الإمام ابو القاسم الخوئي رحمه الله



1317-1414هـ
ولادته وهجرته إلى النجف:
أبو القاسم بن علي أكبر بن هاشم الموسوي الخوئي، أحد علماء الإمامية، ولد في بلدة (خوي) من بلاد أذربيجان بإيران ليلة 15 من شهر رجب سنة 1317هـ، وتعلم فيها القراءة والكتابة وبعض المبادئ الإسلامية.
هاجر مع عائلته إلى النجف الأشرف سنة 1330هـ، وابتدأ فور وصوله إليها بدراسة المنطق والأدب، ثُمَّ الكتب الدراسية في الفقه والأصول، على عدد من أعلامها، منهم والده السيِّد علي أكبر.
انتقل بعد ذلك إلى حضور دروس البحث الخارج، فحضر دروس خمسة من أكابر علماء النجف الأشرف آنذاك، وكان آخر من لازم منهم الشيخ محمَّد حسين النائيني، حتى نال درجة الاجتهاد، وهو في مرحلة مبكرة من عمره.
دخل السيد الخوئي ميدان التدريس في مرحلة مبكرة من عمره، وقد بلغ من النبوغ حداً جعله يكتب تقريراً لأبحاث الشيخ النائيني ويحصل على تقويم جيد من أستاذه، وقد فضَّله البعض على التقريرات الأخرى.
مرجعيته
آلت إليه مرجعية الطائفة الشيعية في العالـم بعد وفاة السيِّد الحكيم سنة 1390هـ، وأصبح المرجع الأعلى في التقليد، يقلِّده ملايين المؤمنين من أتباع مذهب الإمامية في مختلف بقاع العالم، وطبعت رسائله العملية لبيان الأحكام الشرعية لمقلّديه وبعدة لغات.
منهجه العلمي
يمتاز سماحة الإمام الخوئي (قده) بمنهج علمي متميز، وأسلوب خاص به في البحث والتدريس، ذلك أنه كان يطرح في أبحاثه الفقهية والأصولية العليا موضوعاً، ويجمع كل ما قيل من الأدلة حوله، ثم يناقشها دليلاً دليلاً، وما إن يوشك الطالب على الوصول إلى قناعة خاصة، حتى يعود الإمام فيقيم الأدلة القطعية المتقنة على قوة بعض من تلك الأدلة، ويبين مدى قدرتها على الاستنباط، فيخرج بالنتيجة التي يرتضيها، وقد سلك معه الطالب مسالك بعيدة الغور في الاستدلال والبحث، كما هو شأنه في تأليفاته القيمة، بما يجد المطالع فيها من تسلسل للأفكار وبيان جميل مع الدقة في التحقيق والبحث، ولذا فقد عرف بعالم الأصول والمجدّد.
ولا تقتصر أبحاثه وتحقيقاته على حقلي الأصول والفقه، بل كان له إسهام هام في علم الرجال أو(الجرح والتعديل)، وقد شيّد صرحاً علمياً قويماً لهذا العلم ومدخليته في استنباط المسائل الإسلامية، جمعها في كتابه الشهير "معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة"، كما بذل جهداً كبيراً في التفسير وعلوم القرآن وضعها في مقدمة تفسيره " البيان في تفسير القرآن"، وغيرها من الحقول العلمية.
ولهذا، فقد جمع من حوله طيلة فترة تدريسه أعداداً كبيرة من طلبة العلوم الدينية والأساتذة اللامعين، ممّن ينتمون إلى بلدان العالم المختلفة، فكان هناك طلاب من سوريا ولبنان والأحساء والقطيف والبحرين والكويت وإيران وباكستان والهند وأفغانستان ودول شرق آسيا وأفريقيا، مضافاً إلى الطلبة العراقيين، وتخرّج على يديه من هؤلاء الكثير من الفقهاء والمجتهدين، حتى وصف بأنه أستاذ الفقهاء والمجتهدين، ولم يكتف سماحة الإمام بتغذيتهم علمياً وثقافياً، ورعايتهم روحياً، بل امتد ذلك ليشمل تغطية نفقاتهم المعيشية من الحقوق الشرعية التي كانت تصل إليه. وهكذا فقد أسس سماحته مدرسة فكرية خاصة به ذات معالم واضحة في علوم الفقه والتفسير والفلسفة الإسلامية والبلاغة وأصول الفقه والحديث.
