في عصرنا الحالي هناك ماركات لكل سلعة يمكن تخيلها سواء كانت ضرورية أو غير ضرورية. الماركات هيمنت على حياتنا، فنحن نتناول الماركات، ونلبسها وننام عليها فهي جزء من حياتنا.
هناك فئة لا يمكنها أن تعيش من دونها، لدرجة أن الماركات العالمية بالنسبة إليهم هي هدف لا يمكن الاستغناء عنه. قد لا يملكون الإمكانات المادية التي تمكنهم من شرائها لكنهم لا يكترثون. الماركات العالمية هي قصة خاصة بالجيل الحالي وهي لم تعد حكرًا على فئة معينة من المجتمع؛ بل تحولت إلى ضرورة حياتية واجتماعية، فما سر هذا العشق الذي تحول إلى هوس؟
الموضة والماركات
الموضة والأناقة كلمتان مختلفتان وكل واحدة منهما «صناعة» بحد ذاتها. لكن وبما أن الهدف هو الترويج للبضائع والمنتجات فإن الحدود بينهما باتت غير واضحة. الموضة تم تحويلها لتصبح مرادفًا للماركات العالمية الفاخرة، والأناقة التي من المفترض أنها لا علاقة لها بالماركات باتت لا تنفصل عنها.
الماركات أصبحت من الأمور التي لا يمكن الاستغناء عنها في مجتمعات تضع أهمية كبرى على الشكل الخارجي. والخلاصة هي أن الموضة والأناقة تعني الماركات والهوس بها من الأمور الطبيعية. القناعة العامة لدى الشباب العربي هي أن الماركات تعني الرقي والمقلدة والماركات غير المعروفة تعني عدم الرقي والدونية. . ولا أحد يريد أن يشعر بالدونية.
تماشيًا مع حب المظاهر
المجتمعات العربية معروفة بأنها -خلال الأعوام الأخيرة- باتت تعاني من مشكلة جماعية قائمة على تقييم الأشخاص وفق ما يملكون. حب المظاهر معضلة حقيقية تطال أصغر التفاصيل إلى أكبرها تحت مسمى «البرستيج». مفهوم البرستيج بات مرادفًا للمكانة الاجتماعية، وعليه فإن لم يكن الشخص يملك أفضل الماركات العالمية فهو شخص غير مؤهل ليكون ضمن دائرة «النخبة» هذه.
هنا تبرز الحاجة لأن يكون الفرد جزءا من الجماعة. فإن كان الشاب يخرج خارج السرب ولا يعتمد الماركات؛ فهو لن يجد مكانه ضمن هذه الجماعات. فالحصول عليها دليل يسمح له بالعبور والانتماء وترك الانطباعات الجيدة لتصبح قيمة وصورة كل شخص مرتبطة بالكامل بما يملك.
الرغبة بالتمييز
الشخص الذي يعتمد الملابس أو الإكسسوارات أو السيارات التي تغرد خارج سرب الماركات العالمية يشبه غيره. فلو افترضنا أنك اشتريت قميصًا من متجر ما يقصده الجميع، حينها ستجد العشرات يرتدون القميص نفسه وعليه أنت «عادي» أو «مقلد»، وفي حال كنت ضمن المجموعة فستتحول إلى «نكتة» بالنسبة إليهم. لكن حين تشتري الملابس الباهظة بماركات عالمية فأنت تدرك مسبقًا أنك ستكون المميز، الأمر الذي يجعل الشخص يشعر بثقة أكبر بالنفس. وهذه النقطة هي أساس المشكلة.
الغالبية الساحقة من الشباب العربي يؤكدون أنهم يشعرون بثقة أكبر بالنفس حين يقتنون الماركات، وذلك لأنهم يدركون أنهم لا يشبهون غيرهم، ناهيك بواقع أنهم يتركون انطباعًا «طيبًا» وعليه فإن النتيجة تكون شعورهم بالسعادة!
الشباب العربي العاطل عن العمل أو الذي يعيش على راتب شهري محدود يحتاج –بيأس- لهذه الجرعة الإضافية من الثقة لأنهم حينها سيتمكنون من الشعور بأنهم حققوا شيئًا ما.
اشتريت سيارة فارهة؟ فعلى ما يبدو أنك حققت أمرًا مهمًّا. شراء الماركات يرتبط بتدني الثقة بالنفس، وصحيح أن هذا لا يعني أن كل من اشترى ماركة عالمية لا يملك أي ثقة بنفسه لكن المحفز الأساسي والمسبب للهوس هذا هو تدني أو انعدام الثقة بالنفس.
الجودة
تصريح لوزير التجارة الفرنسي تحول إلى ما يشبه الحكمة التي يتم تناقلها؛ فالوزير هذا قال «الماركات هي أكبر كذبة تسويقية صنعها الأذكياء لسرقة الأثرياء فصدقها الفقراء».
الغالبية تصدق فعلاً أن الجودة ترتبط بالماركة فقط، لكن هذه النظرية أبعد ما تكون عن الحقيقة؛ صحيح أنه هناك ماركات عالمية معروفة بجودتها لكن هناك أيضًا ماركات عالمية فاخرة لا تختلف بشيء عن الماركات غير الفاخرة، والعكس صحيح، هناك الكثير من الشركات التي تنتج سلعًا بأسعار متدنية وماركاتها غير معروفة ومع ذلك تكون بنوعية ممتازة؛ لذلك فإن حجة الجودة هي تصديق للكذبة لا أكثر، وأي شخص يملك معلومات وافية عن آلية الاختيار وفق الجودة يدرك أنه لا يحتاج إلى الماركات للحصول عليها.
جنون الصورة
الساعات اخترعت لمعرفة الوقت، لكنها تحولت في عالمنا العربي إلى مصدر للتبجح. النظارات الشمسية هدفها حماية العيون، وبما إنها واضحة وظاهرة فتحولت إلى مظهر من مظاهر الأناقة والوجاهة، وبالتالي كلما كان الشعار أكبر كان ذلك أفضل. السيارات أيضًا هدفها إيصالك من مكان إلى آخر، لكن حين تقود سيارة فارهة فأنت تستعرض صورتك المميزة من نقطة انطلاقك حتى نقطة وصولك!
الأمر كله يرتبط بالجنون الذي ابتُلِيَ به الشباب العربي هو الصورة، الصورة التي يجب أن تكون قائمة على القشور.
التقليد
المشاهير والنجوم يرتدون الماركات ويقودون أفخم السيارات ويملكون أفخم السلع.
النجوم هؤلاء ليسوا عالميين فحسب، بل عرب أيضًا وعليه فالرغبة بالتقليد تفرض نفسها.
تقليد من نوع آخر هو الرغبة بالتشبه بما يتمناه الشباب العربي لنفسه، فصورة الثري محصورة بالماركات العالمية وصورة الفقر هي «صنع في الصين». ولأنه لا يريد الصورة الثانية فهو يقوم بتقليد ما يقوم به الآخر، وقد تدفعه هذه الرغبة إلى شراء الماركات المقلدة على أمل ألا يكتشف أحد أمره.