جدة- حسن الجابر
داخل سور جدة الذي بناه المماليك إبان حكمهم للمنطقة، وتمت إزالته عام 1974 بعد ظهور الطفرة السعودية، يقع مسجد الشافعي أو ما يعرف باسم "المسجد العتيق"، مجسداً درة العمارة الإسلامية في منطقة مدينة جدة التاريخية، يجاور المسجد غرباً سوق الصاغة والفضيات القديم وصانعي النحاس، وغرباً سوق النسيج والملابس المعروف بسوق البدو التاريخي.
بني مسجد الشافعي عام 1250 ميلادية على يد الملك المظفر سليمان بن سعد الدين شاهنشاه الثاني، أحد ملوك الأيوبيين في اليمن والذي كان شافعي المذهب، وعلى هذا الأساس جرى تسميته بالشافعي، ثم جرى تجديد بناء المسجد عام 1533 ميلادية على يد تاجر هندي يدعى الخواجة محمد علي، إلا أن التجديد لم يشمل مئذنة المسجد.
تذكر الكتب التاريخية أن المسجد العتيق قد تم تشييد بنائه من المواد التقليدية، كالطين البحري، والحجر المنقبي، والأخشاب، وهي من المواد الأساسية التي كان سكان جدة يعتمدون عليها في تلك الحقبة بحكم طبيعة الأجواء الرطبة، فيما ينقسم المسجد إلى قسمين، صحن مكشوف بغرض التهوية مربع الشكل وسط دكة ترتكز على أربعة أعمدة، والقسم الثاني هو إيوان القبلة.
وتعتبر مئذنة المسجد الأقدم في منطقة الحجاز، وتشبه في بنائها الطراز الأيوبي الذي ظهر في القرن السادس الهجري، وفي المسجد صهريج ماء يعبأ من مياه الأمطار لا يزال مستخدما لليوم لأغراض مختلفة، كما يوجد في حائط القبلة محراب مجوف زخرفت عقوده، بالزخارف الزيتية والكتابات القرآنية المكتوبة بخط الثلث المعروف، أما أعمدة المسجد فقد جلبت في صدر الإسلام من مدينة نيسة بإثيوبيا وهي مصنوعة من الرخام المخروط المائل إلى الحمرة.
ترميم حديث
في يونيو 2015، تم إعادة ترميم المسجد، حيث كانت آخر عملية إصلاح وترميم للمسجد قد تمت قبل 500 عام، وتم الترميم الأخير على نفقة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز من خلال مؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للأعمال الإنسانية، فيما قامت مؤسسة التراث بأعمال الترميم ضمن مشاريع البرنامج الوطني للعناية بالمساجد التاريخية، الذي ينفذ بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية والهيئة العامة للسياحة والآثار.
وقامت الترميمات على الأساس القديم الذي بني عليه المسجد، وأشرف على العملية متخصصون في فنون العمارة الإسلامية الذين حافظوا على شكل المسجد القديم ونقوشه الإسلامية، خاصة أن المكونات الأساسية للمسجد تعتمد على الجبس والرمل، كما ساهم الترميم في إبراز العناصر التي اختفت نتيجة العوامل البيئة مثل الفتحات والنوافذ مع إزالة التشوهات التي أحدثتها الترميمات السابقة.
وشَملَت الأعمال ترميم الأعمدة والأسقف الخشبية والجدران والمنارة، إضافة إلى ترميم الزخارف الجصية والخشبية والمحراب، إضافة إلى رصف الأرضيات بالبلاط، والتكسيات المناسبة، وإزالة المحلات التجارية الملاصقة لحائط المسجد الجنوبي، وإنشاء حمامات حديثة، وتأهيل شبكة الصرف الصحي والمياه، وتنفيذ شبكة تكييف حديثة.
يذكر أن المسجد العتيق يعتبر موقعا جاذبا للسياح من الداخل والخارج، حيث إن الزيارات للمسجد لا تتوقف خاصة من المعتمرين والحجاج وأيضا السياح الأجانب، الذين يفضلون دائما أن يضعوا في جدول زيارتهم لمدينة جدة، زيارة منطقتها التاريخية ومسجد الشافعي على وجه الخصوص، حيث تمثل زيارة المسجد بالنسبة لهم، اختصارا لحقب تاريخية متعاقبة مرت على بنائه