انفتاح على التجديد والتغيير
كان السيد الخوئي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ رجلاً منفتحاً على التجديد، فكان أول مرجع يخطِّط لدرس تفسير القرآن في النجف، باعتبارها كانت تفتقر في برامجها إلى تفسير القرآن، بل تأخذ من القرآن بمقدار ما يتَّصل بالشريعة، وإذا ما وجدت بعض الاهتمامات فكانت تخضع لتوجهات الطالب الشخصية، وربما كان سبقه إلى ذلك أستاذه الشيخ محمد جواد البلاغي الذي كان يتولى تدريس تفسير القرآن في النجف، ولكن هذا التفسير ـ تفسير الخوئي ـ قُطع لأنه لم يلق إقبالاً كاملاً في الحوزة بالطريقة التي كان فيها الإقبال على تدريس الفقه والأصول(...).
وكان السيد الخوئي منفتحاً على التغيير، فانفتح على قضايا أمته، وساهم في حركتها بما تسمح له الظروف، فأيّد حركة الشهيد السيد محمد باقر الصدر، الذي كان من أبرز تلامذته، وأبدى له كل مودة واحترام، كما إنه تجاوب مع الانطلاقة الإسلامية لمواجهة المدّ الشيوعي، فأيد جماعة العلماء في النجف الأشرف، وغيرها من الاتجاهات.
تعرَّضت المرجعية الدينية في النجف الأشرف خلال مرجعية الإمام السيد "أبو القاسم الموسوي الخوئي" إلى أقسى الحملات، وعاشت ظروفاً قاهرة، وذلك بالتزامن مع حكم جائر في العراق جعل من الشيعة والتشيع هدفا لطغيانه وإرهابه، خصوصاً بعد الثورة الإسلامية في إيران، ما جعل مهمة الإمام الخوئي صعبةً للغاية، وتكاد تنحصر في المحافظة على دور الحوزة واستقلالها، لمتابعة مهامّها العلمية والفقهية، واستمرار الدور التاريخي لمدينة النجف الأشرف، التي تضم مرقد أمير المؤمنين الإمام على بن أبي طالب(ع)، وتحتضن الحوزة الدينية ومعاهدها العلمية.
حاولت السلطة العراقية أن تنحاز بالمرجعية إلى جانبها في مواقفها، وخصوصاً في حروبها الظالمة مع الجيران، وطالبت الإمام بإصدار فتوى ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعندما رفض ذلك، قامت السلطات العراقية بالاعتداء على منـزل نجله الأكبر المغفور له السيد جمال الدين في محاولة لقتله عام 1979م، والذي اضطر من جرائها مغادرة العراق إلى سوريا، حيث توفي بعدها في إيران عام 1984م.
كما قامت السلطات بحملة ترويعية واسعة النطاق في صفوف العلماء وتلامذة الإمام في الحوزة العلمية، فاعتقلت مجموعات كبيرة منهم، وأعدمت الكثيرين منهم، وفي مقدمتهم تلميذ الإمام وابنه البار الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وفي عام 1980م، قامت السلطات بتفجير سيارة الإمام الخاصة وهو في طريقه إلي جامع الخضراء لأداء صلاة الظهر، وقد نجا من تلك الحادثة بأعجوبة بالغة.
مواجهة الشاه
وقف الإمام الخوئي بقوة في وجه الشاه عندما شاعت الأخبار عن نية إعدام الإمام الخميني في إيران، واستنكر ما قام به الشاه وحكومته، وأثار، بالرغم من الوضع الصعب الذي كان يعيشه، أكثر من حركة، فأطلق مجالس تعزية، وقام بمبادرة تجاه السيد الحكيم لممارسة الضغوط على الحكومة الإيرانية ليمنعها من إصدار حكم الإعدام ضد الإمام الخميني.
ولم يكتف السيد الخوئي بهذه المبادرة النجفية، بل أرسل في ذلك الوقت رسولاً إلى علماء لبنان الكبار، مثل الشيخ حبيب آل إبراهيم والشيخ موسى عز الدين والشيخ محمد تقي الصادق والسيد محمد حسين فضل الله والسيد عبد الرؤوف فضل الله، يدعوهم إلى الاجتماع، للإنكار على الشاه سياسته، وإصدار البيانات في هذا المجال، كخطوة تصعيدية للضغط على حكومة الشاه لمصلحة الإمام الخميني، وذلك في وقت كانت المرجعية منفتحة على الحكم في إيران، لا من خلال رضاها بالحكم، ولكن لشعورها بإمكان الإفادة منه في الإطلالة على الواقع الشيعي في العالم، لأنها كانت لا تملك قناة أخرى لإيصال المساعدات إلى هذه المنطقة أو تلك.
