مواقف النجف تدفع التحالف الوطني لمراجعة "التسوية" والانفتاح على المعارضين
بغداد / وائل نعمة
منذ أشهر ومشروع "التسوية" يراوح مكانه، فيما تتوسع جبهة معارضيه، وتتعالى أصوات المنتقدين. في هذه الأثناء تواصل الأطراف الشيعية والسُّنية تقديم مواقف موحدة بشأن المشروع، لاتساع الخلافات داخل الجبهتين.
ومنذ الاجتماع الذي عقده رئيس التحالف الوطني عمار الحكيم مع اتحاد القوى، في منزل رئيس البرلمان سليم الجبوري، لم يطرأ تغيّر على الموقف السُّني الذي كان يطالب بمنحه وقتاً إضافياً لبلورة ورقة خاصة وتوسيع جبهة المشاركين.
وبعد أيام من الاجتماع وجّه المرجع الأعلى رسالة اعتبرت سلبية ضد مشروع التسوية، كما ألحقها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بعدة نقاط وكرر تحفظه على المصالحة مع "القتلة". وإثر مواقف المرجع السيستاني، كشف حزب الدعوة، ومن ورائه رئيس الوزراء حيدر العبادي، عن مشروع خاص يعكف على إعداده لمرحلة ما بعد داعش، من دون الإعلان عن تفاصيله. وينتظر حزب الدعوة تغيير أغلب وجوه القوى السُّنية في العملية السياسية بعد الانتخابات التشريعية المقبلة.
"سوء فهم"
واعتبرت أوساط التحالف الوطني المواقف المناهضة للتسوية بأنها ناتجة عن "سوء فهم". واتفقت الهيئة القيادية للتحالف الوطني، خلال اجتماعها الاخير، على الاستمرار في "التسوية"، والتحرك باتجاه القوى السياسية لتغيير الصورة الخاطئة التي تشكلت حولها.
وشككت أطراف شيعية، مؤخرا، بإمكانية نجاح "التسوية" بعد المواقف الاخيرة للمرجعية الدينية، والانتقادات المتكررة التي يوجهها زعيم التيار الصدري.
وعزا أكثر المتفائلين بمستقبل "التسوية" الاعتراضات إلى تداول أنباء عن شمول "شخصيات مشبوهة"، بإجراءات المصالحة بهدف ضمهم الى العملية السياسية.
إلى ذلك، رأى نواب من دولة القانون أن مشروع التسوية يتجه نحو "الفشل" بسبب طرحه في توقيت سيّئ.
ونأى المرجع الأعلى السيد السيستاني بنفسه عن مشروع "التسوية" عبر بيانين أعقبا زيارة قام بها وفد رفيع يمثل التحالف الوطني ترأسه عمار الحكيم.
ورفضت أوساط المرجع الأعلى الزجّ باسمه في المشروع، داعية الكتل السياسية الى تحمل مسؤولياتها، في مؤشر على عدم تحمّس مرجعية النجف للمبادرة التي أطلقها الحكيم.
بدوره وضع زعيم التيار الصدري 12 مقترحاً أمام التحالف الشيعي أبرزها تغيير وجوه قادته بشكل كامل لكسب ود المرجعية. وكان وفد التحالف الوطني قد زار النجف، الاسبوع الماضي، والتقى أربعة من مراجع الدين من دون ان يحظى بلقاء المرجع السيستاني. وركزت مباحثات الوفد مع المراجع على ورقة التسوية السياسية. وعلق نواب عن ائتلاف المواطن، بزعامة الحكيم، على مواقف المرجعية بعد زيارة وفد التحالف الوطني، بأن لقاء السيستاني لم يكن ضمن جدول الزيارة.
لكنّ حامد الخفاف، الناطق باسم المرجع الأعلى، أكد أن "رئاسة التحالف الوطني والوفد المرافق، طلبوا موعداً للقاء سماحة السيد السيستاني الذي اعتذر عن لقائهم كما هي عادته منذ سنوات"، عازياً رفض المرجع لاستقبال الوفد الى "نفس الأسباب التي دعته لمقاطعة القوى السياسية التي ذكرتها المرجعية العليا في بيان شهير إبان الحركة المطلبية الأولى، وأعادت تكرارها مراراً إبان الحركة المطلبية الأخيرة ولكن دون جدوى". وأضاف الخفاف أن "التحالف الوطني أراد زج المرجعية في موضوع التسوية، وسماحة السيد السيستاني لايرى مصلحة في ذلك".
التحالف يفقد بريقه
وتقول مصادر مطلعة داخل التحالف الوطني إنّ الانتقادات الاخيرة التي صدرت من المرجعية "أفقدت التحالف الوطني بريقه".
وأضاف نائب مقرّب من رئيس الوزراء، طالباً عدم ذكر اسمه لحساسية المعلومات، ان "الاجتماع الاخير للتحالف الوطني، الذي كان على مستوى القيادات لم يحضره زعيم منظمة بدر هادي العامري، أو ممثل عن حزب الفضيلة".
