الرضاعة الطبيعية تقلل الإصابة بمتلازمة الاستقلاب في منتصف العمر
دراسات عالمية أميركية ويابانية وأفريقية تتوصل إلى حقائق علمية مهمة
تعتبر متلازمة الاستقلاب (التمثيل الغذائي) metabolic syndrome من أخطر أمراض نمط الحياة المعاصرة، وهي عبارة عن زيادة قابلية الإنسان للإصابة بداء السكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الدهون مع زيادة الوزن، ومن ثم زيادة نسبة الإصابة مستقبلا بأمراض القلب والشرايين، مما يستوجب اتخاذ إجراءات جادة للحد منها ومن انتشارها.
تحدثت الى «الشرق الأوسط» الدكتورة منال خورشيد، استشارية طب أسرة، رئيسة لجنة تعزيز وتطوير برامج الرضاعة الطبيعية بجدة، منسقة برنامج الرضاعة الطبيعية بصحة جدة، مشيرة الى دراسة قام بها فريق من قسم النساء والولادة بمركز جاكوبي الطبي بكلية طب البرت انشتاين Albert Einstein College of Medicine ، نيويورك، تهدف إلى دراسة العلاقة بين مدة الرضاعة الطبيعية للأم المرضع ونسبة إصابتها بمتلازمة الاستقلاب.
شملت الدراسة 2516 امرأة في منتصف العمر، أي في سن الإنجاب، وجد أن %64.4 منهن قد قمن بالرضاعة الطبيعية بشكل متكرر، بحيث ان مدة الرضاعة كل مرة تتراوح بين (1.16 +/- 1.04 سنة)، وهن غير مصابات بمتلازمة الاستقلاب، بينما %21.3 مصابات بمتلازمة الاستقلاب لأنهن لم يرضعن طبيعيا، مع الأخذ بالاعتبار العوامل المؤثرة الأخرى مثل عمر الأم، التدخين، عدد الولادات السابقة، الحالة الاقتصادية، كتلة الجسم والوزن، العرق، مكان الدراسة، النشاط الحركي، نسبة السعرات الحرارية اليومية التي تتناولها الأم في غذائها. وبذلك وجد، عند تحليل ودراسة جميع هذه العوامل، أن هناك علاقة كبيرة بين التاريخ السابق للرضاعة الطبيعية المتعددة للأم، وقلة إصابتها بداء الاستقلاب بنسبة عالية جدا، وليس فقط تعدد الرضاعات السابقة، إنما أيضا مدة الرضاعة الطبيعية، حيث كلما زادت مدة الرضاعة الطبيعية، قلّت نسبة الإصابة.
وقد يعزى أسباب ذلك إلى أن الأم أثناء ممارستها للرضاعة الطبيعية المطلقة خلال الستة أشهر الأولى من عمر الرضيع، تفقد يوميا ما يقارب 800 سعر حراري مما يساعدها على إنقاص وزنها وفقد كميات كبيرة من الدهون المخزونة، خاصة عند اعتمادها في غذائها على وجبات صحية متكاملة تحتوي جميع احتياجاتها من العناصر الغذائية الأساسية وبكميات محددة وملائمة لاحتياجاتها.
* رضاعة «الساعة الأولى»
* ومن الدراسات الحديثة أيضا، والتي تدل على أهمية بدء الرضاعة الطبيعية خلال الساعة الأولى مباشرة بعد الولادة وعلاقتها باستمرارية الرضاعة الطبيعية المطلقة خلال الأربعة أشهر الأولى من عمر الرضيع، تذكر الدكتورة منال خورشيد الدراسة اليابانية بمدينة نكاساكي وكانت على شكل استبيان وزع على الأمهات أثناء مراجعة عيادة الطفل السليم خلال الشهر الرابع من عمر الرضيع، ووجد أن أكبر نسبة من الأطفال الذين رضعوا طبيعيا بصورة مطلقة إلى هذا العمر، وهو 4 أشهر، قد بدأت رضاعتهم طبيعيا خلال الساعة الأولى بعد الولادة، وأن من العوامل التي أدت إلى عكس ذلك الولادة القيصرية والأطفال الخدج والنزيف أثناء الولادة، مما أثر سلبا في استمرار الرضاعة الطبيعية المطلقة نظرا لتأخر البدء بالرضاعة الطبيعية بعد الساعة الأولى من وقت الولادة. ومن التوصيات التي طرحتها هذه الدراسة، المبادرة بالرضاعة الطبيعية خلال الساعة الأولى بعد الولادة مباشرة، لما فيه من فائدة عظيمة للأم والطفل.
