اسمه ونسبه :
دعبل بن علي بن رزين ، وينتهي نسبه إلى قبيلة خزاعة .
ولادته ونشأته :
ولد في سنة ( 148هـ ) ، وقيل غير ذلك ، أصله من الكوفة على ما جاء في كثير من المصادر .
وقد كان أبوه وجده وأخواه من الشعراء ، وكانت أكثر إقامته في بغداد ، ثم خرج منها هارباً وعاد إليها .
كما أنه سافر إلى البصرة ، ودمشق ، ومصر ، والحجاز ، والرَّي ، وخراسان .
ما قيل فيه وفي شعره :
قال البحتري : دعبل بن علي أَشعَرُ عندي من مسلم بن الوليد ( أستاذ دعبل ) ، فقيل له كيف ذلك ؟
قال : لأن كلام دعبل أدخل في كلام العرب من كلام مسلم ، ومذهبه أشبه بمذاهبهم .
قال محمد بن القاسم بن مهرويه : سمعت أبي يقول : خُتم الشعر بدعبل .
قال المرزباني : كان دعبل شاعراً مجيداً .
وفي كتاب مجالس المؤمنين : دعبل بن علي الخزاعي له فضل وبلاغة زيادة عن الوصف ، وكان متكلماً أديباً ، شاعراً عالماً .
فإذن كان دعبل الخزاعي شاعراً ، فصيحاً ، ومتفنناً في فنون الشعر ، مادحاً لاذع الهجاء للملوك والأمراء .
ولاؤه لأهل البيت ( عليهم السلام ) :
كان دعبل شديد الموالاة لآل البيت ( عليهم السلام ) ، متجاهراً في ذلك ، متعرضاً بالهجاء لكل من يناوئهم .
وقد تحمَّل في سبيل ذلك كثيراً من المتاعب ، واضطر إلى عبور الصحاري والفلوات هرباً ممن هجاهم من الخلفاء .
هجاؤه لبعض الملوك :
مدح دعبل الملوك والأمراء وأخذ جوائزهم ، كما هجا جملة منهم ، ويتهمه البعض بأن هجاءه للملوك يكون بعد مدحهم ، وهذا منه قلَّة وفاء .
والصحيح ليس كذلك ، وإنما كان هجاء دعبل لسوء عقيدته فيهم ، وذلك بسبب إساءتهم للأئمة ( عليهم السلام ) الذي أخلص لهم .
فإنه كوفيُّ المنبت ، والكوفة منبع التشيع ، وهو خزاعيُّ النَّسب ، وخزاعة كانت معروفة بالتشيع لآل البيت ( عليهم السلام ) بعد الإسلام .
فَرُوِيَ أنَّه : قيل لدعبل : لماذا تهجو من تخشى سطوته ؟
قال : أنا أحمل خشبي على ظهري منذ خمسين سنة ، فلا أجد من يصلبني عليها .
وهذا دليل جرأته وإقدامه على هجاء من يستحق الهجاء في نظره ، ولو أدَّى ذلك إلى الصَّلب .
يقول دعبل الخزاعي عندما كان في البصرة ولما جاءه خبر موت المعتصم وقيام الواثق مكانه :
الحمدُ للهِ لا صَبـرٌ وَلا جَلَدُ وَلا عزاء إذَا أهلُ البَلا رَقَدُوا
خليفةٌ ماتَ لمْ يحزنْ لُه أَحدٌ وآخرٌ قَامَ لـم يفرحْ بِهِ أحـدُ
وقال في زمن المأمون وهو يهجو هارون العباسي الذي قد دفن إلى قدمي الإمام علي بن موسى الرضا :
قَبرانِ في طوسِ خيـرِ الخَلقِ كُلِّهِمُ وقبـرُ شـرِّهِمُ هـذا مـن العبـرِ
ما ينفع الرِّجس من قُربِ الزَّكيِّ وما على الزَّكي بقرب الرِّجس من ضَررِ
مؤلفاته :
نذكر منها ما يلي :
1 - كتاب طبقات الشعراء .
2 - كتاب الواحد في مثالب العرب ومناقبها .
3 - ديوان شعره ، وهو مفقود كما فقد غيره من نفائس الدواويين ، ومما يدلُّ على كثرة شعر دعبل ما روي في كتاب الأغاني عنه أنه قال :
مكثت ستين سنة ليس من يومٍ ذر شارقه إلا وأنا أقول فيه شعراً .
