20 يناير,2017
عندما يتعلق الأمر بمصطلح الرهاب (فوبيا) فقد ازداد الوعي به مؤخراً وأصبح من النادر النقاش حول مدى فهمه. إلا أن الطب لم يعط اهتماماً للأشكال غير المنطقية من الخوف حتى نهايات القرن التاسع عشر بعد التشخيص الأولي لـ “الأجروفوبيا” (الخوف من الأماكن العامة)، على يد الطبيب الألماني كارل ويستفال عام 1871.
حيث تمكن ويستفال من حل اللغز وراء الخوف الذي يتملك ثلاثة رجال ناجحين في حياتهم العملية عند عبور الأماكن المفتوحة بوسط المدينة، ورغم وعيهم بعدم منطقية خوفهم إلا أنهم عاجزون عن تجاوزه.
وسرعان ما تبنت الأوساط الطبية والثقافية الطرح القائل بأن بعض الأفراد قد يُبتلون بمشاعر الخوف لأسباب يتعذر تفسيرها رغم عقلانيتهم ومنطقيتهم. وفي كتابه “دراسة جينية للخوف الزائف”، المنشور في الدورية الأميركية للطب النفسي عام 1914، أدرج جي ستانلي هول 136 نوعاً من الخوف المرضي وألحق بهم أسماءهم اليونانية واللاتينية.
وتتدرج هذه الأنواع من أنماط عامة كالأجروفوبيا و الكلستروفوبيا (رهاب الاحتجاز) والهابتوفوبيا (رهاب التلامس)، إلى أشكال دقيقة للغاية مثل: أماكوفوبيا (رهاب العربات)، بترونوفبيا (رهاب الريش). كما تضم أنواعاً تبدو أنها تنتمي إلى العصور الملكية كالهابجايفوبيا (رهاب المسؤولية). وبالطبع كان هناك أيلوروفوبيا (رهاب القطط).
المصابون برهاب القطط يعرفون أماكنها دون رؤيتها!
جذب أحد أنواع الرهاب، وهو أيلوروفوبيا (رهاب القطط)، انتباه الأطباء والعامة، حتى أن بعض الأطباء كتبوا عنه على صفحات المجلات المشهورة. ومن هؤلاء الأطباء جراح الأعصاب سيلاس ميتشل، الذي أعاد صياغة ورقة بحثية نُشرت في معاملات جمعية الأطباء الأمريكية عام 1905 وفي مجلة “ليدز هوم جورنال” الشهيرة عام 1906، وأعطاها العنوان الأشهر “الخوف من القطط”.
واحتذى ميتشل بهال في آلية الاستبيانات مستكشفًا بذلك الأسباب المحتملة وأشكال رهاب القطط. واهتم أيضاً بقدرة بعض المصابين بهذا الرهاب على اكتشاف وجود أي قط فى الغرفة دون رؤيته، حيث قام بتطبيق بعض التجارب العملية حول هذا الأمر، وتقوم إحدى التجارب على إغواء القط ببعض الكريمة وإخفائه في خزانة ثم إدخال شخص يعاني من الرهاب لمعرفة مدى شعوره بوجود الغريب من عدمه دون أن يراه أو يشم رائحته.
كان متشككاً من الأمر في البداية، إذ إن الفتاة التي تعاني من رهاب القطط والتي ادعت أنها تعرف بوجود القطط في الغرفة، كانت على حق في ثُلث مرات المواجهة فقط. لكنه وصل لنتيجة تقول إن كثيراً من الحالات تمكنت من اكتشاف وجود القطط المخبأة، حتى بدون رؤيتها أو شمها.
وأثناء محاولته لتفسير الظاهرة، استثنى عاملي الربو وأيضاً عامل الوراثة الجينية، فهؤلاء الذين يرتعبون من القطط يكونون في تمام الراحة عند مشاهدتهم الأسود. ولتفسير قدرتهم على اكتشاف القطط اقترح أن الانبعاثات التي تصدر من القط ربما تؤثر على الجهاز العصبي عن طريق الغشاء المخاطي رغم خلوها من الروائح.
ورغم تجاربه، بقي ميتشل حائراً بشأن الرعب غير المبرر من القطط. وحسم تجاربه بالملاحظة التالية “ضحايا رهاب القطط يقولون إنه مهما كان القط غريباً عنهم فإنه يُبدي رغبة غير عادية في أن يقترب منهم، كأن يقفز فوق أرجلهم أو يتبعهم”.
ومع بزوغ الإنترنت، بدا أنه زاد من اهتمامنا بالقطط، فبينما كان هال وميتشل يسعيان إلى ملء الاستبيانات لجمع البيانات حول الرهاب، انعكست الأدوار الآن وأصبح الملايين يشاركون تجاربهم مع الرهاب ويرسلونها للخبراء كي يحصلوا على إجابات. حسب ما جاء في موقع Cat World، كان أكثر الأسئلة تكراراً يقول “لماذا تذهب القطط إلى الأشخاص الذين لا يحبونها”.
إن اتبعنا تفسير ستانلي هال في كتابه، سنجد أن الإجابة ترتبط بعنصر التطور. إذ إن الشخص الخائف من القطط لا يشكل تهديداً. ولكن وفقًا لميتشل لا يفسر هذا السؤال الرئيسي: لماذا يطور بعض الناس هذا الرهاب؟ وهذا بالطبع يشكل مجالاً آخر من مجالات البحث في الوقت الحالي.