بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على اشرف الخلق اجمعين محمد واله الطاهرين
...هذه هي فوائد القرآن . وهي بالذات الاسباب التي تدعونا الى التدبر فيه . لان القرآن لا يفيد الا من عمل به .. ولا يعمل به سوى الذي يتدبر فيه فيفهم .
بل ان التدبر في القرآن هي الوسيلة الوحيدة للعمل به . اذ ان الله تعالى اودع كتابــه الكريم - نورا يهدي البشر الى ربه العظيم . فيؤمن به - وبعد الايمان يطبق شرائعه ، من هنا ليس على الانسان سوى امر واحد هو الانفتاح على القرآن . و استعداد التفهم له . وهذايكون بالتدبر فيه .
يقول الله سبحانه :
" .. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل الســــلام و يخــرجــــهم مــــن الظلمـــــات الـــى الــــنور بأذنــه و يهديهم الى صراط مستقيم " ( 16 / 5)ان القرآن ذاته نور ، وليس علينا امام النور الا ان نفتح ابصارنا لنراه ، و نرى به الاشياء جميعا .
و التــدبر فــي القرآن . لا يعني تحميل آياته الكريمة ، آراء و افكارا اضافية كلا . بل التسليم لعلوم القرآن , و التأمل في معاني آياته و تبصر الحياة عبرها ، و السعي نحو فهم حقائق الطبيعة ، و آفاق النفس بها .
وهنا يكمن الفرق بين تفسير القرآن بالرأي الذي نهى عنه الدين أشد النهي . وبين التدبر في القرآن الذي أكد عليه الدين أشد تأكيد .
وقد اختلط على البعض هذان الامران . فحجب عن نفسه نور الفرقان زاعما انه فوق مستواه .
بلى ان البشر لا يرقى الى مستوى القرآن ، ولكن شعاعه كما الشمس لا تزال تشرق على العيون البصيرة . فمن احتجب عنه باتباع هوى . او تفسير برأي ، فقد ضل عنه ومن سلم له ، و فرغ قلبه من كل فكرة سابقة حين يقرأه ، فان الله يهديه سواء السبيل .
يقــول العلامــة الطبرسي وهو يشرح الفرق بين التفسير بالرأي و التدبر في الذكر .
و اعلم ان الخبر قد صح عن النبي (ص) وعن الائمة القائمين مقامه ( ع) ان تفسير القرآن لا يجوز الا بالاثر الصحيح ، والنص الصريح ، و روت العامة ايضا عن النبي (ص) انه قال من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ ، قالوا و كره جماعة من التابعين القول في القرآن بالرأي كسعيد بن المسيب و عبيدة السلماني و نافع و سالم بن عبد الله و غيرهم والقول في ذلك ان الله سبحانه ندب الى الاستنباط و أوضح السبيل اليه و مدح أقواما عليه فقال لعلمه الذين يستنبطونه منهم و ذم اخرين على ترك تدبره و الاضراب عن التفكر فيه فقال افلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها و ذكر ان القرآن منزل بلسان العرب فقال انا جعلناه قرآنا عربيا ، وقال النبي (ص) اذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فاقبلوه وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط فبين أن الكتاب حجة و معروض عليه وكيف يمكن العرض عليه وهو غير مفهوم المعنى فهذا وأمثاله يدل على ان الخبر متروك الظاهر فيكون معناه ان صح ان من حمل القرآن على رأيه ولم يعمل بشواهد الفاظه فأصاب الحق فقد أخطأ الدليل وقد روي عن النبي (ص) انه قال القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على احسن الوجوه و روي عن عبد الله بن عباس انه قسم وجوه التفسير على اربعة اقسام تفسير لا يعذر احد بجهالته و تفسير تعرفه العرب بكلامها وتفسير يعلمه العلماء و تفسير لا يعرفه الا الله عز وجل ، فأما الذي لا يعذر أحد بجهالته فهو ما يلزم الكافة من الشرائع التي في القرآن و جمل دلائل التوحيد ، وأما الذي تعرفه العرب بلسانها فهو حقائق اللغة و موضوع كلامهم ، وأما الذي يعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه وفروع الاحكام ، وأما الذي لا يعلمه الا الله فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة . (1)(1) مجمع البيان في تفسير القرآن / ج 1 / ص 13