في العصر الأموي الأول .. عاش ( الدارمي ) وهو أحد الشعراء والمغنين الظرفاء في الحجاز، وكان يتشبب ( يتغزل ) بالنساء الجميلات، إلا أنه عندما تقدم به العمر ترك نظم الشعر والغناء وتنسك وأصبح متنقلاً بين مكة والمدينة للعبادة .. وفى إحدى زياراته للمدينة التقى بأحد أصدقائه وهو من أهل الكوفة بالعراق يعمل تاجراً ، وكان قدومه إلى المدينة للتجارة ويحمل من ضمن تجارته ( خُمُر عراقية ) بضم الخاء والميم ومفردها خمار بكسر الخاء .. وهو ما تغطى به المرأة رأسها ، ويعرف حاليا عند النساء ( بالمسفع أو الشيلة ) ، فباع التاجر العراقي جميع الألوان من تلك الخمر ما عدى اللون الأسود ، فشكا التاجر لصديقه الشاعر ( الدارمي ) عن عدم بيعه اللون الأسود .. ولعله غير مرغوب فيه عند نساء أهل المدينة ..
فقال له : ( الدارمي ) لا تهتم بذلك فإني سأنفقها لك حتى تبيعها أجمع ، ثم نظم ( الدارمي ) بيتين من الشعر و تغنى بهما كما طلب من مغنيين بالمدينة وهما ( سريح وسنان ) أن يتغنوا بالبيتين الذي قال فيهما :
قل للمليحة فى الخمار الأسود .... ماذا فعـــلت بناســــك متعبد
قد كان شمـــر للصـــلاة ثيابه .... حتى وقفت له بباب المسجد
أضاف إليها أحدهم بيتين آخرين هما :
فســـلبت مـنه دينــه ويقــينه .... وتركته فى حيرة لا يهتدي
ردي عليه صلاته وصيامه .... لا تقــتليه بحــق دين محمد
فشاع الخبر فى المدينة بأن الشاعر ( الدارمي ) رجع عن تنسكه و زهده وعشق صاحبة الخمار الأسود ، فلم تبق مليحة وعشق صاحبة الخمار الأسود ، فلم تبق مليحة إلا اشترت من التاجر خمارا أسوداً لها ..
فلما تيقن ( الدارمي ) أن جميع الخمر السوداء قد نفذت من عند صديقه ترك الغناء ورجع إلى زهده وتنسكه ولزم المسجد ، فمنذ ذلك التاريخ حتى وقتنا الحاضر والنساء يرتدين أغطية الرأس السوداء ولم يقتصر هذا على نساء المدينة وحدهن
بل قلدهن جميع النساء فى العالمين العربي والإسلامي .