إذا كنا ندّعي إننا من شيعته ومواليه ومن أتباعه، هل حقا نحن كذلك؟ كيف نعرف الجواب؟ وأساساً لماذا نطرح هذا السؤال؟ لأنّ مجرّد إدّعاء الإنتماء لخط خاص لا يكفي ــ كما يقرّ بذلك كل ذي لُب ــ بل لابد أن يكون المنتمي يحمل المواصفات المطلوبة لذلك الإنتماء. ولكن كيف نعرف شروط ومواصفات الإنتماء لشيعة علي عليه السلام؟ ليس هناك أفضل من أمير المؤمنين نفسه ليجيبنا على هذا السؤال العريض. إذن، فلنستمع إليه وهو يحدّثنا عن مواصفات وسمات شيعته. ثم لنتدبّر في حياتنا على ضوء ذلك لنكيّفها وفق ما يريده منا مولى المتقين عليه أفضل الصلاة والسلام. تقول الرواية التي تُروى عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ يَحْيَى ابْنَ أُمِّ الطَّوِيلِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ، قَالَ: عَرَضَتْ لِي إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عليه السلام، حَاجَةٌ فَاسْتَبْعَثْتُ إِلَيْهِ جُنْدَبَ بْنَ زُهَيْرٍ، وَالرَّبِيعَ بْنَ خَيْثَمٍ، وَابْنَ أَخِيهِ هَمَّامَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ خَيْثَمٍ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْبَرَانِسِ، فَأَقْبَلْنَا مُعْتَمِدِينَ لِقَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، عليه السلام، فَأَلْفَيْنَاهُ حِينَ خَرَجَ يَؤُمُّ الْمَسْجِد، فَأَفْضَى وَنَحْنُ مَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مُتَدَيِّنِينَ قَدْ أَفَاضُوا فِي الأُحْدُوثَاتِ تَفَكُّهاً وَبَعْضُهُمْ يُلْهِي بَعْضاً، فَلَمَّا أَشْرَفَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، عليه السلام، أَسْرَعُوا إِلَيْهِ قِيَاماً فَسَلَّمُوا، وَرَدَّ التَّحِيَّةَ، ثُمَّ قَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: أُنَاسٌ مِنْ شِيعَتِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ لَهُمْ: حُبّاً. ثُمَّ قَالَ: يَا هَؤُلاءِ، مَا لِي لا أَرَى فِيكُمْ شِيمَةَ شِيعَتِنَا، وَحِلْيَةَ أَحِبَّتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ حَيَاءً. قَالَ نَوْفُ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ جُنْدَبٌ وَالرَّبِيعُ فَقَالا: مَا سِمَةُ شِيعَتِكُمْ وَصِفَتُهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَتَثَاقَلَ عَنْ جَوَابِهِمَا، فَقَالَ: اتَّقِيَا اللَّهَ أَيُّهَا الرَّجُلانِ وَأَحْسِنَا، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ. فَقَالَ هَمَّامُ بْنُ عُبَادَةَ ــ وَكَانَ عَابِداً مُجْتَهِداً ــ: أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَكْرَمَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَخَصَّكُمْ وَحَبَاكُمْ وَفَضَّلَكُمْ تَفْضِيلا إِلاّ أَنْبَأْتَنَا بِصِفَةِ شِيعَتِكُمْ. فَقَالَ عليه السلام: لا تُقْسِمْ، فَسَأُنَبِّئُكُمْ جَمِيعاً. وَأَخَذَ بِيَدِ هَمَّامٍ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَسَبَّحَ رَكْعَتَيْنِ وَأَوْجَزَهُمَا وَأَكْمَلَهُمَا، ثُمَّ جَلَسَ وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا وَحَفَّ الْقَوْمُ بِهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وآله وسلّم، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ ــ جَلَّ شَأْنُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ــ خَلَقَ خَلْقَهُ فَأَلْزَمَهُمْ عِبَادَتَهُ، وَكَلَّفَهُمْ طَاعَتَهُ، وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ، وَوَضَعَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِحَيْثُ وَضَعَهُمْ، وَوَصَفَهُمْ فِي الدِّينِ بِحَيْثُ وَصَفَهُمْ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ غَنِيٌّ عَنْهُمْ، لا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ، وَلا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ مِنْهُمْ، لَكِنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ قُصُورَهُمْ عَمَّا يَصْلُحُ عَلَيْهِ شُؤونُهُمْ، وَيَسْتَقِيمُ بِهِ أَوَدُهُمْ، وَهُمْ فِي عَاجِلِهِمْ وَآجِلِهِمْ. فَأَدَّبَهُمْ بِإِذْنِهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَأَمَرَهُمْ تَخْيِيراً، وَكَلَّفَهُمْ يَسِيراً، وَأَمَازَ (أي: ميّز) سُبْحَانَهُ بِعَدْلِ حُكْمِهِ وَحِكْمَتِهِ بَيْنَ الْمُوجِفِ مِنْ أَنَامِهِ إِلَى مَرْضَاتِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَبَيْنَ الْمُبْطِئِ عَنْهَا وَالْمُسْتَظْهِرِ عَلَى نِعْمَتِهِ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَتِهِ. فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ. تقول الرواية: ثُمَّ وَضَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، عليه السلام، يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِ هَمَّامِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ: أَلا مَنْ سَأَلَ مِنْ شِيعَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ فِي كِتَابِهِ مَعَ نَبِيِّهِ تَطْهِيراً، فَهُمُ: الْعَارِفُونَ بِاللَّهِ، الْعَامِلُونَ بِأَمْرِ اللَّهِ. أَهْلُ الْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ. مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ، وَمَلْبَسُهُمُ الاقْتِصَادُ، وَمَشْيُهُمُ التَّوَاضُعُ، وَبَخَعُوا لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ (أي: أقرّوا وأذعنوا بطاعته) وَخَضَعُوا لَهُ بِعِبَادَتِهِ، فَمَضَوْا غَاضِّينَ أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَاقِفِينَ أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ بِدِينِهِمْ. نَزَلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلاءِ، كَالَّذِينَ نَزَلَتْ مِنْهُمْ فِي الرَّخَاءِ، رِضًى عَنِ اللَّهِ بِالْقَضَاءِ، فَلَوْ لا الآجَالُ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، شَوْقاً إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ وَالثَّوَابِ، وخَوْفاً مِنَ أليم الْعِقَابِ. عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ. فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ رَآهَا فَهُمْ عَلَى أَرَائِكِهَا مُتَّكِئُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ دَخَلَهَا فَهُمْ فِيهَا يُعَذَّبُونَ. قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ، وَشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ، وَأَجْسَادُهُمْ نَحِيفَةٌ، وَحَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ، وَ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ، وَمَعْرِفَتُهُمْ فِي الإسْلامِ عَظِيمَةٌ. صَبَرُوا أَيَّاماً قَلِيلَةً فَأَعْقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً، وَتِجَارَةٌ مُرْبِحَةٌ يَسَّرَهَا لَهُمْ رَبٌّ كَرِيمٌ. أُنَاسٌ أَكْيَاسٌ (أي: عقلاء وذوي فطنة)، أَرَادَتْهُمُ الدُّنْيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا، وَطَلَبَتْهُمْ فَأَعْجَزُوهَا. أَمَّا اللَّيْلُ: فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالُونَ لأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ، يُرَتِّلُونَهُ تَرْتِيلا، يَعِظُونَ أَنْفُسَهُمْ بِأَمْثَالِهِ، وَيَسْتَشْفُونَ لِدَائِهِمْ بِدَوَائِهِ تَارَةً، وَتَارَةً يَفْتَرِشُونَ جِبَاهَهُمْ وَأَكَفَّهُمْ وَرُكَبَهُمْ وَأَطْرَافَ أَقْدَامِهِمْ، تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ، وَيُمَجِّدُونَ جَبَّاراً عَظِيماً، وَيَجْأَرُونَ إِلَيْهِ جَلَّ جَلالُهُ فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ. هَذَا لَيْلُهُمْ، فَأَمَّا نَهَارُهُمْ: فَحُلَمَاءُ، عُلَمَاءُ، بَرَرَةٌ، أَتْقِيَاءُ. بَرَاهُمْ خَوْفُ بَارِئِهِمْ، فَهُمْ أَمْثَالُ الْقِدَاحِ، يَحْسَبُهُمُ النَّاظِرُ إِلَيْهِمْ مَرْضَى ــ وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ ــ أَوْ خُولِطُوا، وَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ مِنْ عَظَمَةِ رَبِّهِمْ وَ شِدَّةِ سُلْطَانِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، طَاشَتْ لَهُ قُلُوبُهُمْ، وَذَهَلَتْ مِنْهُ عُقُولُهُمْ، فَإِذَا اسْتَفَاقُوا مِنْ ذَلِكَ بَادَرُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ، لا يَرْضَوْنَ بِالْقَلِيلِ، وَلا يَسْتَكْثِرُونَ لَهُ الْجَزِيلَ. فَهُمْ لأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ مُشْفِقُونَ. إِنْ ذُكِرَ أَحَدُهُمْ خَافَ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي، وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي. اللَّهُمَّ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ، وَاجْعَلْنِي خَيْراً مِمَّا يَظُنُّونَ، وَ اغْفِرْ لِي مَا لا يَعْلَمُونَ، فَإِنَّكَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ وَسَاتِرُ الْعُيُوبِ. هَذَا، وَمِنْ عَلامَةِ أَحَدِهِمْ أَنْ تَرَى لَهُ قُوَّةً فِي دِينٍ، وَحَزْماً فِي لِينٍ، وَإِيمَاناً فِي يَقِينٍ، وَحِرْصاً عَلَى عِلْمٍ، وَفَهْماً فِي فِقْهٍ، وَعِلْماً فِي حِلْمٍ، وَكَيْساً فِي رِفْقٍ، وَقَصْداً فِي غِنًى، وَتَحَمُّلا فِي فَاقَةٍ، وَصَبْراً فِي شِدَّةٍ، وَخُشُوعاً فِي عِبَادَةٍ، وَرَحْمَةً لِلْمَجْهُودِ، وَإِعْطَاءً فِي حَقٍّ، وَرِفْقاً فِي كَسْبٍ، وَطَلَباً فِي حَلالٍ، وَتَعَفُّفاً فِي طَمَعٍ، وَطَمَعاً فِي غَيْرِ طَبَعٍ (أَيْ: دَنَسٍ)، وَنَشَاطاً فِي هُدًى، وَاعْتِصَاماً فِي شَهْوَةٍ، وَبِرّاً فِي اسْتِقَامَةٍ. لا يُغَيِّرُهُ مَا جَهِلَهُ، وَ لا يَدَعُ إِحْصَاءَ مَا عَمِلَهُ. يَسْتَبْطِئُ نَفْسَهُ فِي الْعَمَلِ، وَهُوَ مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ عَلَى وَجَلٍ. يُصْبِحُ وَ شُغْلُهُ الذِّكْرُ، وَ يُمْسِي وَ هَمُّهُ الشُّكْرُ. يَبِيتُ حَذِراً مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ، وَ يُصْبِحُ فَرِحاً لِمَا أَصَابَ مِنَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ. إِنِ اسْتَصْعَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِيمَا تَكْرَهُ، لَمْ يُعْطِهَا سُؤْلَهَا فِيمَا إِلَيْهِ تَشْرَهُ، رَغْبَةً فِيمَا يَبْقَى، وَزَهَادَةً فِيمَا يَفْنَى. قَدْ قَرَنَ الْعَمَلَ بِالْعِلْمِ، وَالْعِلْمَ بِالْحِلْمِ. يَظَلُّ دَائِماً نَشَاطُهُ. بَعِيداً كَسَلُهُ. قَرِيباً أَمَلُهُ. قَلِيلا زَلَلُهُ. مُتَوَقِّعاً أَجَلهُ. خَاشِعاً قَلْبُهُ. ذَاكِراً رَبَّهُ. قَانِعَةً نَفْسُهُ. عَازِباً جَهْلُهُ. مُحْرِزاً دِينَهُ. مَيِّتاً دَاؤُهُ. كَاظِماً غَيْظَهُ. صَافِياً خُلُقُهُ. آمِناً مِنْ جَارِهِ. سَهْلا أَمْرُهُ. مَعْدُوماً كِبْرُهُ. متينا صَبْرُهُ. كَثِيراً ذِكْرُهُ. لا