الصلاة هي صلة روحية بين العبد وخالقه ـ تبارك وتعالى ـ وليست مجرد حركات رياضية مقترنة بألفاظ معينة وكما جاء في حديث رسول الله الانور الاكمل الاشرف الاقدس صلى الله عليه واله (الصلاة عمود الدين ان قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدت رُد ما سواها) وقد حكى لنا البارىء ـ سبحانه ـ عن لسان عيسى بن مريم (على نبينا واله وعليهما الصلاة والسلام) في قرآنه المجيد (..وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا...) سورة مريم الآية 31.
وايضاً فقد ذكر لنا القرآن الكريم بعض أوصاف المؤمنين وأولها (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {*} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) سورة المؤمنون الآيتان 1 و2، ومعنى الخشوع هو الخوف والخضوع والانكسار القلبي (1) والاستكانة والتذلل الذي يستشعرهُ المُصلي عندما يقف بين يدي الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ليؤدي ما فرضهُ عليه بتوجه كامل لأنوار الحضرة والقُدس الالهي وملكوت الرحمة والمغفرة وقد دعاهُ الله إلى موعده والله حاضر شاهد سميع مجُيب اقرب إليه من حبل الوريد.
* حالنا مع الصلاة:
بعض الناس مَنْ يقف مُصلياً بجسمه لا بجوارحه ولا بروحه وبذلك تُفرغ الصلاة من محتواها الروحي وتتحوَّل إلى طقوس جامدة وحركات بلا معنى أو هدف وهم بذلك يحرمون انفسهم من نعمة الاتيان بها على الوجه المطلوب وصولاً إلى نيل المقاصد العُليا والارتفاع إلى اسمى المراتب.
* موانع الخشوع:
من الموانع والعوائق التي تقف حائلاً ومانعاً عن الاحساس بالخشوع والذوبان الروحي في الصلاة هي الغرق في عالم الماديات والغفلة والتغافل عن التذكّر بين يديَّ الله ـ تبارك اسمه ـ وبالتالي يُلقي بضلاله سلباً على تحصيل الاستعداد والتهيؤ لـ (لقاء) رب الارباب جبار السموات والارض.
وقد قال احد العارفين: واذا نبتت في قلب المرء المصلي شجرة الامل وحُب زخرف الدنيا الدنيه وبقيت قائمةً سيكون القلب بمثابة طائر متنقل على اغصانها في طيرانه فلابد للعاقل المتعقل ترك هذه الشجرة بالرياضة الروحية والمجاهدة والتفكُّر بتبعات ومثالب وعواقب ذلك بعدها سيصبح القلب ساكناً ومطمئناً وسيحصل للعبد حضور القلب يُضاف لذلك ضرورة تصور ان النفس كالطفل يتعيَّن ويتحتم تلقينها الذكر وادخال الكلام إلى ذهنه وتلقينه حتى تكون لهُ القدرة على لفظه والنطق به، والقلب كذلك يحتاج وبالمداومة والاستمرارية والاشتغال بتعليم قلبه فالظاهر يمد الباطن وهكذا ينفتح القلب وينطلق كـ (لسان الطفل) وبالتالي يتحقق الاتحاد بين باطن المرء وظاهره ويظهر النشاط والبهجة في الأنسان وبالمواظبة والحرص على ذلك والابتعاد عن جميع الامور والمسائل التي تشتت الحواس في الصلاة والأذكار والادعية سيتحوَّل ذلك إلى عادة وملكة في النفس وكما يقول الشاعر:
والنفس كالطفل إن تتركهُ شب على حُب الرضاع وإن تفطمهُ ينفطمِ
* كيف يحضر القلب؟
والاصل في حضور القلب في الاعمال هو تعظيم القلب لذلك العمل وعدَّهُ مهماً فلو ابدى واعطى المُصلي مناجاته للحق سبحانه قدراً وأهميةً ومكانةً بما يوازي حديثه ومكالمته ونجواه لاحد المخلوقين لما وصل إلى هذا المقدار من الغفلة والسهو والنسيان.
