نبذة مختصرة عن السيد الشاعر حيدر الحلي
أسرته
لا أُغالي إذا قلت أنّ العراق له نصيبه الأوفر في سجّل الأدب العربي من صدر الإسلام حتى يومنا هذا ، كما لا أُغالي أيضاً إذا قلت أنّ مدينة (الحلّة) بلد الشاعر لها النصيب الأوفر من هذا النصيب . ولعلّي في غنىً عن الإدلاء بالبرهان ، غير أنَّ
الصفحة (6)
ما جاء في كتابي (البابليات) الماثل للطبع والذي اقطتفته من كتابي الكبير (أدب العراق في القرون المظلمة) سيكشف عن سرّ هذا القول .
وإذا ما نظرنا مليّاً نجد أنّ مدينة (الحلة) الزاخرة بالأدباء في القرون الثلاثة الماضية قد استطال فيها بيت الشاعر ، واتضحت أسرته وضوحاً غمر تأريخ الأدب في هذه المدينة ، فقد اجتمع لهذا البيت ما لم يجتمع لغيره على الأكثر من أسبابه ، وعوامل أدّت إلى خلوده وانتشار صيته ، كما إنّ شاعرنا استطال من بين هذه الأُسرة واحتلأ أسمى مقامٍ فيها ، فاتفق له ما لم يتفق لغيره في سِيَر الأدباء ، فتراه شاعراً وابن شاعر ، وابن أخي شاعر ، وحفيد شاعر ، وأباً لشاعر ، وعمّاً لشاعر .
أمّا كونه ابن شاعر : فأبوه السيد سليمان الصغير ، شاعر مُجيد ، سجّلنا له شعراً كثيراً في كتابنا ، وهو من الشعر المقبول ، ساجل فيه فريقاً من شعراء عصره .
وأمّا كونه ابن أخي شاعر : فعمّه السيد مهدي السيد داود من أشهر مشاهير شعراء عصره ، وشيخ من شيوخ الأدب في عهده ، وديوانه المخطوط كافٍ لأن يُعرب عن مكانته السامية في صرح الأدب الرفيع .
وأمّا كونه حفيد شاعر : فجدّه السيد سليمان الكبير من مؤسسي دولة الأدب في (الحلّة) ، فقد نزلها في سنة 1175هـ وامتزج بأعلامها ، وساجل الأفذاذ منهم ، كالنحويين والشيخ أحمد بن حمد الله ، والشيخ درويش بن علي الفقيه ، ومحمد بن إسماعيل الشهير بابن الخلفة .
وأمّا كونه والد شاعر : فابنه السيد حسين شاعر أديب ، اشترك في رثاء أبيه ، وساجل الأدباء من أخدانه ، ونال مكانة مقبولة بين إخوانه الأدباء .
وأمّا كونه عمّ شاعر : فابن أخيه الشاعر المفلق السيد عبد المطلب الحليّ الذي شارك في بعث النهضة الأدبية ، وديوانه حافل بالقصائد الوطنية ومحاربة الاستعمار
الصفحة (7)
الانكليزي بصرامة وقوّة وعقيدة .
فهذه المصادفات لم تتفق إلاّ لأفراد يعدّون بالأصابع في تأريخ الأدب العربي ، وأُسرته من أنبه الأُسر الحليّة ، وأعرفها في المجد والسؤدد ، والعلم والأدب ، وقد انتشرت في كافة ربوع العراق ما بلغ عددها الآلاف ، ومعظمهم أصبح يتولّى شؤون الزراعة .
نسبه
هو أبو الحسين : حيدر بن سليمان بن داود بن سليمان بن داود بن حيدر بن أحمد بن محمود بن شهاب بن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي القاسم بن أبي البركات ابن القاسم بن علي بن شكر بن محمد بن أبي محمد الحسن (الحسين) الأسمر ابن شمس الدين النقيب ابن أبي عبد الله أحمد بن أبي الحسين (الحسن) علي بن أبي طالب محمد بن أبي علي عمر الشريف ابن يحيى بن أبي عبد الله الحسين النسّابة ابن أحمد المحدّث ابن أبي علي عمر بن يحيي بن الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين علي ابن الإمام الحسين السبط ابن الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، صريحة يُعرب وعنوانها ، وفخر عدنان ومجدها ، وما أجدره بمصداق قول أبي تمام الطائي :
نسبٌ كأنَّ عليهِ من شمسِ الضحى نورٌ ومن فلقِ الصباحِ عمودا
كما هو مصداق قوله (رحمه الله) :
نسبٌ عقدنَ أصوله بذوائبِ العلياءِ فروعه
الصفحة (8)
ولادته ونشأته
ولد المترجم له في الحلّة 15 شعبان من عام 1246 هـ ، ونشأ بها يتيماً ؛ فقد مات أبوه وهو طفل صغير ، فتولّى تربيته عمّه السيد مهدي السيد داود على أرقى الأساليب التربوية إذ ذاك ، وتعهّده كما يتعهّد أحد أولاده ، فقد شمله برعاية وعناية ، وقرّبه منه وجعله ثالث ولديه في الميراث ، وترى أثر هذا العطف يبدو عليه في الحزن الذي شمله ، والذي أعرب عنه في رثائه لعمّه هذا بقوله :
أضبا الردى أنصلتي وهاكَ وريدي ذهبَ الزمانُ بعدّتي وعديدي
ممّا ستقرؤها في المجلّد الثاني من هذا الديوان ، فقد سار على النهج الذي رسمه له مَنْ تتبع الفضائل والتحلّي بها ، وانصرف إلى صقل مواهبه التي خلقت منه شاعراً فاق عمّه في كثير من الحلبات الأدبية ، ولا بدع فقد غذّاه عمّه بما وسعه أن يغذّيه من لبان أدبه وعلمه ، وأورثه كثيراً من صفات الرجولة والبطولة .
شعره وشاعريته
لعلّ التحدّث عن شاعرية السيد حيدر في غنى عن البسط والتحليل بالنظر لما عرفه الأدباء وغيرهم ، ولما سمعوه ووعوه من شعره الذي طرق الأسماع وخاصة في الرثاء ، فلقد نال إعجاب الجميع وهيمن على مشاعرهم فامتلكها ، ولقد كنت يوماً في مأتم فتليت قصيدته التي مطلعها :
تركتُ حشاكََ وسلوانها فخلّي حشايَ وأحزانها