مصير الشمس في ضوء القرآن
صورة تخيلية للشمس عندما تصبح عملاقا أحمر
لتبيد كل ما على وجه الأرض.
عرض القرآن الكريم لأهوال نهاية العالم في صور بيانية تعكس الحقيقة بتلطف؛ والتي بالكاد أوشكت أن تدركها الفيزياء الفلكية اليوم، وفي قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ [الرحمن: 37]، المعنى المتبادر أن يُفْسِح جو الأرض والمعهود بالزرقة حين يبدأ في التفسخ والتلاشي عن كتلة حمراء ضخمة ملتهبة تتأجج وتغطي معظم السماء بدلا عن الشمس؛ أشبه في اللون والتضخم بوردة حمراء تتفتح، وفي الالتهاب والسيولة واللمعان والتموج بزيت الدهان وهو يتأجج على النار، ونطالع في التصورات العلمية المتوقعة لمصير الشمس؛ أنها ليست من الضخامة بحيث تنتهي إلى ما يسمى فيزيائيًّا ثقب أسود Black Hole، أو إلى ما يُسمى نجم نيوتروني Neutron Star؛ وإنما تنتفخ وتتحول إلى عملاق أحمر Red Giant من شدة الحرارة، يبلغ قطره من 15 إلى 45 مرة مثل قطر الشمس حاليًّا، ويعادل لمعانه حوالي مائة مرة أو أكثر مثل لمعان الشمس، ويبتلع في طريقه ما يجاوره، والحد الذي يُحدد مصير النجم بعد انفجاره قيمته 1.4 قدر كتلة الشمس (حد تشاندراسيخار)، يتحول النجم دونه لقزم أبيض؛ وهذا هو حال الشمس، وفي المقابل يعرض القرآن الكريم لمشاهد تُكْمِل الصورة؛ كإبادة الكواكب وجمع الشمس والقمر وانشقاق الجو لينفتح المشهد على عملاق أحمر ينتفخ من شدة الانفجار ويدفع بألسنة النار في كل صوب مثل وردة حمراء تتفتح أوراقها؛ وكزيت الدهان يتأجج ناثرًا قطرات حارقة، وتقترب الشمس فتطال الأرض وتصهِر كل ما عليها.
صورة تخيلية للشمس في الأعلى عندما تتفجر
وتصبح عملاقا أحمر ووردة حمراء في الأسفل.
وتنفجر الأرض وتطرح ما فيها من أثقال وتتخلى عن كل ما عليها، وتُمحى كل مظاهر الحياة، ولا وجود حينئذ لبشر يُشاهد، فخلى الوصف من المُشَاهد، وفي الختام تنكمش الشمس وتُطوى كلفافة وتُكَوَّر لتصبح قزمًا أبيض White Dwarf ثم تموت، ويمنح السياق فسحة كبيرة لتتصور المخيلة ما لم تُصَرِّح به الكلمات من مشاهد القدرة المفزعة؛ التي أحالت كل العالم خراب!.