القضية الفلسطينية:
وقف السيد الخوئي مع القضية الفلسطينية من خلال إصدار الفتاوى لدفع الحقوق الشرعية للمجاهدين، كما كان يتعاطف مع الحركة الإسلامية في العراق بطريقة أو بأخرى، وبالأسلوب الذي يتناسب مع موقعه ومع قدراته وإمكانياته...
حاولت السلطات العراقية أن تستغل مرجعية السيد "أبو القاسم الخوئي" عندما كانت تصطدم بالسيد محسن الحكيم في أيام عبد الكريم قاسم وعبد الرحمن عارف وعبد السلام عارف، على أساس أنه إذا ابتعد عن السلطة مرجع فهناك مرجع آخر، ولكن مساعي هذه السلطة فشلت وأحبط المرجعان مخطّطاتها بإنشاء علاقة حميمة بينهما عبّرا عنها بلقاءات تكاد تكون يومية، وآزر السيد الخوئي السيد الحكيم باعتصامه في بيت السيد الحكيم احتجاجاً على ممارسات النظام الطاغي في العراق، وهذا ما ساعد مرجعية السيد الخوئي في الانفتاح بقوة على العالم الشيعي بعد السيد الحكيم.
مشايخه
تتلمذ الإمام الخوئي (قده) على كوكبة من أكابر علماء الفقه والأصول، ومراجع الدين العظام في بحوث الخارج، ومن أشهر أساتذته البارزين:
آية الله الشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة، المتوفى سنة 1339هـ .
آية الله الشيخ مهدي المازندراني، المتوفى سنة 1342هـ.
آية الله الشيخ ضياء الدين العراقي، 1278-1361هـ.
آية الله الشيخ محمد حسين الغروي، 1296-1361هـ.
آية الله الشيخ محمد حسين النائيني ، 1273 - 1355هـ، الذي كان آخر أساتذته.
كما حضر قدس سره ، ولفترات محددة عند كل من:
آية الله السيد حسين البادكوبه أي ، 1293 - 1358 هـ ، في الحكمة والفلسفة.
آية الله الشيخ محمد جواد البلاغي، 1282 - 1352 هـ ، في علم الكلام والتفسير.
آية الله السيد ميرزا علي آقا القاضي، 1285 - 1366 هـ ، في الأخلاق والسير والسلوك والعرفان.
وله إجازة في الحديث يرويها عن شيخه النائيني عن طريق خاتمة المحدثين النوري، المذكور في آخر كتاب مستدرك الوسائل لكتب الإمامية، وأهمها الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار، ووسائل الشيعة، وبحار الأنوار، والوافي، كما وله إجازة بالرواية عن طرق العامة، عن العلامة الشهير السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي، المتوفى سنة 1377 هـ.
تلامذته
لقد تتلمذ على يدي سماحته عدد كبير من أفاضل العلماء المنتشرين في المراكز والحوزات العلمية الدينية الشيعية في أنحاء العالم، والذين يُعدُّون من أبرز المجتهدين والمراجع من بعده، ومنهم:
1 - آية الله السيد علي البهشتي - العراق.
2 - آية الله السيد علي السيستاني - العراق.
3 - آية الله الشيخ محمد إسحاق الفياض - العراق.
4 - آية الله الشيخ ميرزا علي الفلسفي - إيران .
5 - آية الله الشيخ ميرزا جواد التبريزي - إيران.
6 - آية الله السيد محمد رضا الخلخالي - العراق.
7 - آية الله الشيخ محمد آصف المحسني - أفغانستان.
8 - آية الله السيد علي السيد حسين مكي - سوريا.
9 - آية الله السيد تقي السيد حسين القمي - إيران.
10- آية الله الشيخ حسين وحيد الخراساني - إيران.
11- آية الله السيد علاء الدين بحر العلوم - العراق.
12- آية الله المرحوم الشيخ ميرزا علي الغروي - العراق.
13- آية الله المرحوم السيد محمد الروحاني - إيران.
14- آية الله المرحوم الشيخ ميرزا يوسف الايرواني - ايران.
15- آية الله المرحوم السيد محي الدين الغريفي - البحرين.
16- آية الله الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم - العراق.
17- آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر - العراق.
18- آية الله السيد محمد حسين فضل الله- لبنان.
