في ستينات القرن العشرين كانت وكالات الاستخبارات الأمريكية تطور إصدارات واقعية من أسلحة البطريق المخبأة.
المصدر: إرم نيوز- حنين الوعري
في العام 1978، كان جورجي ماركوف في طريقه إلى عمله في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في لندن عندما شعر بلدغة حادة في فخذه، ورأى رجل من خلفه يقوم بحمل مظلة، واعتذر الرجل متحدثًا بلكنة أجنبية وسارع إلى سيارة أجرة نقلته بعيدًا.
في تلك الليلة أصيب ماركوف، الروائي المعارض المنشق من بلغاريا، بحمى ثم بعد أربعة أيام توفي إثر تسمم بمادة الريسين. وعثر الطبيب الشرعي على كرة صغيرة جدًا قطرها أقل من مليمترين في ساقه، لتنجح عملية اغتيال ماركوف السرية.
ووفقًا للتفاصيل التي تذكرها ماركوف قبل وفاته، وضع المحققون نظرية تفسر كيفية تعرضه لإطلاق النار، واعتقدوا أن المظلة ليست مظلة اعتيادية بل تم تحويلها إلى بندقية. فالبندقية المظلة بطبيعة الحال ليست النوع الوحيد من الأسلحة الخفية.
بنادق في أحمر الشفاه
وقال دايفيد فينك، وهو هاو لجمع الأسلحة من ولاية جورجيا لموقع أمريكي بهذا الاسم، متحدثا عن البنادق المخفية: “حاول الإنسان إخفاء الأسلحة النارية في كل شيء تقريبًا باستطاعتك تخيله”، حيث تمت تخبئة البنادق في علبة أدوية، وغلاف كتاب، وناي، وقلم رصاص، وعلبة بيبسي، وساعة جيب، وبنادق على الخواتم، وبنادق في مضخة هواء الدراجات وبنادق في أحمر الشفاه.
لكن يبدو أنه لا يوجد سلاح مخفي استحوذ على خيال الجواسيس والكتاب وأصحاب نظرية المؤامرة أكثر من “البندقية المظلة”. وكسلاح، يعتبر اختراعا ذكيا وماكرا، لكن منذ استخدامه لاغتيال ماركوف دخل عالم شهرة الأسلحة ذات الأثر في عالم السياسة.
واخترعت “البندقية المظلة” في القرن التاسع عشر كبديل عن بندقية عصا المشي الأكثر شهرة. وحصلت على براءة اختراع للمرة الأولى العام 1823، في ذلك الوقت كانت بنادق عصا المشي تعتبر أسلحة بسيطة متخفية لتبدو وكأنها عصا مشي عادية مصنوعة من القصب، وهو سلاح كان يميز النبلاء. واستخدمت “البندقية المظلة” الفكرة نفسها وطبقتها على قطعة شخصية أخرى وهي “المظلة”.
أقدم “بندقية مظلة”
ويعتقد أن أقدم مثال على بندقية مظلة موجود ضمن مجموعة فينك وتعود للعام 1860. وصنعت المظلة في لندن ووضع عليها علامة “أرمسترونغ ريج من صنع بريطاني. وكان مقبض البندقية يملك علامة خاصة باسم “ريتشارد غرينيل 1860”. ويعتقد أن غرينيل قد يكون مالكها الأول. أما عمود المظلة فهو في الواقع أنبوب بندقية.
ويملك فينك نوعا مختلفًا من بندقية مظلة ضمن مجموعته تعود للعام 1892. وفي هذا التصميم عمود المظلة ليس أنبوبًا للبندقية، وبدلًا من ذلك تحتوي المظلة على مسدس صغير ينزلق في العمود. ولإطلاق النار منه يجب سحب المسدس من خارج رأس المظلة.
