في مارس من العام الماضي، وفي إحدى غرف مستشفى ميامي في الولايات المتحدة، رحلت المعمارية العراقية، زها حديد متأثرةً بنوبة قلبية ألمت بها بشكل مفاجئ تاركةً خلفها شهرةً واسعةً وسجلاً كبيراً من التُحف المعمارية التي صممتها حول العالم.
كيف توزع 85 مليون دولار؟
حديد لم تترك خلفها تصاميمها وجوائزها الكثيرة فقط بل خلفت ثروةً تناهز 85 مليون دولار، دفعت 4 ملايين منها كديون.
ووفقاً لتقرير نشرته جريدة التلغراف البريطانية فإن حديد قد تركت ثروتها بعهدة أمناء أربعة وهم مساعدها التنفيذي "باتريك شوماخر " والفنان "بريان كلارك" و"اللورد بالمبو" وهو شخصية بارزة في عالم المال والفنون في بريطانيا وإبنة أخوها المعمارية "رنا حديد".
سيشرف الأربعة على توزيع التركة على المستفيدين وهم أفراد عائلتها وموظفو مكتب زها حديد الحاليين والسابقين والذين يسنضمون للمجموعة في المستقبل.
كما سيخصص جزءاً من المال للمنظمات الخيرية وجزء آخر لمؤسسة زها حديد، التي أنشئت للاهتمام بالمعمار وتنظيم معارض لأعمال حديد. ويعتقد أنها تركت تعليمات خاصة للأمناء بشأن توزيع المال لم يفصح عنها.
لم تكن حديد متزوجة ساعة وفاتها كما أنها لم تنجب أبناءً. وقد خصصت في وصيتها 600 ألف دولار لكل من شقيقها هيثم وابنيه حسين ورنا، فيما سيحصل ابني أخيها نك وليامز وتالة على 120 ألف دولار لكل منهما.
وسيحصل، المدير المعماري لشركة حديد، باتريك شوماخر، الذي يعرف بأنه "اليد اليمنى لحديد" على 600 ألف دولار، وفقاً لوصيتها، وهو الوحيد الذي يستفيد من ثروة زها، من خارج العائلة.
وكان شوماخر قد أثار جدلاً واسعاً بتصريحاته في نوفمبر 2016 التي دعا فيها " إلى التخلي عن الإسكانات المحلية، وإغلاق مدارس الفن، والبناء فوق حديقة هايد بارك"
إبنة الموصل في الجامعة الأمريكية
ما تركته زها حديد من مال لا يعدو شيئا قياساً لإرثها المعماري. فقد فرضت نفسها كواحدة من أهم العاملين في مجال الهندسة المعمارية عالمياً، من خلال تصميماتها وعلامتها التجارية القائمة على الرؤية الحسابية من البنايات المنحنية.
ويظهر ذلك في الإنشاءات التي صممتها حول العالم ومن أبرزها مركز لندن للرياضات المائية والذي خصص للألعاب الأولمبية التي أقيمت في العاصمة البريطانية عام 2012 ونال إشادات واسعة حول العالم.
الفتاة الموصلية الأصل، البغدادية المولد في عام 1950، وابنة محمد حديد وزير المالية العراقي في عهد عبد الكريم قاسم، تأثرت ببيئتها العراقية الزاخرة بالتاريخ والمعمار منذ الطفولة.
وانجذبت في شبابها في الجامعة الأمريكية ببيروت، حيث درست الرياضيات، بالمدرسة التفكيكية، التي جاءت كثورة على الأنماط المعمارية الكلاسيكية.
وقد بدى ذلك جلياً في الأشكال المستطيلة والأشكال شبه المنحرفة، والسطوح والمقاطع المتعرجة التي تميز تصاميمها، التي لا تعترف بالانسجام والوحدة وتعتمد خامات جديدة كالمعدن والزجاج وتزمج الرسم والنحت في المعمار.
بعد حصولها على الليسانس في الرياضيات عام 1971، واصلت حديد تعليمها في معهد الهندسة البريطاني في لندن وتخرجت في عام 1977. لتبدأ رحلتها الاحترافية رفقة أستاذها المعماري الهولندي روم كولهاس.
ثم أسست شركتها الخاصة، التي بلغت أرباحها 48 مليون جنيه إسترليني إلى حدود أبريل 2015، وتوظف 372 مهندساً وموظفاً.
أحب الأعمال إلى قلبها
ومن تصاميمها الشهيرة أيضاً ملعب الوكرة المصمم لألعاب كأس العالم لكرة القدم الذي ستستضيفه قطر عام 2020 ومركز حيدر علييف الثقافي في باكو بأذربيجان والتحفة الفنية "Dongdaemun Design Plaza" وهو مركز ثقافي في العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول وأوبرا دبي.
وأحب الأعمال إلى قلبها، متحف القرن الواحد والعشرين الوطني في العاصمة الإيطالية روما، وهو مخصص للأعمال الفنية المعاصرة، وقد تم افتتاحه في 2010.
كما تركت حديد تصاميم مازال بعضها قيد الإنجاز مثل جسر أبو ظبي بالإمارات ومحطة إطفاء الحريق بألمانيا. وتصاميم أخرى ستشيد قريباً كالمبنى العائم بدبي والمسرح الكبير في الرباط.
ولا تشمل أعمالها فقط البُنى التحتية والأبنية، بل تضمنت المجوهرات والأثاث والأحذية.
جوائز كثيرة "للقوة المؤثرة في عالم الهندسة"
حازت زها حديد على شهرةً واسعةً جعلتها أهم مهندسة معمارية في العالم. كما حصلت على عديد الجوائز، فقد حصلت على جائزة "سترلينغ" لسنتين على التوالي 2010 و2011، التي تمنح لأحسن التصاميم المعمارية في العام، وجائزة ماكسي في روما عام 2011، لتصميمها مدرسة إيفلين غريس في بريكستون، في بريطانيا.
وقبل ذلك حازت في عام 2004 الجائزة المعمارية المرموقة "برتزكر"، وهي أول امرأة تنال هذه الجائزة. كما تلقت في عام 2015 على الميدالية الذهبية للعمارة، التي يمنحها المعهد الملكي للهندسة المعمارية، الذي وصفها بأنها "قوة رائعة مؤثرة في عالم الهندسة المعمارية". ونالت وسام برتبة "فارس" من الملكة اليزابيث الثانية بمناسبة عيد ميلادها الرسمي في عام 2012.