أهمية تنمية شخصية الطفل عبر المشاركة في الأعمال المنزلية
غالباً ما يميل الوالدان إلى توفير الراحة التامة لأبنائهم، لدرجة أن يعفوهم من كثير من الالتزامات الواجبة عليهم؛ في حين أن أساليب التربية الحديثة ترى في ذلك هدماً لشخصية الطفل وتعويده على الإتكالية. والمنزل هو عالم الطفل الأول الذي من خلاله يتعلم أبجديات الحياة، لذلك يقال إن إشراكه في الأعمال المنزلية وقرارات الأسرة ضرورة تربوية لها تأثيرات مستقبلية على شخصيته.
عندما يكبر حجم الأسرة ويكثر الأولاد، تزداد الواجبات المنزلية، ويصبح تحميل الأم وحدها بهذه الواجبات إرهاقاً لها؛ عندها يلجأ كثير من الآباء إلى تحميل الأطفال هذه الأعباء خاصة في الأسر التي لا يكفي راتبها الشهري لتأجير الخادمة. وأما الأسر الثرية، فتقوم بتأجير الخادمة لتكفيهم مسؤولية هذه الواجبات؛ والحقيقة أن الأسر التي تقوم بتأجير الخادمة، تخسر الكثير لأنها تُعلِّم أبناءها التواكل وعدم تحمل المسؤولية، وإلقاء كل المهام على الخادمة فينعدم تكاتف أفراد الأسرة مع بعضهم البعض وينقطع الشعور بأن كل فرد من أفراد هذه الأسرة مسؤول عن هذا البيت، وعن كل قشرة تقع في أرضه.
الحقيقة أن استخدام الأطفال ومشاركتهم في الأعمال المنزلية له دور كبير في تكوين شخصية الأطفال، كما أن هذه المشاركة تساهم في تعليمهم تحمّل المسؤولية، كذلك في تقوية الروابط بين أفراد الأسرة، وتعويد الأبناء مساعدة آبائهم.
المسؤولية هي إحدى السمات الشخصية الأكثر أهمية والمرغوبة بشدّة، وهي تعني أن تكون جديراً بالثقة، ويُعتمد عليك وتتحمل عواقب تصرفاتك، وبمجرد اكتساب هذه السمة، فإنها تعزز سمات أخرى للشخصية مثل الاحترام والتعاون والإهتمام.
المسؤولية هي العمود الفقري للصداقة والإعتماد على النفس. لا توجد سن معينة للبدء في تعلّم المسؤولية، وعلى الآباء والمدرّسين أن يشجعوا أطفالهم وطلابهم على تحمّل المسؤولية في أي مكان وفي أي وقت يظهرون فيه استعداداً لذلك؛ وإنّ إبتسامة أو كلمة تشجيع من الأم لطفلها عندما يرفع ذراعه ليتمكن من ارتداء قميصه بسهولة يمكن أن تكون أول درس يعطى للطفل في التعاون أو في تحمّل المسؤولية.
فلذلك أول طريق لإشراك الطفل في الأعمال المنزلية، هو تعليمه المسؤولية؛ فمن خلال هذه المسؤولية لا يصبح الطفل فقط مشتركاً ومتعاوناً في أعمال المنزل، بل تعلّمه المبادرة والأخذ بزمام الأمور، فهو جدير باستحقاق الثقة.
إن تنمية الشعور بالمسؤولية لدى الأطفال يجب أن يكون الهدف الذي تسعى إليه تربيتهم وتعليمهم؛ فيما تقدمه لهم هذه التربية من خبرات مختلفة وتتبعه معهم من أساليب متعددة.
كيف نعلم أبناءنا المشاركة في الأعمال المنزلية:
كثيراً ما يستخدم الآباء الأساليب السلبية في تعليم أبنائهم المشاركة في الأعمال المنزلية، (إذا لم يتم تنظيف المنزل فلا لعب. أو إذا لم تنظف الغرفة فستُحرم من المصروف). ولكننا نريد منك أخي المربي، إن تستخدم الأسلوب الإيجابي وتجعله مكان الأسلوب السلبي في تعليم الأبناء المشاركة في الأعمال المنزلية؛ فيكون الخطاب كالآتي: إن قمت بتنظيف الغرفة ستكافأ بكذا، إذا ساعدت أمك في تنظيف المطبخ سيزيد مصروفك كذا، فقط قم بتغيير طريقة الخطاب مع طفلك، قد تظن إن النتيجة واحدة ولكنها في الحقيقة تختلف بكثير... ففي المدة التي تخاطب فيها طفلك بالأسلوب السلبي، سيتعلم طفلك أن المشاركة في الأعمال المنزلية دائماً تجلب له الألم، أما حين تخاطبه بالخطاب الإيجابي فتعلمه أن المشاركة في الأعمال المنزلية تجلب له السعادة.