وفاته :
استشهد ظلماً وعدواناً في عام ( 246 هـ ) ، بعد أن قضى ( 97 ) عاماً .
واختلف في مقتله فمنهم من قال : أنه هجا الخليفة العباسي المعتصم فقتله
وقيل : أُغتيل في منطقة السوس بعد أن هجا ابن طوّق التغلبي .
قبل فترة قرأت فى قسم الشعر الفصيح رائعة دعبل الخزاعي التائيه ( افاطم لو خلت الحسين مجدلا ) للاخ سيف الحميداوي واليوم نذكر قصة القصيدة كامله وتشرف دعبل بمقابلة الامام على الرضا واضافة ابيات من الامام للقصيدة وبكائه بسببها
قصة القصيدة مع الامام الثامن على بن موسى الرضا
اعتبرت قصيدة دعبل الخزاعي (مدارس آيات) إحدى قمم البلاغة العربية و(أحسن الشعر وفاخر المدايح المقولة في أهل البيت) ، وامتازت بقوة التعبير وروعة الأداء، عدد أبياتها (121) بيتاً..
و(قصيدة دعبل التائية في أهل البيت من أحسن الشعر وأسنى المدايح)
قال دعبل: في سنة 198 هـ دخلت على سيدي الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا بخراسان، فقلت له: يا بن رسول الله، إني قلت فيكم أهل البيت قصيدة، وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك وأحب أن تسمعها مني. فقال لي: هاتها.... فأنشدته:
مدارس آيات خلت من تلاوة ومهبط وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى وبالبيت والتعريف والجمرات
ديار علي والحسين وجعفر وحمزة والسجاد ذي الثفنـات
ديار عفاها جور كل منابذ ولم تعف بالأيام والسنوات
ديار لعبد الله والفضل صنوه سليل رسول الله ذي الدعوات
منازل كانت للصلاة وللتقى وللصوم والتطهير والحسنات
منازل جبريل الأمـين يحلها من الله بالتسليم والزكوات
ولما بلغت قولي:
أرى فيئهم في غيرهم متقسما وأيديهم من فيئهم صفرات
بكى أبو الحسن وقال لي: صدقت يا خزاعي ، فواصلت إنشادي.. حتى انتهيت إلى قولي: إذا وتروا مدّوا إلى أهل وترهم أكفّاً عن الأوتار منقبضات
فبكى الإمام الرضا حتى أغمي عليه.. فأومأ إليّ خادم كان على رأسه: أن أسكت.. فسكتّ!!. فمكث ساعة ثم قال لي: أعد.. فأعدت القصيدة ثانية. حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً فأصابه مثل الذي أصابه في المرة الأولى . وأومأ الخادم إليّ مجدداً: أن أسكت.. فسكت!! فمكث الإمام الرضا ساعة أخرى ثم قال لي: أعد.. فأعدت القصيدة.. فجعل يقلب كفيه ويقول: أجل والله (منقبضات). فتابعت إنشادي: وآل رسول الله نحف جسومهم وآل زياد أغلظ القصرات
سأبكيهم ما ذرّ في الأفق شارق ونادى منادي الخير بالصلوات
وما طلعت شمس وحان غروبها وبالليل أبكيهم وبالغدوات
ديار رسول الله أصبحن بلقعاً وآل زياد تسكن الحجرات
وآل زياد في القصور مصونة وآل رسول الله في الفلوات
وحين ذكرت الحجة القائم عجل الله فرجه بقولي:
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد تقطع نفسي إثرهم حسراتي
خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم الله بالبركات
يميّز فينا كلّ حقّ وباطل ويجزي عن النعماء والنقمات
