نعم الطفل يحتاج الى المديح ولكن
ما من شك في أنّ الأبناء يشكّلون بالنسبة إلى الوالدين العالم كله، فهم حاضر الأهل ومستقبلهم، ولكنهل الشعور وحده والتفكير في مستقبل الأبناء وتوفير احتياجاتهم والعمل لضمان مستقبلهم تكفي لينشأالأبناء بصحة نفسية جيدة؟ وهل يدرك الأبناء فعلاً ما يكنّه الأهل لهم؟

في خضمّ انشغالات الأهل اليومية، غالبًا ما ينسون التعبير لأبنائهم عن محبتهم، وأنهم مهمون بالنسبةإليهم. ذلك أن الأهل يفترضون أن هذا معروف وبديهي بالنسبة إلى الأبناء، في حين أن الأبناء وإن كانوايدركون ذلك، إلا أنهم يرغبون في سماع عبارات المديح والتشجيع والحب من أهلهم.




يؤكد اختصاصيو علم نفس الطفل والمراهق أنّ المديح والتشجيع والعبارات الرقيقة هي جزء أساسي من التواصل اليومي بين الأهل والأبناء بغض النظر عن أعمارهم. فالأطفال يطوّرون شعورهم بذواتهم من خلال التواصل مع الآخرين ولاسيّما الأهل. فالعبارات التي يوجهها الأهل إلى أبنائهم تصبح جزءًا من شخصيتهم. لذا من الضروري أن يتواصل الأهل مع أبنائهم على الشكل الآتي:

التعبير عن الحب غير المشروط: الكلمات والإيماءات التي تعكس عاطفة بسيطة تنقل إلى الأبناء شعورًا بأن آباءهم يقدّرونهم، ويحبونهم لما هم عليه من دون قيود وتوقّعات.

المديح: المديح وسيلة رائعة عندما يكون محددًا ووصفيًا وحقيقيًا. ويكون أكثر تأثيرًا عندما يكون المديح مرتبطًا بمجهود بذله الطفل، وليس فقط بنتيجة. مثلاً عندما ينجح الطفل في الامتحان، من المهم أن تمدحه والدته على المجهود الذي بذله للنجاح في الامتحان كأن تقول له «برافو لأنك بذلت مجهودًا لتنجح»، فهذه العبارة تساعد الطفل على تنمية عادات العمل الجيد.

التشجيع: التشجيع هو مرادف للمديح ويساهم في دعم حس المنافسة الشخصية عند الطفل. فالتشجيع يظهر كيف يمكن الطفل التعامل مع التحديات.

إظهار التقدير: يمكن الأهل استعمال عبارات التقدير بشكل مستمر ويومي، مثل «شكرًا لك، كنت خير معين».



لماذا المديح مهم؟
إن استعمال اللغة الإيجابية ومدح الطفل ليسا مجرّد نزعة أبوية، بل ضرورة أبوية. هذا ما تؤكده الأبحاث العيادية التي تدعم الانعكاسات الإيجابية لاستعمال المديح والتشجيع مع الأطفال.
فللمكافأة والمديح تأثير أكبر من العقاب، وفي تعليم الطفل السلوك الإيجابي. فالأطفال يتعلّمون بشكل أسرع عندما يحصلون على رد فعل محدّد تجاه ما يفعلونه بشكل جيد. فقد أظهرت الأبحاث النفسية أن المديح يمكن أن يكون محفزًا قويًا إذا اتبع الأهل المبادئ التوجيهية الآتية.

الصدق والتحديد في المديح الموجّه إلى الطفل
مدح الأبناء فقط للسمات التي لديهم وللقدرة على التغيير.
استعمال المديح الوصفي الذي يتحوّل إلى معايير واقعية قابلة للتحقيق.
الحذر من مديح الأبناء على الإنجازات التي تحققت بسهولة.
الحذر من مديح الأبناء لقيامهم بأعمال هم في الأصل يحبّون القيام بها.
تشجيع الأبناء على التركيز في إتقانهم مهارات وليس مقارنة أنفسهم بالآخرين.
الانتباه إلى مستوى نمو الطفل.



بين المديح الحقيقي والمديح الزائف

جميعنا يرغب في سماع كلمات وعبارات لطيفة عندما نبذل مجهودًا كبيرًا. واستعمال لغة تواصل إيجابية بشكل دائم يساهم في بناء علاقة قوية بين الأهل والأبناء، ويمكن أن تجعل التربية أكثر فعالية.

