء آخر لا يمت للشعب بأية صلة؛ فضلا عن اننا صرنا نرى النائب الذي تثار ضده قضية او يحاول احدهم استجوابه، يقوم بخلع زيه المدني ويرتدي زي العشيرة، وحدث في اكثر من مناسبة أن هددت العشائر بقطع الطرق وبعضها يمنح الحكومة مهلة كي تنهي أزمة النائب العشائري او الوزير المتهم بالفساد؛ هكذا ارتفع صوت العشيرة ليكون اعلى من القانون، ويكون السلطة الأولى في اغلب المشاكل، ليظل المواطن مقدسا عشيرته على حساب الوطن، وربما تقوم العشائر باصدار صحف يومية لتضمن لمنتسبيها الكتابة بحرية تامة وتوفر لهم الحماية العشائرية التامة، بعد ان كثرت التهديدات العشائرية للصحفيين من بعض المسؤولين الذين لا يجدون في القانون ما يجعلهم على
حق.
لقد كنا على مدى ثلاثة عشر عاما نتحاشى المسؤول وحزبه، والآن صرنا نتحاشى المسؤول وحزبه وعشيرته، واخر دعوانا أن العراق خيرٌ من القوم، لعلكم
تهتدون.المصدر : جريدة الصباح 7/2/2017 http://www.alsabaah.iq/ArticleShow.aspx?ID=131287