فيا نفسي طيبي ثم يا نفسي فاصبري فغير بعيد كل ما هو آت
فوضع الرضا يده على رأسه وتواضع قائماً ودعى له بالفرج . ثم رفع رأسه إليّ وقال: يا خزاعي، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام؟! أو متى يقوم؟ فقلت: لا يا سيدي؟ إلا أني سمعت عن آبائي بخروج إمام منكم، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. فقال: إن الإمام بعدي ابني محمد وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجة القائم، وهو المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت جوراً وظلما، وأما متى يقوم فإخبار عن الوقت، لقد حدّثني أبي عن آبائه عن رسول الله قال: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة !! وتابعت الإنشاد.. ولما بلغت إلي قولي:
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي
قال الرضا: آمنك الله يوم الفزع الأكبر..ولما انتهيت إلى قولي:
وقبر ببغداد لنفس زكية تضمّنها الرحمن في الغرفات
قال لي الرضا : أفلا ألحق بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟. فقلت: بلى يا بن رسول الله... فقال: ( مشار الى الابيات باللون الازرق بالقصيدة بالاسفل )
وقبر بطوس يا لها من مصيبة توقّد في الأحشاء بالحرقات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً يفرّج عنّا الهمّ والكربات
فقلت: يا بن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟! فقال: قبري ولا تنقضي الأيام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري، ألا فمن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له. ولما فرغت من إنشاد قصيدتي كاملة قال لي: أحسنت - ثلاث مرات - ثم نهض وأمرني: لا تبرح.. وبعد حين أنفذ إليّ بيد الخادم صرة فيها عشرة آلاف درهم رضوي مما ضرب باسمه واعتذر إليّ!! فرددتها وقلت للخادم: والله ما لهذا جئت وإنما جئت للسلام على ابن رسول الله والتبرك بالنظر إلى وجهه الميمون وإني لفي غنى.. فإن رأى أن يستوهبني ثوباً من ثيابه للتبرك به وليكون كفني في آخرتي فهو أحبّ إليّ.. فأعطاني الإمام الرضا قميصاً خزاً أخضر وخاتماً فصه عقيق مع الصرة.. وقال للخادم: قل لدعبل خذها ولا تردها فإنك ستصرفها، وأنت أحوج ما تكون إليها.. (واحتفظ بهذا القميص فقد صليت فيه ألف ركعة وختمت فيه القرآن ألف ختمة) ، فأخذتها فرحاً.. وأمر لي من في منزل الإمام الرضا بحليّ كثيرة أخرجها إليّ الخادم، (فقدمت العراق فبعت كل درهم رضوي منها بعشرة دراهم اشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة ألف درهم فكان أول مال اعتقدته) .
وبلغ خبر القميص - وقيل (الجبة) - أهل (قم) فاعترضوا طريق دعبل وسعوا للحصول عليها.. وسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم فلم يفعل.. فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصباً فهددهم بالشكوى إلى الإمام الرضا .. فصالحوه.. وأعطوه الثلاثين ألف درهم وأحد أكمامها.. قيل لدعبل: لم بدأت عند إنشادك للرضا بمدارس آيات؟! ولم تبدأ بأول القصيدة ومطلعها: ذكرت محلّ الربع من عرفات فأجريت دمع العين بالعبرات