وغاب رئيس الوزراء حيدر العبادي عن الاجتماع رغم مواظبته على المشاركة في الاجتماعات السابقة. لكنّ القيادي في التحالف الوطني يعزو ذلك الى ان "العبادي يأتي عندما يتم طلب حضوره لمناقشة موضوع معين".
ويؤكد النائب عن حزب الدعوة ان "الاجتماع الاخير لم يخصص للتسوية"، مبينا ان "الحديث دار عن الموصل والقوانين التي يجب تمريرها في الفصل التشريعي الجديد، وحظيت التسوية بجزء بسيط من الجلسة".
حياديّة موقف النجف
لكنّ النائب عن بدر محمد ناجي، الذي حضر الاجتماع ممثلا عن زعيم المنظمة هادي العامري، قال ان "الاجتماع اكد ضرورة مراجعة ورقة التسوية".
وأضاف ناجي، في اتصال هاتفي مع (المدى) أمس، إن "التحالف اتفق على تكثيف الحوارات واللقاءات لإزالة سوء الفهم عن بعض بنود التسوية، كما اتفق على أخذ الملاحظات التي أُثيرت من قبل الرأي العام والقيادات السياسية حول التسوية على محمل الجد والاستفادة منها". بالمقابل ينفي القيادي في منظمة بدر ان تكون المرجعية الدينية رافضة للمشروع. لكنه يعترف بأنها لم تعط موقفا إيجابيا تجاه التسوية خلال خطابها الاخير. و يؤكد ان "المرجعية رفضت التدخل في التسوية ولم تقدم موقفاً سلبيا كذلك".
ويعترف النائب عن كتلة بدر ان "المشروع بحاجة الى بعض الوقت، لإقناع جميع القوى بالتسوية"، مشيرا الى ان "أطراف التحالف الوطني منقسمة بين مؤيد، وآخر يرفض المشروع جملة وتفصيلا وثالث لديه ملاحظات".
الدعوة يبحث عن ضمانات
من جهته يقول النائب عن حزب الدعوة "حتى المتحمسون للمشروع لا يؤيدون الحديث في الموضوع إلّا بعد تحرير الموصل". ويضيف النائب المقرب من رئيس الوزراء ان الاخير "لم يؤمن بالتسوية السياسية، ويبحث عن مصالحة مجتمعية بين العشائر والسكان بعد الخلاص من داعش".
وكان العبادي قد ألمح، في أكثر من مناسبة، إلى المشروع البديل.
ويعتقد حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون ان جوهر "التسوية" يقوم على إعطاء تنازلات من الطرف الشيعي مقابل ضمانات من الطرف الآخر بالكفّ عن استخدام العنف.
لكنّ القيادي في التحالف الوطني يشكك بأن تكون النخبة السياسية السُنية الحالية "قادرة على إعطاء تلك الضمانات".
ويعتقد ائتلاف دولة القانون أن الانتخابات البرلمانية، المقرر إجراؤها عام 2018، ستغير 70% من الشخصيات السياسية السُنية الموجودة حالياً.
ويرجح الائتلاف صعود قيادات من "الحشد العشائري" التي حاربت داعش خلال الانتخابات الجديدة. وينظر إليها بأنها ستكون أكثر انسجاماً وإيماناً بالعملية السياسية.
وبحسب رؤية حزب الدعوة وائتلاف المالكي، فإن القوى الشيعية، وقتذاك، ستكون مستعدّة للتنازل وبدء صفحة جديدة. وكانت الخلافات داخل التحالف الوطني، لاسيما التوتر الذي شهدته البصرة بين التيار الصدري وحزب الدعوة، دعت بعض الاطراف داخل التحالف الى عقد تسوية "شيعية - شيعية".
السُّنة ينقدون الانقسام الشيعي
واللافت في أجواء النقاشات حول مشروع التسوية، أن توجه القوى السنية انتقاداتها للتحالف الوطني وتطالبه بتوحيد موقفه قبل ان يقوم بعرض التسوية على الفرقاء السياسيين.
وتكشف النائبة انتصار الجبوري، عضو تحالف القوى، بان رئيس البرلمان سليم الجبوري طالب الحكيم، خلال اللقاء الاخير بينهما، بأن يقدم موقفا شيعيا موحداً للتسوية، باعتباره رئيسا للتحالف الوطني.
وتقول الجبوري في تصريح لـ(المدى) أمس، بأن "تحالف القوى يشعر بوجود انقسام كبير داخل التحالف الوطني من خلال ملاحظات زعيم التيار الصدري والمرجعية حولها".
وترى عضو تحالف القوى ان "التسوية ولدت ميته"، وتؤكد "لم نكن نعول كثيرا عليها في حل أزمات البلاد".
وحتى الآن لم يقدم تحالف القوى ورقته التي طالب مسبقا بمنح مزيد من الوقت لغرض إنضاجها.
وكان قيادي في المجلس الأعلى قد قال، في وقت سباق، إن "اللقاء بين زعيم التحالف والقوى السُنية سيتكرر حول التسوية"، مرجّحاً أن يقدم تحالف القوى ورقته خلال العام الجديد.
المصدر