من القائل إن تربية الأطفال سهلة؟ بالطبع كل أم تعي جيدًا أبعاد هذه المسألة ومدى جسامتها، فمن الطبيعي أن الأطفال في هذه السن الصغيرة يميلون للعب والحركة والاستكشاف، ما يجعلهم يتسببون في الكثير من الإزعاج وارتكاب الكثير من الأخطاء. ولكن مع بعض العناية والتوجيه، يمكنكِ مساعدة طفلكِ على أن يحسن التصرف بطريقة تصقل شخصيته وتنمي قدراته.. إليكِ فيما يلي بعض النصائح التي ستساعدكِ على أداء ذلك.
كل نظام يبدأ بوضع القواعدلا يوجد أي نظام يمكن أن ينجح دون أي قواعد، بما في ذلك نظام تربية طفلكِ، ولا بد من وضع بعض القواعد والتعليمات له حتى يحظى بالتربية السليمة، التي ستجعله يحسن التصرف فيما بعد، ومنها على سبيل المثال: "يجب أن تنام بحلول الثامنة"، "لا تتحدث بصوت عالٍ"، "لا تترك أغراضك مبعثرة". لكن يجب أن تعلمي إنه عندما يأتي طفلكِ إلى هذا العالم، لا يعلم ماهية النظام والقواعد، وهنا يأتي دوركِ لإقناعه بتنفيذها، فكل أم يمكنها أن تضع العشرات من القواعد والتعليمات، ولكن القليلات يمكنهن إقناع أطفالهن بتنفيذها.
ولكن كيف يمكن للسوبرماما أن تقنع صغيرها بتنفيذ القواعد والتعليمات؟أولًا: لا بد أن يقتنع الطفل بجدوى هذه التعليمات، فمثلًا: لا بد أن تنام بحلول الثامنة حتى تنعم بجسم صحي وقوي، أو "لا بد من أن تغسل أسنانك كل صباح حتى تصبح بيضاء كوالديك" أو "لا بد أن ترتب أغراضك حتى يسهل العثور عليها حينما يحين وقت اللعب." إذا اقتنع طفلكِ بالسبب سينفذ هذه المهام بنفسه، دون الحاجة لأن تطلبي منه ذلك.
ثانيًا: التشجيع من أهم الوسائل التي ستجعل طفلكِ يستمر في سلوكياته الحسنة، ويمكنكِ ببساطة تشجيعه ببعض عبارات الثناء، مثل "كم أنا فخورة برجلي الصغير الذي يرتب سريره كل يوم" أو "ابني النشيط قد نظف الطاولة بعد أن أنهى طعامه". المشاعر الإيجابية دومًا ما تساعدنا على المضي قدمًا، خاصةً وإن الأطفال عادة ما يرغبون في الحصول على رضا والديهم، لكن احرصي على التركيز على مدح السلوك أكثر من مدح الطفل، ليعرف الطفل ما هو الفعل الذي يستحق الثناء تحديدًا.
ثالثًا: لا يمكنكِ تطبيق هذه القواعد على صغيركِ فحسب؛ فأطفالنا ليسوا إلا مرآة لنا، وعلى سبيل المثال لا يمكنكِ أن تتطلبي من صغيركِ أن يتوقف عن الصياح وهو يرى والده يصيح طوال الوقت، ولا يمكنك كذلك أن تطلبي منه ترتيب فراشه وأنتِ لا تفعلين ذلك. وهناك الكثير من الأفعال والعادات التي سيتعلمها صغيركِ أو صغيرتكِ منكِ، لذ احرصي أن تنقلي له أفعالًا وعادات إيجابية.
رابعًا: من المهم ألا يقترن تنفيذ التعليمات والقواعد بوجودكِ فحسب، لذا إذا شعر بالذنب لعدم اتباع القواعد، لا تتفهي من الأمر أو تشعريه أن الأمر ليس بذلك الأهمية. على العكس، سيفيد طفلكِ في هذه الحالة بعض تأنيب الضمير، وهو من أهم الوسائل حتى يتعلم الطفل كيفية التمييز بين الخطأ والصواب، لكن دون أن تقسي عليه، على سبيل المثال إذا بكى طفلكِ لأنه كسر لعبته أو لم يرتب أغراضه كما وعدكِ، قولي له "حسنًا، لقد أخطأت هذه المرة وجميعنا نخطئ، لكن يجب أن نتعلم من أخطائنا وفي المرة القادمة ستحسن التصرف".
خامسًا: عادة ما يكره الأطفال كونهم يتلقون تعليمات طوال الوقت وليس بيدهم حيلة سوى التنفيذ والحصول على الثناء أو التمرد والخضوع للعقاب، ولكن ربما يمكنكِ أن تمنحي طفلكِ المزيد من الخيارات، مثلًا هل تفضل الرداء الأخضر أم الأزرق؟ أو هل تفضل السمك أم الدجاج لهذا الغداء؟ وفي مرحلة متقدمة يمكن لطفلكِ اتخاذ قراراته بنفسه.
