بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * (11)
الـــم
اختلف المفسرون في معنى الأحرف المقطعة في أوائل بعض السور القرآنية كما عدها صاحب الميزان احد عشر قولاً، واختار القول بأن "هذه الحروف رموز بين الله سبحانه وبين رسوله صلى الله عليه وآله وسلم خُفية عنا، لا سبيل لأفهامنا العادية إليها إلا بمقدار أن نستشعر أن بينها وبين المضامين المودعة في السور ارتباطا خاصا" (2) نعم هناك روايات عن الأئمة عليهم السلام توضح معنى تلك الحروف لكن لا يمكن القول بأنها هي تمام المعنى المقصود من تلك الحروف وذلك لما ورد عنهم عليهم السلام.
ففي قول الامام الصادق -صلوات الله عليه-: (كتاب الله عز وجل على أربعة أشياء: على العبارة والإشارة، واللطائف، والحقائق، فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء) (3)، فالرواية صريحة في أن فهمنا للقرآن ليس هو تمام حقيقة المعنى -وهذا بنفسه دليل على إعجاز القرآن الكريم- والشاهد على ذلك هو في نفس تفسير الآية (الـم) فمما جاء في الروايات عن العترة الطاهرة في تفسيرها:
الأولى: عن الامام العسكري عليه السلام أنه قال: (كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا: سحر مبين تقوله، فقال الله: " ألم ذلك الكتاب " أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو الحروف المقطعة التي منها " الف، لام، ميم " وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم...) (4) وهذا المعنى واضح أنه للعوام.
الثانية: عن سفيان بن سعيد الثوري، قال: قلت لجعفر بن الصادق عليهم السلام: يا ابن رسول الله، ما معنى قول الله عز وجل: (الـم)؟ قال عليه السلام: (أما (الـم) في أول البقرة، فمعناه أنا الله الملك) (5) وأما هذه الرواية فهي على نحو الإشارة أي أن كل حرف يشير إلى كلمة كما قال الصادق عليه السلام: (ثم " الألف " حرف من حروف قول الله دل بالألف على قولك الله ودل باللام على قولك الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين، ودل بالميم على أنه المجيد المحمود في كل أفعاله) (6).
الثالثة: عن الامام الصادق عليه السلام قال: (" ألـم " هو حرف من حروف اسم الله الأعظم، المقطع في القرآن، الذي يؤلفه النبي صلى الله عليه وآله والامام فإذا دعا به أجيب) (7) فلا يفهم معناها هذا -الذي هو إما على نحو اللطائف أو الدقائق- إلا الأولياء والأنبياء لأنه معنى إسم الله الأعظم وأمر خصوصيته واضح.
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيه هُدىً لِلْمُتَّقِينَ
(ذلِكَ الْكِتابُ) كما في رواية الامام العسكري عليه السلام السابقة (هذا الكتاب الذي أنزلته عليك... وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين... ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ والْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِه ولَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً).
(لا رَيْبَ فِيه) لا شك فيه، لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم: أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم.
(هُدىً) بيان من الضلالة. (لِلْمُتَّقِينَ) الذين يتقون الموبقات، ويتقون تسليط السفه على أنفسهم، حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه، عملوا بما يجب لهم رضا ربهم) (8). وايضا روي عن أبي عبد الله -عليه السلام-، قال: (الكتاب: علي -عليه السلام- لا شك فيه (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) قال: بيان لشيعتنا) (9). ولا إختلاف بين الروايتين الشريفتين لأن من الواضح أن من المسلمات والثوابت عندنا هو أن القرآن صامت وناطق، فالصامت هو المصحف الشريف، والناطق هم العترة الطاهرة عليهم السلام كما يشير إلى ذلك متواتر قول النبي -صلى الله عليه وآله- (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وأيضا في معنى المتقين الذي ذكر في الرواية الأولى هو نفس صفات الشيعة بالمعنى المراد عند أهل البيت عليهم السلام.
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
جاء في تفسير الإمام العسكري -عليه السلام-: (وصف هؤلاء المؤمنين، الذين هذا الكتاب هدى لهم، فقال: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) يعني ما غاب عن حواسهم، من الأمور التي يلزمهم الإيمان بها كالبعث، والحساب، والجنة، والنار، وتوحيد الله، وسائر ما لا يعرف بالمشاهدة، وإنما يعرف بدلائل قد نصبها الله تعالى عليها كآدم، وحواء، وإدريس، ونوح، وإبراهيم، والأنبياء الذين يلزمهم الإيمان بهم، بحجج الله تعالى، وإن لم يشاهدوهم، ويؤمنون بالغيب: وهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (10) هذا هو بيان المفهوم العام لمعنى الإيمان بالغيب وذكر جملة من مصاديقه، ولكن جاء في روايات أخرى تخصيص لمصداق الغيب مما يدل على أهميته، فروي عن أبي عبد الله -عليه السلام- في قوله عز وجل: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ). قال: (من آمن بقيام القائم -عليه السلام- أنه حق) (11).
وروي عن يحيى بن أبي القاسم، قال: سألت الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: * (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيه هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) * فقال: « المتقون: شيعة علي (عليه السلام)، والغيب فهو الحجة الغائب، وشاهد ذلك قوله تعالى: ويَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْه آيَةٌ مِنْ رَبِّه فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّه فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (12).
ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ
إقامة الصلاة اي تأديتها بجميع حدودها المأمور بها، والرزق هنا أعم من المأكول والملبوس والمسكون والعلم والصحة وغيرها. وإنفاق كل شيء بحسبه، وعن الامام الصادق عليه السلام (قال مما علمناهم ينبئون ومما علمناهم من القرآن يتلون) (13)
الكاتب: إبراهيم السنجري
__________________________
1- سورة البقرة – الآية 1-2-3
2- تفسير الميزان ج 18 ص 6
3- بحار الانوار ج75 ص 278
4- معاني الاخبار ص24
5- معاني الاخبار ص22
6- معاني الاخبار ص23
7- معاني الاخبار ص23
8- معاني الاخبار ص 24
9- تفسير القمي ج1 ص30
10- تفسير العسكري ص 67
11- كمال الدين وتمام النعمة ص340
12- بحار الأنوار، ج 52، ص 124
13- تفسير القمي ج1 ص30