* معوقات بدء الرضاعة معوقات البدء المبكر للرضاعة، توضحها الدكتورة منال خورشيد بالدراسة التي أجريت بالمستشفى الجامعي التعليمي في بورت هاركورت University of Port Harcourt Teaching Hospital بنيجيريا، حيث بينت الأسباب والعوامل التي تعيق البدء المبكر بالرضاعة الطبيعية بالمستشفيات وغرف الولادة خلال الساعة الأولى. وكان من أهمها التأخر بمساعدة الأم بعد الولادة مباشرة للرضاعة الطبيعية، خاصة الأمهات اللواتي يلدن بعملية قيصرية، بالرغم من إمكانية ذلك، ومن الأسباب أيضا روتين العمل بغرفة الولادة وقسم التنويم التي تتعارض مع المبادرة المبكرة للرضاعة الطبيعية، عدم وجود عدد كاف من العاملين وانشغالهم بتعبئة الاستمارات المختلفة كروتين من عملهم. لذا ننصح جميع المستشفيات، التي بها أقسام ولادة، بوضع بروتوكول ينص على وجوب مساعدة الأم حديثة الولادة للمبادرة بالرضاعة خلال الساعة الأولى بعد الولادة لما في ذلك من فوائد جمة تعود بالخير على الأم والطفل.
* فوائد الرضاعة المبكرة للطفل والأم
* فوائد الرضاعة المبكرة مباشرة خلال الساعة الأولى بعد الولادة للطفل الرضيع:
ـ تلاصق جلد الطفل بالأم مباشرة بعد الولادة للحصول على رضعته الأولى الطبيعية، يساعد في المحافظة على دفء الوليد، خاصة الطفل ناقص الوزن والخديج. هذه التدفئة تساعد على تنظيم ضربات قلب الرضيع وتنظيم تنفسه وأيضا تبعث هذه الوضعية الهدوء والسكينة في الرضيع.
- يحصل الرضيع بذلك على التحصينات الطبيعية الأولية الموجودة في لبن اللبأ، ويطلق عليه «السائل الذهبي» أو «هبة الحياة»، وهو غني بخلايا مناعية، أجسام مضادة للحساسية والالتهابات، يعمل 100 في المائة كتحصين أولي طبيعي للوليد، ولا يحمي من العدوى فحسب، وإنما يساعد جسم الرضيع على نمو جهازه المناعي. يحتوي أيضا على عوامل للنمو، تساعد أمعاء الرضيع على النمو والتطور مما يجعل من الصعب على البكتيريا والجراثيم ومواد الحساسية الدخول إلى جسم الرضيع، حيث وجد أن أمعاء الرضيع تسمح بمرور أي شيء من خلالها للدم، لكن نجد أن اللبأ يعمل طبقة داخلية تبطن جدار الأمعاء، وبذلك يعمل كحاجز يمنع المواد الغريبة من اختراق الأمعاء.
اللبأ أيضا غني بفيتامين إيه، الذي يساعد على حماية العين ويمنع العدوى. وللبأ مفعول ملين للبطن يساعد على نزول البراز الأولي من بطن الرضيع وتطهير أمعائه مما يساعد على طرد المادة الصفراء ويقلل نسبة إصابة الرضيع بالصفاري (اليرقان).
وحيث ان كمية اللبأ بسيطة، فقد يعتقد البعض أنها غير كافية لحاجة الرضيع، لكن هناك دراسة أثبتت أن سعة واستيعاب معدة الرضيع في اليوم الأول بعد الولادة هي 5 ـ 7 ملليلترات، أي توافق نفس كمية اللبأ التي تفرز في اليوم الأول.
- تحفز رضاعة «الساعة الأولى» الطبيعية بعد الولادة، افراز هورمون الأكسوتوسين الذي يساعد على زيادة انقباض الرحم (مما يساعد على ولادة وخروج المشيمة)، تقلل من إصابة الأم بالنزيف أثناء وبعد الولادة (مما يقلل من نسبة إصابتها بفقر الدم)، تساعد على تحفيز هورمونات أخرى تبعث للأم الشعور بالهدوء والسكينة والاسترخاء وتزيد إحساسها بحب الرضيع، وتساعد على استمرارية إدرار اللبن من الثدي.
ومن الفوائد للأم، سرعة التئام الجروح التي تسببها الولادة، سواء ولادة طبيعية أو قيصرية.
ولا يخفى أن هناك بعض الحالات التي قد تعيق الرضاعة المبكرة منها الولادة القيصرية، لكن إذا حصلت الأم على المساندة والدعم بعد زوال تأثير المخدر عنها، فسيمكنها المبادرة بالرضاعة الطبيعية، وهو أمر ليس مستحيلا كما يعتقد البعض.