البلازما واستخداماتها المتعددة
لعبت ثورة المواد دوراً أساسياً في تقدم الصناعات الهائلة التي شهدها العالم الحديث، فقد ظهرت مواد لم تكن تعرفها البشرية من قبل، كما أن تشكيل تلك المواد نفسها وتطويعها في عملية الصناعة يرتبط بصورة مباشرة مع إمكانيات التصنيع التي توصل إليها الإنسان، فلذلك كان لابدّ من ظهور طرق جديدة للتصنيع، طرق أكثر دقة من ذي قبل، وسنتطرق اليوم إلى الحديث عن البلازما التي ساهمت بقوة في كثير من المجالات الحديثة.
عند الحديث عن البلازما، فإنه من الصعب التحدث عنها كمادة فهي تعبر عن حالة تصل إليها المادة أياً كان نوعها، وكثيراً ما توصف حالة البلازما بأنها الحالة الرابعة للمادة، فهي لا يمكن وصفها بدقة على أنها سائلة أو صلبة أو غازية، لأنها حالة محايدة وسط كل تلك الحالات، فهي تتأثر بالمجالات المغناطيسية، وأشعة الليزر وموجات المايكرويف، وقد تأخذ شكل شبيه بالغيوم، أو تكون على شكل خيوط وحزم، أو طبقات مزدوجة، وقد تحتوي على غبار وحبيبات. وتصل المادة إلى حالة البلازما عندما تتأين وتنفصل إلكتروناتها عن الذرات وتصبح حرة فيصير هناك شقين أحدهما موجب كلياً وآخر سالب، وأكثر ما تحدث هذه الظاهرة في الغازات عندما تصل لدرجات حرارة مرتفعة جداً حتى تهرب منها جميع إلكتروناتها وتبتعد عن الذرات. وقد حصلت البلازما على هذا الاسم عام 1928 عندما وصفها عام الفيزياء والكيمياء إرفنغ Irving Langmuir بأنها تشبه بلازما الدم.
يعد الإنسان حديث عهد بالبلازما، فلم يتم اكتشافها إلا في عام 1879، ولكنها في الحقيقة تشكل 99% من المادة الكونية بين النجوم والمجرات، وحتى الكواكب مثل كوكب المشتري، فإنّ 99.9% منه بلازما، أما الكتلة فيه 0.1% فقط! وعندما توصل الإنسان لطرق تحضيرها بدأ يكتشف كيف يستفيد من هذه الظاهرة في تطور حضارته. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض استخدامات البلازما الشائعة:
معالجة الأسطح:
مع زيادة المنافسة في تصنيع منتجات عالية الجودة، أصبح الشكل النهائي للتصنيع يمثل مقياس للتفضيل بينها، لذا كانت البلازما خياراً مناسباً لتلميع وضبط استواء الأسطح، وذلك لأن البلازما تحتوي على جزيئات ذرية دقيقة للغاية، فيتم تحفيز تلك الجسيمات باستخدام التيار الكهربي أو الموجات قصيرة التردد، ومن ثم يتم توجيهها نحو السطح المراد تلميعه، فتكون النتيجة سطح مستوٍ بشكل فائق الأناقة، حيث تعمل الجسيمات الذرية وكأنها مطارق صغيرة تعمل على طرق السطح الذي تصطدم به.
قطع المعادن:
تعد طرق القطع التقليدية ذات كفاءة ضعيفة عند مقارنتها بالبلازما، فعند مقارنة أسنان منشار عادي بجزيئات قطرها يقاس بالفيمتومتر (ألف ترليون جزء من المتر 10-15) فإنه بالتأكيد سيكون المنشار الأنحف هو الأدق في القطع، أضف إلى ذلك أن الطرق التقليدية تعجز أمام المعادن ذات السمك الكبير، كما نجد أن طرق القطع بالبلازما أكثر دقة من الطرق التقليدية، وهناك أجهزة قطع يمكن التحكم بها من خلال برامج الحاسوب، وهذا يعطي نتائج أكثر دقة من التحكم اليدوي بالقطع.
وصل المعادن:
كما تقوم البلازما بالقطع، يمكن أيضاً أن تستخدم في الوصل، حيث يستخدم قوس البلازما في عمليات اللحام الضخمة، وهو أمر شائع في المنشآت الصناعية الكبيرة، حيث يتيح قوس البلازما حرارة تصل إلى 25 ألف درجة مئوية، مما يجعل لحام قضبان الحديد ذات السماكة الكبيرة أمراً ممكناً. وتتم عملية اللحام من خلال تذويب معدن في الفجوة التي بين القطعتين المراد توصيلهما وذلك عن طريق الحرارة العالية التي تولدها جسيمات البلازما المقذوفة من قوس اللحام.
تصنيع الدوائر الإلكترونية:
تحتوي الرقاقات الإلكترونية التي نستخدمها ضمنياً داخل الأجهزة الإلكترونية على البلايين من الترانزستورات، ولكي يتم وضع هذا الكم الهائل من الدوائر في تلك المساحة الضيقة، لا بد من أداة فائقة الدقة تقوم بنحت الخريطة الإلكترونية التي تمثل الدائرة، وبالفعل يتم استخدام البلازما لصنع تلك المسارات، فالجزيئات الذرية تمثل أدوات حفر ممتازة إذا تم تحفيزها لذلك، وفي نفس الوقت تفوق دقتها أية أداة حفر أخرى.
الجراحة باستخدام البلازما:
من خلال مشرط بلازمي صغير يمكن عمل فتحات في الجسم لإجراء العمليات الجراحية بسهولة، ويتميز هذا المشرط البلازمي على الشريحة المعدنية التقليدية، فهو يقوم بالقطع دون ملامسة الجسم من خلال طاقة البلازما الحرارية والحركية، ويعد أكثر دقة من المشرط العادي، كما أنه آمن لأنه محدد بنطاق تأثير معين بحيث لا يحرق الأنسجة الجانبية أو يقوم بقطع مناطق خاطئة، فهو يؤثر بعمق لا يتعدى 0.3 ملم لذلك لن يخترق المناطق الحساسة، ويمكن استخدامه في جراحة الأعصاب التي تتطلب حساسية عالية.
مصابيح البلازما:
أبسط مصابيح البلازما هي مصابيح النيون التي نستخدمها في المنزل بصورة عادية، وهي تستخدم بلازما ذات طاقة ضعيفة نسبياً، أما وهج البلازما ذو الطاقة العالية فيتمثل في كرة البلازما، أو ما تسمى بظاهر الهيولي، وتكون نتيجة لحركة الإلكترونات النشطة ما بين التراخي والاستثارة، فينتج عن ذلك طيف من الغاز المثار يعبّر عن طاقته بألوان خلابة كما هو الحال في ظاهرة الشفق القطبي.
ولا يقتصر استخدام البلازما على ما ذكرنا حيث تتعدد تطبيقاتها وتختلف باختلاف نوع البلازما ودرجة حرارتها فالبلازما التي في الشمس غير تلك التي تضيء منازلنا، وقد انتشر استخدامها مؤخراً في العديد من المجالات بالرغم من قدم وجودها مع ظواهر الطبيعة مثل البرق، والشفق القطبي. كما أنها موجودة في الفضاء المحيط بنا بصورة كثيفة. ولا نزال نرى يوماً بعد يوم المزيد من تطبيقات البلازما في حياتنا.