وعندما نقرأ قوله تعالى (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) سورة طه الآيتان 17 و18، فإن الله لمَّا سأل موسى (على نبينا واله وعليه الصلاة والسلام) عن العصا فهذا السؤال لا يستلزم جهلاً أو نقصاً في علم الله ـ تعالى ـ إذ ان المقصود من السؤال هو تعظيم شأن وامر العصا وعندما أجاب موسى بقوله (قال هي عصاي) لم يتوقف بل استمر في حديثه (..أتوكأ عليها....) لأنه احسن بلذيذ المناجاة مع الله ـ عزَّ وجلَّل ـ واراد ان ينهل اكثر فأكثر من تلك اللذة الروحية.
* المؤثرات الداخلية على المُصلي:
ومنها الوساوس الشيطانية اذ تقوم النفس والشيطان الرجيم بتحريك الأماني الكاذبة والأمنيات المتلاشية والوعود الزائفة والتعلُّق الشديد والأعمى بحطام الدنيا الزائف وتذكَّر المواقف الحزينة مثل وفاة شخص عزيز والقضايا المؤسفة التي مرت عليه مثل فساد زرع أو خسارة تجارة أو فشل في الدراسة أو وقوع طلاق بين زوجين فيُصيب المُصلي الحزن والاشتغال فيتوَّلد بذلك حاجزاً يمنعهُ من الوصول إلى مرتبة الخشوع وكما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه واله (الصلاة معراج المؤمن) فلا يتحقق العروج والتسامي الروحي في حضرة القُدس الالهي فيتذكَّر المصلي أحياناً معاملاته التجارية في السوق من بيع وشراء ودفع واستلام الاموال وحساب الديون والتكاليف والأرباح والتوسع في التجارة وتطوير عمله والماهية والسبيل والطرائق والمُقدمات لذلك وعموم الكلام في التفكير بالماديات والانغماس فيها كما لو سقط انسان في مستنقع ويالهُ من مستنقع اذ سيبتلعهُ ويختفي فيه. هذا كله وربما أكثر يأتي ويدخل في ذهن المُصلي سريعاً لأنه فتح الباب على مصراعيه لحديث النفس والشيطان، فلابد من تهيئة الذات والتحصن والاستعاذة من الوساوس قبل الولوج في الصلاة، اذن لابد من الحذر الشديد من السقوط في مستنقع الماديات فالجانب المادي يتناسب عكسياً مع الجانب الروحي فكلما رجحت كفة الاهتمام بالماديات وثقلت.. خفت (أو انعدمت) كفة الروحانيات.
* مؤثرات خارجية أيضاً:
وهناك أيضاً مؤثرات خارجية تنعكس تبعاتها على المُصلي منها الضوضاء والجلبة والاصوات العالية وحديث بعض الافراد والناس سواء أكان ذلك في البيت اذا كان مكتظاً بأهله أو بضيوف أو من خلال تشغيل جهاز التلفاز أو المذياع أو اجهزة تسجيل صوتية وغيرها.
أيضاً فأن الالوان والرسوم والزخارف والنقوش التي قد يقع نظر المصلي عليها ربما تقوده للاشتغال بها سواء أكانت على الجدار أو الفراش أو سجادة الصلاة.
فالابتعاد عن المؤثرات الخارجية يكون عونا في ارتقاء المصلي الى مرحلة الخشوع في الصلاة التي تجعل الانسان العابد محبا ومتشوقا للصلاة لما رءاه من استلذاذ روحه بها.
الكاتب: خالد غانم الطائي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1)- تُطلق كلمة القلب على ذلك العضو الكمثري الشكل الواقع إلى يسار صدر الانسان وبواسطة حركاته وضرباته يتدفق الدم من الي يولده الكبد ويصفيه جهاز التنفس ويتصاعد منه بخار لطيف فيجري إلى الدماغ وجميع اعضاء الجسم وبواسطته يتم الحس والحركة في البدن ويسميه الحكماء بالروح الحيوانية.
والثاني: عبارة عن ذلك المخلوق الابداعي والنفحة الربانية التي ليست من سنخ موجودات هذا العالم.. بل عالم الامر المُجرَّد عن المادة والمُتعلَّق بهذا البدن

منقول..مع التحيه