سادسًا: سيساعده تشجيعه على التجربة وتكرارها على تطوير مهارات اتخاذ القرارات وحل المشكلات، ويمكنكِ مساعدته على ذلك عن طريق إسناد مهام بسيطة له، مثل فرز الجوارب أو تجميع الألعاب ورصها، دون أن تتدخلي أو تملي عليه الطريقة التي يمكن استخدامها للقيام بذلك.
مفاهيم لا يعرفها الأطفال هناك الكثير من المفاهيم التي نعرفها ونعيشها يوميًا، ولكنها وعلى بساطتها غير مستساغة بالنسبة للأطفال بعد، ومن أهم هذه المفاهيم الصبر؛ فعادة عندما يريد الأطفال شيئًا، فإنهم يريدون الحصول عليه على الفور، وإذا لم يحصلوا عليه، فإنهم قد يتصرفون بشكل عصبي أو غاضب حتى يحققوا مرادهم. في هذه الحالة، أسوأ تصرف هو أن تمنحيه ما يرغب به، بل يتعين عليكِ في المقابل أن تعلميه فضيلة الصبر، وذلك عن طريق:
أولًا: دربي طفلكِ على الانتظار، لن يتعلم صغيركِ الصبر إلا إذا اختبر مرارة الانتظار. فعليكِ إذًا، على سبيل المثال، عدم تقديم الحلوى التي يحبها على الفور، بل اتركيه ينتظر قليلًا قبل أن تقدميها له.
ثانيًا: عادة ما يعجز الأطفال عن التعبير عن مشاعرهم، وخاصة إذا لم ترق لهم، لذا يمكنكِ مساعدة طفلكِ على تحديد ماهية مشاعره والثناء عليها في حالة الصبر، مثلًا "أنا فخورة بصغيري لأنه يتحلى بالصبر.. أعلم أن الأمر ليس سهلًا ولكنك رائع كالعادة."
ثالثًا: شجعي طفلكِ على الانخراط في أنشطة تعلمه الصبر، مثل تلك الألعاب التي تتطلب مزيدًا من المجهود والوقت، كألعاب البناء والتركيب وألعاب الألغاز وغيرها.
وبجانب الصبر، هناك مفاهيم أخرى لا بد أن تزرعيها في صغيركِ، ومنها تفهم مشاعر الآخرين والتعاطف معهم، فعادة ما يعتقد الأطفال إنهم محور العالم، ويرفضون مشاركة الآخرين أو التعاطف معهم، ففي التجمعات العائلية على سبيل المثال كثيرًا ما ستجدين طفلكِ يبكي وينهار إذا استخدم طفل آخر لعبته أو حتى حذاءه. وعادة ما تخشى الأمهات أن يكبر ابنها ويصبح إنسانًا أنانيًا لا يفكر إلا في ذاته، ويمكنكِ غرز مثل هذه المفاهيم عن طريق:
أولًا: الثناء هو الكلمة الذهبية لتشجيع طفلكِ على أي تصرف إيجابي، فإذا أبدى طفلكِ أي تصرف إيجابي ينم عن التفهم والمشاركة، فاثني عليه في الحال، مثلًا إذا علمت إنه اقتسم قطعة الحلوى أو وجبته مع صديقه، أو حتى في بعض التصرفات العفوية البريئة للأطفال في السن الصغيرة؛ عندما يحتضن لعبته أو يغطيها في الطقس البارد، احرصي على ألا تمر هذه اللحظات دون أن تشجعيه وتثني على حسن تصرفه.
ثانيًا: نظرًا لأن الأطفال لا يفهمون هذه المفاهيم، يمكنكِ مساعدة طفلكِ على اتباعها باستخدام أسلوب الأسئلة بدلًا من أن تملي عليه كلامًا مرسلًا، على سبيل المثال، إذا قال لكِ إنه قد شارك قطعة الحلوى مع صديقه، اسأليه "ترى ماذا كان شعوره عندما فعلت ذلك؟"
بالطبع التربية ليست بالأمر السهل، ولكنها تستحق العناء، وتذكري دومًا أن تخصصي الوقت والمساحة الكافيين لصغيركِ، وألا يقتصر دوركِ على تحضير الطعام وكي الملابس، بل احتفي به عندما يشاركك أي شيء مهما كان صغيرًا، واستمعي له جيدًا، فكثير من السلوكيات الغاضبة التي يبديها الأطفال تكون في حقيقتها طريقة بائسة للحصول على الاهتمام. وتذكري أخيرًا أن الحب والمشاركة قد تكون طريقة أفضل لتهذيب طفلكِ، بدلًا من العقاب والضرب.