وغيرهم الكثير من السادة العلماء والمشايخ الكبار وأفاضل الأساتذة، ممن تتلمذ على الإمام مباشرة أو على تلامذته في جميع الحوزات العلمية الدينية المعروفة.
مؤلفاته
لقد ألّف سماحته عشرات الكتب في شتّى الحقول العلمية المختلفة، نذكر المطبوع منها:
1- أجود التقريرات، في أصول الفقه.
2- البيان ، في علم التفسير.
3- نفحات الإعجاز، في علوم القرآن.
4- معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، في علم الرجال، في 24 مجلداً.
5- منهاج الصالحين، في بيان أحكام الفقه، في مجلدين وقد طبع 28 مرة.
6- مناسك الحج، في الفقه.
7- رسالة في اللباس المشكوك، في الفقه.
8- توضيح المسائل، في بيان أحكام الفقه، الرسالة العملية لمقلديه، طبع أكثر من ثلاثين مرة وبعدة لغات.
9- المسائل المنتخبة، في بيان أحكام الفقه، الرسالة العملية لمقلديه باللغة العربية، طبع أكثر من عشرين مرة.
10- تكملة منهاج الصالحين، في بيان أحكام الفقه، في القضاء والشهادات والحدود والديات والقصاص.
11- مباني تكملة المنهاج، في أسانيد الأحكام الفقهية، في القضاء والشهادات والحدود والديات والقصاص.
12- تعليقة العروة الوثقى، لبيان آرائه الفقهية على كتاب "العروة الوثقى" لفقيه الطائفة المغفور له آية الله العظمى السيد محمد كاظم اليزدي قدس سره، كما ولا يزال البعض الآخر من مؤلفاته مخطوطاً.
تقريرات بحوثه
وقد ترك آية الله العظمى الإمام الخوئي (قده) أبحاثاً قيّمة كثيرة في حقلي الفقه والأصول، وهي الدروس التي كان يلقيها سماحته خلال مدة تزيد على نصف قرن على عدد كبير من أفاضل العلماء وأساتذة الحوزة العلمية الدينية في النجف الأشرف، من المجتهدين ذوي الاختصاص في الدراسات الدينية العليا، المعروفة بـ" البحث الخارج"، فقد ابتدأ سماحته بتدريس بحث الخارج سنة 1352 إلى 1410 هـ، من دون انقطاع، وقد قررت ودوّنت نظرياته الجديدة وآراؤه العلمية القيمة تلك، في تقريرات كثير من السادة والمشايخ العلماء من تلامذته الأفاضل، والتي تعتبر اليوم من أمّهات المصادر الفقهية والأصولية الحديثة للباحثين والعلماء، مما لا يستغني عنها الأساتذة والطلاب معاً، وعليها يدور رحى البحوث والدروس في هذين الحقلين في جميع الحوزات الدينية المعروفة.
ومن تلك البحوث التي عرضت على ساحته وأجاز طبعها هي:
1- التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقرير الشيخ ميرزا علي الغروي، عشرة أجزاء (فقه).
2- تحرير العروة الوثقى، تقرير الشيخ قربان علي الكابلي (قده)، جزء واحد (فقه).
3- دروس في فقه الشيعة، تقرير السيد محمد مهدي الخلخالي، أربعة أجزاء(فقه).
4- محاضرات في أصول الفقه، تقرير الشيخ محمد إسحاق الفياض، خمسة أجزاء(أصول).
5- المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير الشيخ مرتضى البروجردي (قده) عشرة أجزاء (فقه).
6- الدرر الغوالي في فروع العلم الإجمالي، تقرير الشيخ رضا اللطفي، جزء واحد (أصول).
7- مباني الاستنباط، تقرير السيد أبو القاسم الكوكبي، أربعة أجزاء (أصول).
8- مصباح الفقاهة، تقرير الشيخ محمد علي التوحيدي، ثلاثة أجزاء (فقه).
9- مصابيح الأصول، تقرير السيد علاء الدين بحر العلوم، جزء واحد (أصول).
10- المعتمد في شرح المناسك، تقرير السيد محمد رضا الخلخالي، خمسة أجزاء (فقه).
11- مصباح الأصول، تقرير السيد محمد سرور البهسودي ، جزءان (أصول).
12- مباني العروة الوثقى، تقرير الشهيد السيد محمد تقي الخوئي ، أربعة أجزاء (فقه).
13- دراسات في الأصول العملية، تقرير السيد علي الحسيني الشاهرودي، جزء واحد(أصول).