وفلّ عرى صبري وهاجت صبابتي رسوم ديار أقفرت وعرات
فرد دعبل: استحييت من الإمام أن أنشده التشبيب فأنشدته المناقب ورأس القصيدة:
تجاوبن بالأرنان والزفرات
نوائح عجم اللفظ والنطقات
القصيدة كاملة
تجاوبن بالإرنانِ والزفراتِ
نوائحُ عُجمُ اللفظِ والنطقاتِ
يُخَبِّرن بالأنفاسِ عن سرِّ أنفُسٍ
أسارى هوىً ماضٍ وآخرَ آتِ
فأسعدنَ أو أسعفنَ حتى تَقَوّضتْ
صُفُوفُ الدُّجى بالفَجْرِ مُنْهَزِماتِ
على العرصاتِ الخالياتِ مِنَ المَهَا
سلامُ شَبَحٍ حَسَبٍ على العَرَصاتِ
وعَهْدِي بِها خُضْرَ المَعَاهدِ مَأْلَفاً
مِنِ العَطِراتِ البِيضِ والخَفِراتِ
لَيالِيَ يُعْدِينَ الوِصالِ على القِلى
ويُعدي تدانينا على الغرباتِ
وإذ هُنَّ يلحظنَ العيونَ سوافراً
ويستُرنَ بالأيدي على الوجناتِ
وإذ كلَّ يومٍ لي بلحظي نشوةُ
يبيت لها قلبي على نشواتي
فكم حسراتٍ هاجها بمُحَسِّرٍ
وقوفي يوم الجمع من عرفاتِ
ألم ترَ للأيامِ ما جرَّ جورُها
على الناس من نقصٍ وطولِ شتاتِ
ومِن دولِ المستهترين ومَن غَدا
بهم طالباً للنورِ في الظلماتِ
فكيفَ ومِن أنّى يُطالِبُ زُلفةً
إلى اللهِ بعد الصومِ والصلواتِ
سوى حُبِّ أبناءِ النبيِّ ورهطهِ
وبغضُ بني الزرقاءِ والعبلاتِ
وهندٍ وما أدّتْ سميةُ وابنها
أولوا الكفر في الإسلام والفجراتِ
هُم نقضوا عهدَ الكتابِ وفرضَهُ
ومُحْكَمَهُ بالزورِ والشُبُهاتِ
ولم تكُ إلا محنةٌ كَشَفَتْهُمُ
بدعوى ضلالً من هنٍ وهناتِ
تُراثٌ بلا قربى ومُلْكٌ بلا هدىً
وحكمٌ بلا شورى بغيرِ هداةِ
رزايا أرتنا خُضرةَ الأُفقِ حمرةً
وردّت أُجاجاً طعمَ كلِّ فراتِ
وما سهّلَتْ تلك المذاهب فيهمُ
على الناس إلا بيعةُ الفلتاتِ
وما نال أصحابُ السقيفةِ إمرةً
بدعوى تراثٍ بل بأمرِ تِراتِ
ولو قلّدوا المُوصى إليه زِمَامَها
لَزُمَّتْ بمأمونٍ من العثراتِأ
خاتم الرسلِ المصفّى من القذى
ومُفترسَ الأبطالَ في الغمراتِ
فإن جحدوا كان الغَديرُ شَهِيدَهُ
وبدرٌ وأُحُدٌ شامخَ الهضباتِ
وآيٌ من القرآنِ تُتلى بفضلهِ
وإيثارهُ بالقوتِ في اللزباتِ
وغُرُّ خِلالٍ أدرَكَتْهُ بِسَبقها
مناقِبُ كانت فيهِ مؤتنِفاتِ
مناقبُ لم تُدرك بكيدٍ ولم تُنَلْ
بشيءٍ سوى حدُّ القنا الذرباتِ
نجيٌّ لجبريلَ الأمينِ وأنتُمُ
عُكُوفٌ على العُزّى معاً ومناةِ
بكيتُ لرسمِ الدارِ من عرفاتِ
وأذريتُ دمعَ العينِ في الوجناتِ
وفُكَّ عُرى صبري وهاجت صبابتي
رسومُ ديارٍ قد عفت وعراتِ
مدارسُ آياتٍ قد خلت من تلاوةٍ
ومنزلُ وحيٍ مُقْفِرُ العرصاتِ
لآل رسولِ الله بالخيفِ من منىً
وبالركنِ والتعريفِ والجمراتِ
ديارُ عليٍّ والحسينِ وجعفرٍ
وحمزةَ والسجّادِ ذي الثفناتِ
ديارٌ لعبد الله والفضلِ صِنوهِ
نجيِّ رسولِ اللهِ في الخلواتِ
وسبطيْ رسولِ اللهِ وابني وصيّهِ
ووارثِ علمِ اللهِ والحسناتِ
منازلُ وحيُ اللهِ ينزلُ بينها
على احمدَ المذكورُ في السوراتِ