والمديح ضرورة لا يمكن التخلي عنها لبناء علاقة جيدة بين الأبناء والآباء. وفي المقابل، يرى اختصاصيو علم النفس أن المديح يصبح فارغًا من معناه، عندما يبالغ الأهل في مدح ابنائهم.
فيما يرى بعض الاختصاصيين أن لا ضير إذا كان المديح حقيقيًا ومحدّدًا ويستحقه الابن، إذ لا يمكن العثور على فرص للمديح، والأبناء متعطشون للتعزيز الإيجابي، لذا يجدر بالأهل ألا يبخلوا في مديح أبنائهم، ولكن عليهم أن يفكّروا في طريقة إيصال الرسالة بحيث تصيب الهدف من المديح، وهي تعزيز التقويم الذاتي للطفل.

فقد أثبتت الدراسات إيجابية المديح، ولكن هذا يعتمد على نوعيته. وفي المقابل أثبتت أبحاث جديدة أن مدح الجهود، وليس الموهبة، يقود إلى تحفيز رائع وسلوك إيجابي تجاه التحديات، وتتوافق هذه الأبحاث التي تربط المديح بزيادة الدافعية لدى الأطفال شرط أن يكون هذا المديح قائمًا على صفات حقيقية.

والمشكلة عند كثير من الأهل الذين يأملون في تعزيز التقويم الذاتي عند أبنائهم، وهم لا يمدحون أبناءهم بل يبالغون في المديح. وغالبًا، في عصرنا الحاضر الذي يشهد الكثير من المنافسة، ما يركّز الأهل على عظمة الأبناء، ويبالغون في مديحهم الذي لا يعكس القدرات الحقيقية للأبناء.
وبحسب أحد اختصاصيي علم نفس الطفل عبارات مثل «أنت مدهش أنت عظيم»... غير مفيدة، ذلك إذا لم ينجز الطفل العمل كما يجب، وبشكل متقن سوف يظن أنه ليس مدهشًا أو عظيمًا، وأن أهله يقولون مديحًا زائفًا.


المعنى الحقيقي للتقويم الذاتي
التقويم الذاتي لا يعني القول للطفل إن كل ما يقوم به هو رائع، المعنى الحقيقي لتقدير الذات يستند إلى المهارات التي ينمّيها الطفل ويطوّرها، وحقيقة الإنجاز الذي يشعر بأنه حقّقه. ومهما يكن فهناك الكثير من الأهل لديهم ميل إلى تعزيز تقدير الذات عند أطفالهم بشكل زائف أو المبالغة فيه.
مثلاً عوضًا عن القول «كم هي رائعة هذه اللوحة وخلاقة، لا بد أنك بذلت مجهودًا» يقولون: «واو كم أنت فنان رائع، أنت موهوب جدًا أنت أفضل رسام على الإطلاق» معظم الأهل يقولون ذلك بعفوية وبراءة ليجعلوا أبناءهم يشعرون بالراحة مع أنفسهم.
ويفسر ذلك أنه ربما الأهل في لا وعيهم يعوّضون نقصًا عاشوه في طفولتهم، أو أنهم ربما يعزّزون كونهم محل إعجاب أبنائهم، وربما يعتقدون حقًا أن أبناءهم هم فعلاً رائعون وعظماء لأنهم يريدون أن يكونوا آباء لأبناء رائعين، وبالتالي فإنهم يعززون تقديرهم لذاتهم بهذا التفكير.


إلى ماذا يؤدي مديح الأهل المبالغ فيه لأبنائهم؟

شعور زائف بالتميز: عندما يبالغ الأهل في مديح أبنائهم سوف يشعر هؤلاء الأبناء بأنهم مميزون، ولكن ليس بالمعنى الإيجابي للتميّز الذي يأمل الأهل أن يشعر الأبناء به. فقد يستحوذ عليهم شعور بالتميّز أو يتوقعون أن الحياة سوف تكون سهلة بالنسبة إليهم، مما يجعلهم غير مستعدين لتحديات الواقع التي من المؤكد سوف يواجهونها.
ويشير بعض الاختصاصيين إلى أن التحوّل الأخير في الأسلوب التربوي عند الأهل، يؤدي إلى تعزيز النرجسية في الجيل الجديد. والملاحظ أن الشباب اليوم يعمل أقل، ويتوقع الحصول على الكثير.
هذا النمط في التفكير يمكن أن يضر حقًا بالطفل الذي فشل في بناء المهارات التي تدعم طموحاته وتطورها.