14- فقه العترة في زكاة الفطرة، تقرير الشهيد السيد محمد تقي الجلالي، جزء واحد (فقه).
15- الرأي السديد في الاجتهاد والتقليد، تقرير الشيخ غلام رضا عرفانيان، جزء واحد(فقه).
16- محاضرات في الفقه الجعفري، السيد علي الحسيني الشاهرودي، ثلاثة أجزاء (فقه).
17- جواهر الأصول، تقرير الشيخ فخر الدين الزنجاني، جزء واحد (أصول).
18- الأمر بين الأمرين، في مسألة الجبر والاختيار، تقرير الشيخ محمد تقي الجعفري، جزء واحد (أصول).
19- الرضاع، تقرير السيد محمد مهدي الخلخالي والشيخ محمد تقي الايرواني، جزء واحد (فقه).
خدماته الاجتماعية
لم تتوقف اهتمامات السيد الخوئي في الشؤون الاجتماعية عند حد معين، بل شملت مختلف البلاد، وكانت على مختلف المستويات، فسعى إلى التخفيف من معاناة المسلمين وآلامهم، وبذل ما بوسعه لمساعدتهم، ويمكن تناول خمسة محاور رئيسية لتوضيح اهتمام الإمام الراحل بشؤون الأمة ورعايته لها:
أولا: الحوزات العلمية
لقد تجاوزت رعاية الإمام الراحل للحوزات العلمية كل الحدود السابقة التي كانت مألوفة قبل مرجعيته العامة. فبعد أن كان الاهتمام منصبّاً على رعاية طلاب ومدرسي حوزة النجف الأشرف وقم المقدسة والمشهد المقدس في خراسان، توسع اهتمام الإمام السيد الخوئي ليشمل الحوزات العلمية في كلِّ المدن العراقية والإيرانية، وفي مختلف البلدان كالباكستان والهند، ثم تايلاند وبنغلاديش، ثم أفريقيا، ثم أوروبا وأمريكا.
ومن جانب الرعاية المالية، لم تشهد الحوزات العلمية ازدهاراً معاشياً في عصورها المختلفة كما شهدته تحت رعاية الإمام الخوئي.
ثانيا: المشاريع
ركّز الإمام في مشاريعه على المراكز العلمية في مختلف مستوياتها وفروعها، كما في إنشاء مدينة متكاملة لطلاب العلم ومدرسي الحوزة العلمية في قم المقدسة، ومدرسة علمية في مدينة مشهد المقدسة، وفي لبنان كان مشروعه الكبير المعروف باسم" مبرة الإمام الخوئي" داراً للأيتام، تحت إشراف سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله.
وفي الهند، أمر سماحته بإنشاء مجمع ثقافي ضخم قرب مدينة بومباي، وهو يُعدُّ أكبر مشروع إسلامي شيعي في العالم على الإطلاق، يشمل مدارس وثانويات وكليات أكاديمية، ومدارس حوزوية، ومعاهد مهنية، ومستشفى كبيراً، ومسجداً ضخماً وتوابع كثيرة، وهكذا بالنسبة إلى المشروع الذي أقامه في مدينة إسلام آباد في باكستان.
كما وأن مشروع المركز الإسلامي للسيِّد الراحل مشهور في نيويورك، ومعه مدرسة للأطفال أصبحت محطَّ آمال المؤمنين هناك، لأنها السبيل الوحيد لإنقاذ أبنائهم من الضياع في تلك المجتمعات، وهناك مشاريع كثيرة تفضل سماحته بدعمها مادياً ومعنوياً منتشرة في أنحاء العالم، كالمكتبات العامة والمشاريع المتعددة في العراق وباكستان والهند وتايلاند وأفريقيا وغيرها من البلاد.
ثالثا: مواقفه في معالجة أضرار الكوارث الطبيعية:
كان الإمام الخوئي سبَّاقاً لإغاثة الملهوفين ونجدة المنكوبين في أية بقعة من بقاع الأرض التي يسكنها المسلمون، وليس أدلّ على ذلك من موقفه الرائع لإغاثة المنكوبين في الزلزال الأخير الذي ضرب أجزاء من شمال إيران، حتى أسعفهم بمبلغ تجاوز المليون دولار أمريكي لإعادة الإعمار وبناء وتعمير المدارس والمنازل والمرافق العامة والقرى المتضررة، وكذلك مساعدته الفورية لمنكوبي الخسف الذي أصاب كركيل في كشمير قبل بضع سنوات، وكذلك مساعدته لضحايا الجفاف في الهند.