بعض النصائح وأنت تعلّم طفلك المشاركة في الأعمال المنزلية:
- عوّد طفلك، أخي الحبيب، على هذه المشاركة من الصغر فمن شبَّ على شيء شاب عليه، ولا نقول هذا يتنافى مع الطفل بل عمل البرّ لا يتنافى أبداً مع الطفولة.
- كلما كبر الطفل أراد الحصول على امتيازات أكثر، لذا عليك بالربط بين المسؤوليات والامتيازات، فكلما قام الطفل بمهام أكثر زادت امتيازاته.
- مشاركة الأب لها دور كبير في مشاركة الأبناء، فكلما كان للأب دور في الأعمال المنزلية، اقتدى الأبناء بوالدهم فلا يتكبر الأب ويكون في خدمة عائلته.
- لا تربط الأعمال المنزلية بيوم العطلة على وجه الخصوص؛ فهذا يشعر الأولاد بالضيق والضجر، بل قسِّم العمل على كل أيام الأسبوع بدلاً من أن يتراكم العمل كله في يوم واحد فنجمع بين انهاء العمل واستمتاع الطفل بيوم اجازته.
- يجب ألا تثقل كاهل طفلك بالأعباء الكثيرة والمسؤوليات، فهذا يمكن أن يشعره بالإستياء والتذمّر.
- عليك بمراعاة عمر الطفل والأعمال التي تكلفها به، كذلك أيضاً مراعاة كون الطفل ولداً أو بنتاً؛ فهناك أعمال تتناسب مع الفتيات وأخرى تتناسب مع الأولاد.
- عليك بتقبل الجهود التي يبذلها طفلك، حتى وإن كانت دون المستوى الذي ترغبه.
- حدد وقتاً لبدء العمل ووقتاً لإكماله، فلا تدع الأعمال المنزلية تتمّْ بصورة فوضوية، بل كن مرتبْاً. حتى لا يستاء طفلك من الأعمال المنزلية أو يشعرانها في كل الأوقات، إجعل لها وقتاً محدّداً؛ أمّا الأعمال الطارئة، فيتشارك فيها الجميع.
- لا تربط المشاركة في الأعمال المنزلية دائماً بالمكافئة حتى لا نصنع أبناء ماديين لا يتحركون إلا بالجوائز؛ ولكن لا مانع من الجائزة شرط أن لا تكون في كل مرة؛ ولا بدّ أن يتعلّم أنّ مساعدتهم لوالدتهم أمر طبيعي ويتربّون عليه من صغرهم.
- كما أنه من الجدير بالأهمية أن يتذكر الأهل، أن الأطفال في سنهم المبّكر ليست عقولهم ونفوسهم مبرمجة كي يأخذوا المسؤوليات التي تطرح عليهم مأخذ الجد؛ ولكن نقول أنه كلما كان جانب المتعة يضفي على جانب المسؤوليات كانت بدورها هذه الأعمال أكثر تحفيزاً وجاذبية للأطفال. فلا بدّ أن تحل هنا الحكمة وأن يتعاملوا معهم بمرونة، من دون صراخ ولا لوم فهذا لا يُجدي البتة.
تجدر الإشارة بالتذكير بالحافز المادي خاصة، إذا كان الأطفال يوفرون، للحصول على لعبة جديدة أو حذاء رياضي أو ما شابه، أما إذا كان المال غير مدرج وغير مقبول بالنسبة للبعض، فبالإمكان تحفيزهم بأخذهم إلى مطعمهم المفضّل أو بشراء كتاب جديد أو بالسماح لهم باستقبال أصدقائهم في البيت، ولا يجوز إعتبار هذه النقود أو الدعوات رشوة، بل هي محفّز إيجابي يعلّمهم، أنهم قبل أن يأخذوا يجب أن يعطوا، وهذا بحد ذاته درس مفيد.
ونلفت الإنتباه إلى أنكم كلّما عوّدتم طفلكم على أن يساعدكم في الأعمال المنزلية في وقت مبكّر من طفولته مثلاً (ترتيب الألعاب والكتب، إزالة الغبار، حمل البقالة، فرز الأغراض، تحضير المائدة، ترتيب السرير)، تسهل عليه المشاركة لاحقاً، وإنهاء ترتيب المنزل أو غرفته بنفسه عندما يكبر؛ فهو بذلك يتحمّل المسؤولية ويكون نشيطاً ومساعداً منذ الصغر.