حدائق إسطنبول.. أيقونات جمال في جغرافيا الكون (الجزء الأول)
تقرن إسطنبول بعبق التاريخ وأسماء العظماء والسلاطين الذين مروا عليها أو وضعوا لمستهم على جدرانها وأرصفتها. كما تقرن بجمال طبيعتها الأسطوري الذي يجسد عظمة الخالق , حيث يتعانق البحر والبر تقع إسطنبول الجوهرة في جغرافيا الكون بمعالمها الأثرية ومناظرها الطبيعية الساحرة. وخاصة حدائقها التي تحتضن كل زائر بشغف لا يمكن مقاومته.
نحاول في هذه السطور أن نعرفكم على أشهر حدائق ومنتزهات إسطنبول.
جولهانة
واحدة من أقدم الحدائق العامة والأكثر اتساعاً في إسطنبول. زيارتها لا تعني فقط تمتعك بأجمل المناظر الطبيعية من الزهور والنباتات والأشجار وإطلالة ساحرة على البوسفور، بل تعني أيضاً عودتك إلى التاريخ، وتحديداً إلى عصر السلاطين، فقد كانت هذه الحديقة جزءاً من الحديقة الخارجية لقصر توبكابي مخصصة للسلطان وحريمه وكبار الشخصيات، قبل أن تفتتح للعامة في عام 1912 كمنتزه للسكان المحليين وملاذاً يقدم الراحة مع الاستقبال الحار للسياح القادمين إلى إسطنبول.
تقع جولهانة في منطقة “إيمينونو” وتمتد إلى منطقة السركجي، وهي رائعة بكل تفاصيلها، حيث تحتوي أنواع مميزة من الأشجار المعمرة بعضها يعود إلى القرن التاسع عشر، والنباتات والأزهار، والسهول المكسوة بأشجار الدلب اليانعة كما تضم الكثير من المقاهي والملاعب.
في عام 1926 زيّنت الحديقة بأول تمثال لأتاتورك منحوت من قِبَل “هاينريش كريبل”، كما ستجد فيها متحف تاريخ العلوم التقنية الإسلامية في الطرف الغربي والذي افتتح في مايو 2008 م ويضم 140 اختراع ومعظمها يعود لما بين القرنين الثامن والسادس عشر تخص الفلك والكيمياء والهندسة والعمارة والفيزياء. أما في حافتها الجنوبية ستجد بوابات كبيرة تفضي إلى قصر توبكابي.
يخدّم الحديقة عدد من أكشاك بيع الوجبات الخفيفة والمشروبات والآيس كريم، كما تضم في الطرف الشمالي منها مقهى يوفر مناظر وإطلالات رائعة على البوسفور وبحر مرمرة.
كما توفر الحديقة عدداً من الطاولات والمقاعد للراغبين بأخذ قسط من الراحة والسكنية، والاستمتاع بمراقبة الطيور الجاثمة على البرك المائية المنتشرة في الأرجاء أو المحلقة في الساحات على علو مرتفع.
ييلديز
ولتستمر جولتك في رحاب التاريخ وروعة الحاضر وبين أحضان الطبيعة، لا تتوانى عن زيارة حديقة ييلديز في منطقة “تشيكتاش” على ضفاف البوسفور.
عرفت ييلديز تاريخياً بـاسم “غابات الغار”، وكانت جزءاً من حديقة قصر “ييلديز” في عهد السلطان عبد الحميد الثاني الذي عاش في القصر لفترة طويلة، وكان مغرما ببناء وتنسيق الحدائق، حيث تم إنشاء هذه الحديقة الجميلة حول القصر، بمساحات كبيرة، وبتنسيق من مهندسين، ومعماريين، ومزارعين، خبراء، أضافوا لمساتهم السحرية، ووضعوا النوافير المائية، والأنهار الصناعية الجارية، والبحيرات، وزرعوا الأشجار والزهور وكانت الحديقة آنذاك مسورة، ومخصصة فقط لسكان القصر. إلا أنها في عصر سليمان القانوني أصبحت أراضي الصيد الخاصة به، ثم في عصرنا الحالي أصبحت حديقة عامة.
لا تزال تتزين الحديقة بالبحيرات الاصطناعية والنوافير، والزهور والنباتات وما يقارب 120 نوع من الشجيرات والأشجار بعضها لا يتواجد إلا في حديقة “ييلدز” وتم جمعها من كل جزء من العالم ومنها: الصنوبر، والأرز، والتنوب، والمظلة الصينية، والخزامة الأمريكية، والتوت العجمي، ، ويعود بعضها إلى العصر العثماني. ومن الجهة اليمنى للحديقة، بحيرة صغيرة، تتلاعب بداخلها الأسماك، ويسبح بها صفوف من البط، بأحجام مختلفة، وبمشهد رومانسي وممتع.
وفي أعلى الربوة في الحديقة، يقع مطعم القصر، الفخم بديكوراته الرائعة، وطاولاته، وزخارفه. ويوفر إطلالة مدهشة للبوسفور، ويطل الجزء الأخر منه على جزء كبير من الحديقة، بمشهد ممتع، وتستطيع من خلاله مشاهدة الأشجار النادرة والكثيفة، تتشابك مع بعضها البعض، كأنها غابات الأمازون. كما يقدم المطعم مأكولات تركية شهية.
لذا تعد حديقة ييلديز مكاناً مناسباً للتنزه وقضاء أمتع الأوقات والتقاط الصور التذكارية لرحلة من العمر لا تنسى.