منازلُ قومٍ يُهتدى بهُداهِمُ
فتؤمنُ منهمُ زلّةُ العثراتِ
منازل كانت للصلاةِ وللتُقى
وللصوم والتطهيرِ والحسناتِ
منازلُ لا تيمٌ يحِلُّ بِرَبْعِها
ولا ابن صُهاكَ هاتِكُ الحُرُماتِ
ديارٌ عفاها جورُ كلِّ منابذٍ
ولم تعفُ للأيامِ والسنواتِ
فيا وارثي علم النبيِّ وآله
عليكم سلامٌ دائمُ النفحاتِ
قفا نسألُ الدارَ التي خفَّ أهلها
متى عهدها بالصومِ والصلواتِ
وأين الأُلى شطّتْ بهم غُربةُ النوى
أفانين في الآفاق مفترقاتِ
هُمُ أهلُ ميراثِ النبيِّ إذا اعتزوا
وهُم خيرُ قاداتٍ وخيرُ حماةِ
إذا لم نناجِ اللهَ في صلواتنا
بأسمائهم لم يَقبل الصلوات
مطاعيم في الإقتار في كلِّ مشهدٍ
لقد شُرِّفوا بالفضل والبركاتِ
وما الناسُ إلاّ حاسدٌ ومكذّبٌ
ومضطغنٌ ذو إحنةٍ وتِراتِ
إذا ذكروا قتلى ببدرٍ وخيبرٍ
ويومَ حُنينٍ أسبلوا العبراتِ
وكيفَ يُحِبون النبيَّ ورهطَهُ
وهم تركوا أحشائهم وغرات
لقد لاينوهُ في المقالِ وأضمروا
قلوباً على الأحقادِ منطوياتِ
فإن لم تكن إلا بقربى محمدٍ
فهاشمٌ أولى من هنٍ وهناتِ
سقى اللهُ قبراً بالمدينةِ غيثهُ
فقد حلّ فيه الأمن بالبركاتِ
نبيُّ الهُدى صلّى عليهِ مليكُهُ
وبلّغَ عنّا روحه التحفاتِ
وصلّى عليهِ اللهُ ما ذرَّ شارقٌ
ولاحت نجوم الليل مبتدراتِ
أفاطمُ لو خلتِ الحسينَ مجدلاً
وقد مات عطشاناً بشطِّ فراتِ
إذن للطمت الخدَّ فاطم عنده
وأجريت جمع العين بالوجنات
أفاطمُ قومي يا ابنة الخير واندبي
نجومَ سمواتٍ بأرضِ فلاةِ
قبورٌ بكوفان وأخرى بطَيْبَة
وأخرى بفَخٍّ نالها صلواتي
وأُخرى بأرضِ الجَوزَجانِ مَحَلُّها
وقبرٌ بباخمرا لدى القُرُباتِ
وقبرٌ ببغدادَ لنفسٍ زكيةٍ
تضمنها الرحمن بالغرفات
وقبرٌ بطوسَ يا لها من مصيبةٍ
ألحّت على الأحشاءِ بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماُ
يقومُ على اسم الله والبركاتِ
فأما الممضاتُ التي لستُ بالغاً
مبالغَها منّي بكنهِ صِفاتِ
قبور بجنب النهر من أرض كربلا
مُعَرَّسهم منها بشطِّ فراتِ
تُوفوا عطاشا بالعراءِ فليتني
تُوفيت فيهم قبل حين وفاتي
إلى الله أشكو لوعة عند ذكرهم
سقتني بكأس الثكل والفظعاتِ
أخاف أن أزدارهم فَتَشوقَني
مصارعهُم بالجزعِ فالنخلاتِ
تَقَسَّمَهُم رَيْبُ الزمانِ فما ترى
لهم عَقْوَةً مغشيَّةِ الحُجُراتِ
خلا أنَّ منهم بالمدينة عصبةً
مدى الدهر أنضاءً من الأزماتِ
قليلةَ زوّارٍ سوى بعضَ زُوَّرٍ
من الضبعِ والعقبان والرخماتِ
لهم كل يومٍ نومةٌ بمضاجعٍ
لهم في نواحي الأرض مختلفات
تنكبوا لأواء السنين جوارهم
فلا تصطليهم جمرةُ الجمراتِ
قد كان منهم بالحجاز وأهلها
مغاويرُ نحّارون في السنواتِ
حمىً لم تزره المذنباتُ وأوجهٌ
تُضيءُ لدى الأستارِ في الظلماتِ
إذا وردوا خيلاً تَسَعَّرٌ بالقنا
مساعِرُ جمرَ الموتِ والغمراتِ
وإن فخروا يوماً أتوا بمحمدٍ
وجبريل والفرقان ذي السوراتِ
وعدّوا علياً ذا المناقبِ والعلا
وفاطمة الزهراء خير بنات
وحمزة والعباس ذا الهدي والتقى
وجعفراً الطيّار في الحجباتِ
