جميعنا نعلم أن المدنيين هم أكبر ضحايا الحرب السورية، إن لم يكونوا الضحية الوحيدة، وجميعنا نعلم أيضًا أن جميع وسائل الإنقاذ الرسمية من شرطة وإسعاف ومطافئ قد توقفت عن العمل، إلا أن ما يغيب عن ذهن معظمنا هو تواجد”ملائكة الرحمة” الذين يتدخلون بعد كل قصف لإنقاذ الأرواح التي يمكن إنقاذها، بينما يكتفي العالم بأسره بذرف دمعتين أو تغيير صورة بروفايله أو كتابة تعليق حزين على مواقع التواصل الإجتماعي قبل نسيان الموضوع أمام أول فيديو مسلٍ يظهر أمامه.
يجتمع هؤلاء الأبطال تحت غطاء منظمة “الدفاع المدني السوري” أو “الخوذ البيضاء”، التي ألقوا بانضمامهم إليها بكل ما يمكن أن يفرقهم أو يشير إليهم بأي صفة غير صفة “إنسان”، ليصبح الهدف الوحيد هو الوقوف في وجه أسلحة الموت المسلطة على أشخاص لا حول لهم ولا قوة، وإعادة حقهم في الحياة إليهم بغض النظر عن انتمائاتهم السياسية أو الطائفية أو الدينية، حيث وصل عدد الأرواح التي تم إنقاذها إلى ما يقارب ثمانين ألف شخص منذ سنة 2013.
نعم، يبدو الأمر بطولياً وشهماً، وربما قد تتخيل أثناء قراءتك لهذه السطور عددًا من الشبان الأقوياء المدربين الذين يظهرون من العدم لأداء مهمة نبيلة ثم يختفون كالأبطال الخارقين، وقد تتهمني بالمبالغة، كعدد كبير من الأشخاص الذين يرون أن لا شيء بريء، وأن هناك هدفاً شريراً خفياً وراء هذه المنظمة.
لإيصال الصورة الحقيقية لعمل هذه المجموعة من الأشخاص، تم صنع فيلم وثائقي قصير مدته أربعون دقيقة، يعرفنا على خفايا مهمات الإنقاذ وصعوبتها، ويصور لنا ويلات الحرب بعيون محايدة لا تلوم أحد الأطراف دون الآخر، وبشكل مدهش، لم يتمكن هذا العمل السينمائي من تحقيق النجاح الذي يستحقه فقط، بل أنه تمكن بجدارة، من حجز مكان له بين ترشيحات الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي قصير لسنة 2016.
ويتميز هذا العمل عن غيره من الأعمال المرشحة لكافة التصنيفات بشيء أساسي، وهو أن هذا الفيلم هو الوحيد الذي تجاوزت تكلفة إنتاجه الكلفة المالية لتصل إلى الكلفة البشرية، حيث وضع الأشخاص القائمون على تصوير فيلم The White Helmets حياتهم على حافة الخطر المحقق من أجل تصويره، وعلى رأسهم الشاب “خالد خطيب”.
صورة لخالد خطيب بعد دقائق من حدوث قصف تمكن من النجاة منه
بدأت القصة عندما تطوع “خالد” للمنظمة المذكورة، وبعد فترة من العمل قرر التحول من منقذ إلى مصور مهمات الإنقاذ ومن ثم نشرها على موقع يوتيوب بهدف تعريف العالم بما يجري على الأراضي السورية، وهو الأمر الذي أثار المخرج السينمائي البريطاني “أورلاندو فون إنزيديل”، الذي سبق أن ترشح فيلمه Virunga للأوسكار سنة 2014 ، عندما شاهد فيديو لعملية إنقاذ رضيعة من تحت الأنقاض، ليقرر صنع فيديو عن الأشخاص المسؤولين عن هذه العمليات، وبعد عدة تعقيدات ومحاولات للتصوير داخل سوريا، توصل طاقم العمل إلى أن الأمر أقرب إلى المستحيل، وهو ما أدى بالتفكير في حل مختلف، وهو التواصل مع “خالد” الذي يقوم بالفعل بتصوير هذه العمليات، حيث قامت جمعية خيرية أخرى بنقل الشاب إلى تركيا حيث تم تزويده بمعدات تصوير متطورة من طرف المخرج الذي طلب منه مواصلة مهمته على الوجه الطبيعي، لكن هذه المرة بجودة تصوير أعلى.
وهكذا، عاد خالد إلى حلب حيث استمر في تصويره الذي عرض من أجله حياته للخطر، وذلك بسبب تعرضه وزملائه لقصف مضاعف كاد يودي بحياتهم، علما أن ما يفوق 130 متطوعاً من المنظمة قد فقدوا أرواحهم في محاولاتهم لإنقاذ الآخرين.
وقد تم استخدام المقاطع التصويرية التي التقطها خالد في صنع فيلم The White Helmets ،الذي عُرض على شبكة نيتفليكس قبل أن يتمكن من الوصول إلى العالمية بفضل الترشح المستحق ،الذي ناله وتلقاه خطيب بدهشة شديدة قائلا : أنه لم يتخيل لوهلة واحدة أن هذا الفيلم قد يصل إلى الأوسكار.
وبهذا استطاع هذا الشاب السوري، الذي لم يتجاوز عمره الواحد والعشرين سنة من تحقيق حلمين اثنين، الأول هو حلمه بأن يصبح مصوراً صحفياً منذ أن كان مراهقًا، أما الحلم الثاني فهو أن يتمكن من أن يلفت أنظار العالم لحقيقة الأوضاع في سوريا ولعمل زملائه الذي يستحق التحية والاحترام من البشرية جمعاء.
إذا كنت لم تشاهد الفيلم بعد فما الذي تنتظره ؟ أما إذا كنت قد شاهدته فما رأيك به ؟ شاركونا في التعليقات.