قالت وأنا أودعها ذات مساء حزين: هل تجمعنا الأيام مرة أخرى؟
قلت: لولا الأمل ما تحملنا كآبة الحياة .. إنه الشمعة الوحيدة التي تضيء عيوننا حينما تظلم كل الأشياء..
كنت أعلم أن لقاءنا يبدو كسحابة بعيدة لن تتوقف مسيرتها، وأن قدرنا أن نجري وراءها نطاردها، نحاول أن نراها من بعيد، نسقط أحيانا.. ونقف أحيانا، ولكننا نعدو خلف هذه السحابة، نرى فيها ...كل الأشياء..نرى الحب فيها، ونرى العطاء والأمن والمأوى..
لم يكن باستطاعتنا أن نصعد إليها، وهي لن تهبط من مسارها البعيد..
قالت: ربما تنسيك الأيام أنني أحببتك يوما..زحمة الأشياء تنسينا أحيانا قيمتها.
قلت: يوما معك أبيع من أجله سنوات طويلة من عمري..الأيام ليست بأعدادها، الأيام بجمالها..
ماذا تساوي ملايين من الأوراق المالية المزورة..سوف تحرق وتلقى في صناديق القمامة، وما أكثر الأيام المزورة في حياتنا..إنها كثيرة !!
ما أكثر ساعات الزيف والدجل والنفاق..وما أقل ساعات الصدق !!
أجمل ما في الحب صدقه، إنني معك أعرف قيمة صدقي وأعرف أيضا كم يسرق الزيف أياما طويلة من عمري..
إنني سوف أذكرك دائما لأنني كثيرا ما أشتاق صدقي.
قالت: ولكنك شاعر..والمرأة عندك قصيدة..
قلت: ليست المرأة عندي قصيدة..إنها نقطة ضوء أجري خلفها كلما اشتد الظلام حولي..أجد فيها الأمن والمأوى.
والضوء ينير لنا أحيانا..ولكنه كثيرا ما يحرقنا..!!
والمرأة عندي ضوء وحريق..كثيرا ما تضيء لكي تحرق رغم أن الله خلقها لتكون ضوءا..لكن الزمن علمها أن تجمع الفراشات حولها وكثيرا تزهو بالضحايا.
ليست المرأة مجرد قصيدة عندي، وساعة مع امرأة أحبها أجمل عندي من كل ما كتب الشعراء..إنني أكتب الشعر لأنني عاشق وليس لأنني شاعر، فما أكثر الشعراء وما أقل العشاق .
أجمل ما في العشق الصدق، وأجمل ما في الصدق الشعر..إن الصدق يجعل منا شعراء، ولكن الشعر لا يخلق فينا الصدق.
قالت: المسافات بيننا بعيدة، كلانا غريب، وكلانا لا يعرف لنفسه أرضا أو زمانا..
قلت: الحب لا يعرف الأوطان، والشوق لا يعرف حدود الأشياء، سوف أشتاقك ولو فرقت بيننا بحار الدنيا، وسوف أحبك وأنا هنا..وأنت هناك.
سوف أراك بأشياء أعمق من عيني، وسوف أحسك بأشياء أصدق من حسي، سوف ألقاك وإن كنت بعيدة، وأسمعك وليس بيننا كلام، وأشم عطرك وإن كنت خارج حدود الأرض..!!
كان المساء حزينا .. وكان وجهها شاحبا
وكانت الشوارع الخالية تذكرني بساعات الوحدة التي تتلقفني من بعيد..
كان قلبي ينزف في داخلي .. والأماني تترنح في أعماقي
وكنت أسأل نفسي ولا أريد أن أسألها..
هل تجمعنا الأيام مرة أخرى؟!
وغاب السؤال في أعماقنا .. ومازلنا ننتظر.
فاروق جويده
من كتاب ( قالت )