ويسترسل هاوي جمع الأسلحة الأمريكي فينك قائلا “هاتان البندقيتان هما بنادق المظلة الأصلية الوحيدة التي رأيتها، وأنا أجمع البنادق منذ 50 عامًا، إلا أن معدل بقاء هذه الأمور على قيد الحياة متدن للغاية. وبإمكان البنادق أن تبقى حية لكن المظلات تندثر”.
وخلال النصف الأول من القرن العشرين، شهدت بنادق المظلات بعض التغييرات، ففي العام 1917 وصف برنامج “العلوم الشعبية” مسدس لعبة لدعاة السلام “يطلق مظلة بدلًا من إطلاق رصاصة”. وفي العام 1928 وصف برنامج “الميكانيك الشعبية” كيف يمكن تحويل مظلة قديمة إلى بندقية نابضة. وكان أشهر مستخدم للبندقية المظلة حتى السبعينات من القرن الماضي هو الشخصية الخيالية الشريرة التي ترتدي بذلة رسمية من رسوم كاريكاتير باتمان “البطريق”.
في أول ظهور له في العام 1941 في إحدى مجلات رسوم كاريكاتير “باتمان”، كان يحمل البطريق مظلة مع عمود أجوف، يستخدمها لسرقة القطع الفنية، وسرعان ما يكتشف الرجل الخيالي أن عدوه يملك مجموعة كبيرة من المظلات المبتكرة إضافةً لواحدة تطلق غازًا سامًا. وخلال جميع إصدارات مجلة باتمان، خبأ البطريق شتى أشكال الأسلحة في مظلاته بما في ذلك قاذف لهب وسلاح أوتوماتيكي رشاش.
أسلحة البطريق المخبأة
وفي ستينات القرن العشرين، كانت وكالات الاستخبارات الأمريكية تطور إصدارات واقعية من أسلحة البطريق المخبأة. ويشار إلى أن الــCIA صنعت بندقية مظلة صاعقة تطلق سهامًا سامة من طرفها على غرار المظلة التي استخدمت لاغتيال ماركوف.
وربما لم تكن تلك المظلة التي تدعى “المظلة البلغارية” بندقية من الناحية العملية، فلم تعمل من خلال إطلاق البارود. ويمكن أن تكون الكرة التي قتلت ماركوف قد أدخلت إلى ساقه باستخدام هواء مضغوط، أو إبرة تحت الجلد، أو أي أداة حقن أخرى. ويعتقد أن البندقية نفسها قد طورتها الاستخبارات السوفيتية لصالح جهاز المخابرات البلغاري.
كيف اغتيل جون كينيدي؟
وبعد أن اشتهرت قضية “الاغتيال بالمظلة”، حظيت البندقية المظلة قليلًا بنهضة في المخيلة الشعبية. فإحدى نظريات اغتيال الرئيس الأمريكي، جون كينيدي، ارتكزت على بندقية مظلة. وفي العام 1985، صنعت شركة اسمها “جاي ويلسون” نموذجا أنيقا للغاية.
وفي المسلسلات والأفلام، أصبحت بندقية المظلة سلاح قتل وتجسس أكثر شيوعًا؛ وفي الآونة الأخيرة، تم تجهيز الممثل البريطاني كولين فيرث ببندقية مظلة متعددة الوظائف عن دوره في فلم “كينغسمان: ذي سيكريت سيرفيس” الذي أطلق العام 2015. وبعيدًا عن الخيال، ما تزال بنادق المظلة تعتبر نادرة نسبيًا، على الرغم من أنه وبحسب موقع “SeattlePI” اتهم رجل في مدينة سياتل في ولاية واشنطن باستخدام بندقية “محشوةفي كم مظلة غولف من نوع نايكي” في العام 2014.وفي هذه المرحلة من تاريخ البندقية المظلة، تعد هذه حركة مبتذلة بدلًا من اعتبارها حيلة ذكية، إذا قام أي شخص مشتبه بتوجيه طرف مظلة تجاهك، ستعلم أن عليك الانتباه.