شعور بعدم الأهلية: المديح وبناء الشخصية بشكل زائف، يجعلان الأطفال يشعرون بأن عليهم أن يكونوا رائعين حتى يتقبلهم المجتمع المحيط بهم.
وبالتالي فإنهم يشعرون بعدم أهليتهم، وبأنهم ليسوا راضين عن أنفسهم، لأن المديح الذي يتلقونه يبدو فارغًا وغير واقعي. فالمبالغة في مدح الأبناء تشوّش تفكيرهم لأنهم يدركون أن قدراتهم ومهاراتهم أقل مما يظنه الأهل أو يتوقّعونه.
مما يولد لديهم شعورًا بعدم الأمان وبعدم الثقة، وبالتالي يتراجعون عن أي عمل يقومون به لأنهم يشعرون بأن قدراتهم زائفة أو يخشون من الفشل، ولا يكونون على قدر توقّعات أهلهم المجسّدة في المديح.

شعور بالخيبة: يقدّم الأهل الكثير من التضحيات آملين أن يمنحوا أبناءهم الأفضل. فيكرّسون كل حياتهم لأجل أبنائهم، وينصرفون عن متطلباتهم الخاصة ويضحّون بكل شيء فقط لأجل راحة أبنائهم.
وهذا خطأ جسيم يرتكبه الأهل في حق أنفسهم وفي حقّ أبنائهم، فهم عندما يلبّون كل رغبة يطلبها الطفل، ويعاملونه على أساس أنه الملك، فإنهم وعن غير قصد، يخفون الصورة الحقيقية للعالم والواقعية التي سيواجهها الابن عندما يصبح راشدًا. فالاهتمام المفرط بكل تفاصيل حياة الأبناء اليومية، يمكن أن يؤدي إلى الضرر أكثر منه إلى أمور جيدة، فالطفل في حاجة إلى تحمّل المسؤولية، والاستقلالية.
والأهل الذين يبالغون في تدليل أبنائهم ومدح أبسط عمل يقومون به يعيقون وعن غير قصد، تطور شخصية أبنائهم المستقلة والقوية بدل أن يساعدوهم، وبالتالي يصاب هؤلاء الأبناء بالخيبة عندما يواجهون الواقع في المستقبل.

خسارة الاهتمام بالنشاطات: عندما يبالغ الأهل في الاهتمام بنشاطات أبنائهم وبكل شاردة وواردة فيها، فهذا يُشعر الأبناء بأن أهلهم متطفلون.
مثلاً يمارس الطفل كرة القدم ويحقق أهدافًا ويشعر بالفرح إلى أن يأتي اليوم الذي يتدخل الوالد، ففيما كانت تشكّل كرة القدم بالنسبة إلى هذا الصغير هواية تعزز ثقته بنفسه، وتقوّي شخصيته واستقلاليته، فإن تدخل الوالد يشعره بالضيق، بعدما بدأ الأب حضور التمارين بشكل دائم، ويهتف لابنه في المباراة ويفرط في مدحه أمام رفاقه، فإن هذا الصبي يشعر بالخجل والإحراج. وشيئًا فشيئًا يفقد اهتمامه بالنشاط الذي يحبّه ويتوقف عن اللعب.

ويبقى السؤال: ما البديل من الإفراط في المديح عندما يتعلق الأمر بتعزيز تقدير الذات؟
ألا يتوقف الأهل عن مديح أبنائهم أو مساندتهم في اهتمامتهم، ولكن عليهم الأخذ في الاعتبار ما يحب الأبناء فعله، وتقديم الدعم لهم، والتشجيع الواقعي والواضح.
وعندما يقومون بذلك، عليهم تجنب النعوت، فعندما يطلقون على أبنائهم لاعبين محترفين أو أنهم نجوم أو أنهم فائقو الذكاء، فهذه النعوت هي إسقاط لرغبات الأهل أكثر منها حقيقة الأبناء، ممّا يولّد ضغطًا أثناء أداء أي عمل يقوم به الأبناء، فهم يشعرون بالعجز في تحقيق النجاح المطلوب ليكونوا على مستوى المديح الذي يتلقونه من أهلهم.
لذا على الأهل أن يتذكروا أن عليهم احترام حدود أطفالهم، وقدراتهم على الإنجاز، وألا يبالغوا في مديحهم، ولا سيّما إذا كان الإنجاز بسيطًا. المديح الواقعي والحقيقي هو الذي يساعد على تعزيز الثقة بالذات وتقديرها.