وقبل اكتشاف علم الفيزياء الفلكية حديثًا لحياة النجوم ومصيرها خاصة الشمس؛ بذل المفسرون الأعلام الفضلاء (رحمهم الله تعالى جميعًا) غاية جهدهم في تصور تفاصيل حدث رهيب لم يألفه بشر، فانتزعوا وُجُوهًا تكاد تُنَاظر تصور الفيزياء، ويؤخذ من كلامهم الأشبه بالاتفاق ما يعني تحول مشهد السماء المحيطة بالأرض إلى الحمرة والتموج كالزيت من شدة الحرارة، قال المراغي: "{ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ } (سورة الرحمن 37) أي.. احمرَّ لونها وأذيبت حتى صارت كأنها الزيت"، وقال الخطيب: "هذه السماء التي تبدو في لونها الأزرق؛ تأخذ.. لونا ورديا.. أحمر..، و(كالدهان).. هو الشحم حين يُصْهَر". وقال ابن عاشور: "(فَكانَتْ وَرْدَةً) تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ؛ أَيْ كَانَتْ كَوَرْدَةٍ، وَالْوَرْدَةُ وَاحِدَةُ الْوَرْدِ، وَهُوَ زَهْرٌ أَحْمَرُ.. مَشْهُورٌ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ.. شِدَّةُ الْحُمْرَةِ"، "حِينَ يَنْفَتِحُ بِرْعُومُهَا"، "أَيْ يَتَغَيَّرُ لَوْنُ السَّمَاءِ.. فَيَصِيرُ لَوْنُهَا أَحْمَرَ.. "و(الدِّهَانُ).. الزَّيْتِ..؛ تَشْبِيهٌ.. فِي التَّمَوُّجِ وَالْاِضْطِرَابِ". وقال محيي الدين درويش: "التشبيه تمثيلي.. مُرَكَّب.. من.. صورة السماء منشقة، وصورة الوردة، ثم صورة الدهان.. عملت فيه النار فاشتعل"، وقال القاسمي: "أي كلون الورد الأحمر، و كالدهن.. في.. ذوبانه". وقال أسعد حومد: "تَتَصَدَّعُ.. وَيَحْمَرُّ لوْنُها وَتَذُوبُ حَتَّى لَتَصِيرُ وَكَأنَّها الزَّيتُ المُحْتَرِقُ". وقال الزحيلي: "تبددت وصارت كوردة حمراء وذابت". وقال الشنقيطي: "قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّهَا يَصِلُ إِلَيْهَا حُرُّ النَّارِ فَتَحْمَرُّ مِنْ شِدَّةِ الْحَرَارَةِ..، وتَذُوبُ وَتَصِيرُ مَائِعَةً، وهذا قَدْ أَوْضَحَهُ اللَّهُ.. فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ } (سورة المعارج 8)، وَالْمُهْلُ شَيْءٌ ذَائِبٌ..؛ يُشْبِهُ الْمَاءَ شَدِيدُ الْحَرَارَةِ..، كما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ } (سورة الكهف 29)"، "أَمَّا تَشَقُّقُ السَّمَاءِ.. فَقَدْ بَيَّنَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ.. كَقَوْلِهِ تَعَالَى..: { وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } (سورة الحاقة 16)، وَقَوْلِهِ: { إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } (سورة الِانْشقاق 1)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ } (سورة المرسلات 9)، فَقَوْلُهُ فُرِجَتْ: أَيْ شُقَّتْ، فَكَانَ فِيهَا فُرُوجٌ؛ أَيْ شُقُوقٌ كَقَوْلِه.. تَعَالَى: { وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا } (سورة النبأ 19)"؛ وفيها قرائن على أن السماء المقصودة كانت في الدنيا سقفا محفوظا يحجز بقوة أخطارًا علوية، فتشققت وانشقت وفُرِجَت وصارت أبوابًا ومنافذ لتلك الأخطار، وأصبحت واهية عن دفعها؛ فيستقيم حمل انشقاق السماء على تبدد الجو المحيط بالأرض، قال أحمد حطيبة: "{ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ } (سورة التكوير 11)؛ أي تكشط.. وتزول". وقال سيد قطب: "(وردة كالدهان) وردة حمراء سائلة كالدهان.. والآيات التي وردت في صفة الكون حينئذٍ تشير كلها إلى وقوع دمار كامل..، منها: { إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا } (سورة الواقعة 4 - 6)..، { فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ } (سورة القيامة 7 - 9)..، { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ } (سورة التكوير 1)..،{ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } (سورة الِانْشقاق 1 - 4)، "فهذه الآيات كلها تنبئ بأن نهاية عالمنا هذا ستكون.. مُرَوِّعَة".
وهكذا ضُرِبَت بالقرآن الأمثال في سالف الزمان من البيئة العربية مهبط الوحي، ولا يغيب التَلَطُّف في البيان لحقائق علمية كشفت معناها الأيام؛ تصديقًا لقوله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ. وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: 87-88]، وقوله تعالى: ﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: 67]، وقوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ [النمل: 93]، وتَحَقَّق وعد مؤكد؛ قد أوضح مجاله العلمي قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت: 53].