أولئك لا أبناء هندٍ وتربها
سمية من نَوْكى ومن قذرات
سَتُسْألُ تَيمٌ عنهُمُ وعديُّها
وَبَيعَتُهُم من أفجرِ الفجراتِ
هُمْ منعوا الآباء عن أخذ حقِّهم
وهم تركوا الأبناء رهنَ شتاتِ
وهم عدلوها عن وصيِّ مُحَمَّدٍ
فبيعتهم جاءت على الغدراتِ
وليُّهم صنو النبيَ محمد
أبو الحسن الفرّاجُ للغمراتِ
ملامك في آل النبيِّ فإنّهُمأ
حبّايَ ما عاشوا وأهلُ ثقاتي
تخيرتُهم رُشداً لأمري فأنّهم
على كلِّ حالٍ خيرةُ الخيراتِ
نبذتُ إليهم بالمودة جاهداً
وسلّمتُ نفسي طائعاً لولاتي
فيا ربِّ زدني من يقيني بصيرةً
وزِدْ حبهم يا ربِّ في حسناتي
سأبكيهم ما حجَّ للهِ راكبُ
وما ناح قمريٌّ على الشجراتِ
وإني لمولاهم وقالٍ عدوّهم
وإني لمحزونٌ طوالَ حياتي
بنفسي أنتم من كهولٍ وفتيةٍ
لفكِّ عُناةٍ أو لحملِ دياتِ
وللخيلِ لمّا قيّد الموتُ خطوها
فأطلقتُمُ منهُنَّ بالذرباتِ
أُحبُّ قَصِيَّ الرحم من أجل حبّكمُ
وأهجرُ فيكم أُسرتي وبناتي
وأكتمُ حُبَّيْكُمُ مخافةَ كاشحٍ
عنيدٍ لأهلِ الحقِّ غيرُ مواتِ
فيا عينُ بكّيهِم وجودي بِعَبْرَةٍ
فَقَدْ آنَ للتسكابِ والهملاتِ
لقد خِفْتُ في الدنيا وأيامِ سعيها
وإنّي لأرجو الأمنَ بعدَ وفاتي
ألم ترَ أني من ثلاثين حِجَّةً
أروحُ وأغدو دائمِ الحسراتِ
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً
وأيديهم من فيئهم صفراتِ
فكيف أُداوى من جوىً لي
والجوى أميَّةُ أهل الفسقِ والتبعاتِ
بناتُ زيادٍ في القصور مصونةٌ
وآلُ رسولِ اللهِ في الفلواتِ
وما طلعت شمسٌ وحان غروبها
وبالليل أبكيهم وبالغدواتِ
ديارُ رسولِ اللهِ أصبحنَ بلقعاً
وآل زيادٍ تسكنُ الحجراتِ
وآل رسول الله تُدمى نحورهم
وآل زيادٍ رَبَةِ الحجلاتِ
وآل رسول الله تُسبى حريمهم
وآل زيادٍ آمنوا السرباتِ
وآل رسول الله نُحْفٌ جُسُموهم
وآل زيادٍ غُلّظ القَصَراتِ
سأبكيهم ما ذرَّ في الأفق شارقٌ
ونادى منادي الخير بالصلواتِ
إذا وتِروا مدوا إلى واتريهم
أكُفّاً عن الأوتار منقبضاتِ
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غدٍ
تقطّعَ قلبي إثرهُم حسراتِ
خروج إمام لا محالة خارجٌ
يقوم على اسم الله والبركات
يَمِيزُ فينا كل حقٍ وباطلً
ويجزي على النعماءِ والنقماتِ
فإن قرّبَ الرحمن من تلك مدتي
وأخَّرَ من عمري ليوم وفاتي
شَفِيتُ ولم أترك لنفسي غُصَّةً
وروّيتُ منهم مِنصَلي وقناتي
فأن قلتُ عُرفاً أنكروهُ بمنكرٍ
وغطّوا على التحقيق بالشبهاتِ
تقاصَرُ نفسي دائماً عن جدالهم
كفاني ما أُلقي من العِبراتِ
أُحاولُ نقلَ الشُمِّ من مستقرِّها
وإسماعَ أحجارٍ من الصلداتِ
فحسبي منهم أن أموت بغصَّةٍ
تَرَدَّدُ بين الصدرِ واللهواتِ
فَمِنْ عارفٍ لم ينتفِعْ ومعاندٍ
يميل مع الأهواءِ والشهواتِ
كَأَنَّكَ بالأضلاعِ قد ضاق رحبُها
لمّا ضُمِّنَتْ من شدَّةِ الزفراتِ
فيا نفس طيبي ثمَّ يا نفس أبشري
فغيرُ بعيدٍ كلُّ ما هو آتِ
ولا تجزعي من مدة الجور إنني
كأني بها قد آذنت بشتاتِ
فإني من الرحمن أرجو بحبهم
حياةً لدى الفِردوسِ غيرَ بتاتِ