يَعْمَلُ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ رِيَاءً، وَلا يَتْرُكُهُ حَيَاءً. الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ. إِنْ كَانَ بَيْنَ الْغَافِلِينَ كُتِبَ فِي الذَّاكِرِينَ، وَإِنْ كَانَ مَعَ الذَّاكِرِينَ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ. يَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَهُ، وَيُعْطِي مَنْ حَرَمَهُ، وَيَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ. قَرِيبٌ مَعْرُوفُهُ. صَادِقٌ قَوْلُهُ. حَسَنٌ فِعْلُهُ. مُقْبِلٌ خَيْرُهُ. مُدْبِرٌ شَرُّهُ. غَائِبٌ مَكْرُهُ. فِي الزَّلازِلِ وَقُورٌ، وَفِي الْمَكَارِهِ صَبُورٌ، وَفِي الرَّخَاءِ شَكُورٌ. لا يَحِيفُ عَلَى مَنْ يُبْغِضُ، وَ لا يَأْثَمُ فِيمَنْ يُحِبُّ، وَ لا يَدَّعِي مَا لَيْسَ لَهُ، وَلا يَجْحَدُ مَا عَلَيْهِ. يَعْتَرِفُ بِالْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يُشْهَدَ بِهِ عَلَيْهِ. لا يُضَيِّعُ مَا اسْتَحْفَظَهُ، وَلا يُنَابِزُ بِالأَلْقَابِ، وَلا يَبْغِي عَلَى أَحَدٍ، وَ لا يَغْلِبُهُ الْحَسَدُ، وَلا يُضَارُّ بِالْجَارِ، وَ لا يَشْمَتُ بِالْمُصَابِ. مُؤَدٍّ لِلأَمَانَاتِ. عَامِلٌ بِالطَّاعَاتِ. سَرِيعٌ إِلَى الْخَيْرَاتِ. بَطِيءٌ عَنِ الْمُنْكَرَاتِ. يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَفْعَلُهُ، وَ يَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَجْتَنِبُهُ. لا يَدْخُلُ فِي الأُمُورِ بِجَهْلٍ، وَلا يَخْرُجُ مِنَ الْحَقِّ بِعَجْزٍ. إِنْ صَمَتَ لَمْ يُعْيِهِ الصَّمْتُ، وَإِنْ نَطَقَ لَمْ يَعِبْهُ اللَّفْظُ، وَإِنْ ضَحِكَ لَمْ يَعْلُ بِهِ صَوْتُهُ. قَانِعٌ بِالَّذِي قُدِّرَ لَهُ. لا يَجْمَحُ بِهِ الْغَيْظُ، وَلا يَغْلِبُهُ الْهَوَى، وَلا يَقْهَرُهُ الشُّحُّ. يُخَالِطُ النَّاسَ بِعِلْمٍ، وَيُفَارِقُهُمْ بِسِلْمٍ. يَتَكَلَّمُ لِيَغْنَمَ، وَيَسْأَلُ لِيَفْهَمَ. نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ. أَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَتْعَبَهَا لإِخْوَتِهِ. إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ، لِيَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُنْتَصِرُ. يَقْتَدِي بِمَنْ سَلَفَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ قَبْلَهُ، فَهُوَ قُدْوَةٌ لِمَنْ خَلَفَ مِنْ طَالِبِ الْبِرِّ بَعْدَهُ. أُولَئِكَ عُمَّالٌ لِلَّهِ، وَمَطَايَا أَمْرِهِ وَطَاعَتِهِ، وَسُرُجُ أَرْضِهِ وَبَرِيَّتِهِ. أُولَئِكَ شِيعَتُنَا، وَأَحِبَّتُنَا، وَمِنَّا، وَمَعَنَا. آهاً..شَوْقاً إِلَيْهِمْ. فَصَاحَ هَمَّامُ بْنُ عُبَادَةَ صَيْحَةً وَقَعَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَحَرَّكُوهُ، فَإِذَنْ هُوَ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَاسْتَعْبَرَ الرَّبِيعُ بَاكِياً وَقَالَ: لأَسْرَعَ مَا أَوْدَتْ مَوْعِظَتُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِابْنِ أَخِي، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي بِمَكَانِهِ. فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، عليه السلام: هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوَاعِظُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا. أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ. قَالَ الراوي: فَصَلَّى عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، عليه السلام، عَشِيَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَشَهِدَ جَنَازَتَهُ وَنَحْنُ مَعَهُ.