رابعاً: مواقفه في الأزمات والمحن
كان سماحته حريصاً على أن يتابع الأزمات والمحن التي يتعرض لها المؤمنون والمسلمون في أنحاء الأرض، ويسعى بكلِّ جهده لمساعدتهم، ففي أيام الحرب العراقية الإيرانية، قدم رضوان الله تعالى عليه لمنكوبي ومشرّدي الحرب كل أنواع الرعاية والمساعدات الممكنة. وكان في الوقت نفسه يقف صامداً في وجه ممارسات النظام العراقي، وقدم المساعدات للمتضررين والمقهورين في إيران والعراق طوال ثماني سنوات من الحرب وبعدها.
وكان موقفه رضوان الله تعالى عليه من محنة المسلمين في أفغانستان واضحاً جلياً، فقد قدم كل أنواع الدعم، حتى إنه أجاز المؤمنين بدفع الحقوق الشرعية لتمويل عمليات الجهاد ضد الغزاة، وأرسل أيضاً للهدف ذاته مبالغ مالية كبيرة.
وفي لبنان وفلسطين، كان الإمام رضوان الله تعالى عليه يشجب باستمرار الأعمال العدوانية على هذه الشعوب، ويستنهض المسلمين لجمع صفوفهم في مواجهة عدوهم، وكان إضافةً إلى ذلك، يرعى فقراء لبنان بتوزيع المواد الغذائية عليهم، ويدعم الوجود الإسلامي لهم بكلِّ الوسائل الممكنة.
كما وفي أثناء غزو الكويت من قبل النظام الجائر في العراق عام 1990 م، كان للإمام الراحل أروع المواقف في احتضان أبناء الكويت المشردين والمنكوبين، فقد أمر وكلاءه في كافة البلاد التي تواجدوا فيها، احتضان أبناء الكويت المشردين من بلادهم، ودفع مبالغ كافية لرعاية شؤونهم وعوائلهم، إلى أن انجلت الأزمة، وأصدر فتواه الشهيرة إبان الغزو، بحرمة الاستفادة أو البيع والشراء من مسروقات الكويت.
وكذلك موقفه الخيّر في مساعدة المظلومين من المهجّرين العراقيين قبل الانتفاضة الأخيرة وبعدها في الخارج، ورعاية أهليهم في الداخل وما إلى ذلك.
ولكي يطلع بدوره في تقديم الخدمات قام رضوان الله عليه، تجاوباً مع إحساسه بضرورة إرساء قواعد مؤسسات قوية قادرة على تقديم خدمات مستمرة للمؤمنين، فأسس مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية.
وشارك في دعم الانتفاضة الشعبية التي حدثت في العراق سنة 1411هـ، فاعتقلته السلطات الحاكمة بعد إخماد الانتفاضة، ثُمَّ أطلقت سراحه.
أكمل خلال عمره الشريف، وخلال أكثر من نصف قرن من التدريس للبحث الخارج، دورتين كاملتين لمكاسب الشيخ الأنصاري، ودورتين كاملتين لكتاب الصلاة، وبحوثاً وأبواباً متنوعة من كتاب العروة الوثقى، وأكمل في علم الأصول ستّ دورات كاملة.
توفي (قدس سره) عصر يوم السبت 8 صفر 1413هـ 8/8/1992م، في مسكنه في الكوفة، وقد منعت السلطات الحاكمة أن يُقام له تشييع عام، وأجبرت أهله على دفنه ليلاً، فدفن في مقبرته الخاصة في جامع الخضراء في النجف الأشرف.




نهض بالحوزة العلمية، وكان عالماً فذاً، ويتمتع بملكات التَّقوى والورع، ما جعله زعيماً للحوزة العلمية، وقد جاءت أقوال العلماء لتؤكد ذلك من خلال أقوالهم.
فيقول السيِّد محمَّد رضا الكلبايكاني إنَّه: " كان مناراً للعلم والتقى، وسلطان الفقاهة والإفتاء، زعيم الحوزات العلمية".
ويقول السيِّد علي السيستاني: "كان ـ أعلى اللّه مقامه ـ نموذج السلف الصالح، بعبقريته الفذّة، ومواهبه الكثيرة، وملكاته الشريفة، التي أهّلته لأن يعدّ في الطليعة من علماء الإمامية، الذين كرّسوا حياتهم لنصرة الدين والمذهب".